للأحلام خيوط... وحين تنسج الخيوط حلما تكسوه لونه الزاهي... تطرزه الأصابع بحلمها الوردي... وتغزل خيوطه حين يسترخي الظلام ويتوسد التعب مفاصل الليل. ** هذه الكهلة نسجت أحلامها وطرزت مفارشها بخيوط فرح في ليل ليس يعريه نور... أو ضوء. تفرح حين تنهي غزلها وتفرح حين ترى ما غزلته وقد تحول إلى مُنتج يستفاد منه. ** صورة الكهلة ومغزلها تتلقفه يديها.. إنه رفيق الخطى... سميرها... حيث لا سمير.. يشحذ منها الغناء كي تحفزه حين يجهد من الدوران حول نفسه... وتخنقه الخيوط.. يسألها أن تهيجن... أن تطوح بصوت يبعد شبح الرتابة والسكون.. ويغرد في فضائها عطاء لا يهن أو يتعب. ** المغزل.... النديم الذي يتخطف كل شجونها وينسيها همومها.... ** مساحات من وقت... فضاء من نهار... ظلمة من ليل... لا تعني لها شيئاً. إنها مشغولة في شيء مثمر... فيه نفع لها وللآخرين ** تنادمه.. في إطراب.. تغني على إيقاع المغزل... وحركته والتفاف الخيوط وهي تتضخم على عوده. حواس يقظة.... شعر يموسق الغزل.. يجعلها تتفنن في غزلها. تتأمل ما حولها... تطالع الأصابع التي تتلاعب بالمغزل.. وكأنها تلامس أوتار ربابة. ** الوقت... هو الوقت.. لكنها تحسب للدقائق أكثر من حساب. لم تفرط بالثواني وإلا لطوّح بها الوقت خارج عقارب الساعة.. خارج الزمن. ** في صباحها المتوثب... ترفع برأسها إلى السماء الزرقاء... تنتظر القطر.... ولا سحاب. ** تتناول المغزل في رحلة يومية لا تنتهي فصولها. ترتبط به كارتباط الطفل بلعبته... إنه أنيسها... ورفيقها... حين تفرح أو حين تُسْودّ بُرج الأمل وتضيق مساحات الفرح. ** تتعلق بالمغزل فتراه نبضاً ارتبط به قلبها ووجدانها. ترى فيه الحياة والعطاء والعمل. وترى في هجره الموت الذي يمثل نهاية عمر بين عكاز يصبح ثالث أقدامها.. أو رهينة الجدران والفراغ والهم وكوابيس الأحزان التي تهطل عليها كلما استعادت شريط حياتها... المغزل عجلة دارت معها حياة هؤلاء... فيما ملمح آخر... يطل علينا. فقد جاء الجوال ليأخذ مكانة المغزل وقد صار ضرة فعشقن هؤلاء النسوة هذا الجهاز وتخلين عن رفيقهن في حياة الكد والكفاح والعطاء.... طوحن به في السلة.. هذا الجهاز أصبح لا يعرف تطريباً من مستخدمته ولا يشحذ منها الهجيني. بل يأخذ من الجيوب ما لم يأخذه المغزل في حياته.. الجوال يأتي بكل شيء... الزين والشين وسرق الوقت ومتعة المجلس وأفضى بالأسرار وباح بكل خفي وأخرب وهدم بيوت، لكن المغزل لم يكن وسيلة من وسائل العبث... المغزل اليوم يتباكى على عصره الذي ولى بغير رجعة.. إنه بلا بواكي.. ولا دموع تذرف على فراقه. المغزل وحتى منتجات المغزل أصبحت في ذمة التاريخ... إن كان هناك من يحفظ التاريخ.