حثَّ فضيلة الشيخ عايض بن محمد العصيمي - مفسر الأحلام المعروف، عموم الناس، والمرضى خصوصاً على عدم الذهاب إلى الرقاة غير الأتقياء الذين يتاجرون بأمراض الناس، وظروفهم الصحية، والنفسية، محذراً من الآثار المترتبة على الذهاب إلى مثل هؤلاء الرقاة غير المأمونين في عقيدة المسلم، وارتباطه بخالقه، ومؤكداً «في الوقت ذاته» أن الذهاب إليهم من شأنه أن يزيد المرضى وهماً ووسوسة في أنفسهم وحالهم. وعبر فضيلته عن أسفه لأن الكثير من الناس وقع في حبال هؤلاء الرقاة، بعد أن سلبوا منهم أوقاتهم وأموالهم وصحتهم وأرواحهم، معتقدين أن هذا كله علاج قرآني، لم يستفيدوا سوى هم على هم، وغم على غم، زرعوا فيهم الوسوسة والمرض والسحر والمس.. إلخ، أجور بعض الرقاة فاقت الأطباء وكبار الاستشاريين، بل بعضهم بلغ أجره أن تجاوز حتى مرتب الوزير. جاء ذلك في سياق حديث فضيلته عن الرقية الشرعية، ونوعية الممارسين لها، ومدى كفاءتهم من الناحية الشرعية والفكرية والعلمية، ومدى أهليتهم لذلك، بعد أن وقف فضيلته بنفسه على أحد الممارسين غير المؤهلين للرقية على مجموعة من الناس، حيث روى ل «الجزيرة» ما شاهده وسمعه على أرض الواقع، إذ يقول: لا وقت للحالات الفردية قصة حضرتها بنفسي.. أصرَّ عليَّ أحد الإخوة الكرام من له مكانة غالية على قلبي أن أصاحبه لراق (لحاجة في نفسه أظنه قضاها) بعد صلاة العصر مباشرة، هذا الراقي الذي يقرأ على الناس انتشر صيته في الأرجاء، يأتيه الناس من كل حدب وصوب، وافقت شريطة أن أجلس في السيارة ولا أدخل عليه ووافقني، حاول زميلي وحاولت معه أن نصل للراقي، وأن نحدد معه موعداً شخصياً مسبقاً علنا أن نحفل بجلسة خاصة، إلا أنها باتت كل محاولتنا بالفشل، بعد أن اتصل عليه صديقي ولم يضرب له موعداً، فحضر مع من حضر بالموعد المخصص لاستقبال الناس، فلا وقت لديه ليستقبل الحالات الفردية!! توجهنا للمكان، بيت قديم، الشوارع من حوله مكتظة بالسيارات، وقفنا سألنا، أجاب علينا أحد الواقفين في الشارع أن نعم قد وصلتم هذا هو الشيخ، نزل زميلي، حاول أن ينزلني معه، قال لي: لن تخسر شيئاً أبا محمد، ولا تطلب منه شيئاً، عندها تشجعت وأردت أن اكتشف هذا العالم الجديد علي، نزلنا (وفعلاً إذ هو عالم من الخيال) البوابة قد امتلئت بالرجال الذين وقفوا يميناً وشمالاً، دخلنا بشيء من الصعوبة، اندهشت إذ أرى شيئاً لم أشاهده في حياتي! في الشارع أناس واقفون، وعند الباب كذلك، وأمامك نافذة توزع من خلالها الأرقام (ومن سبق لبق)، والكثير قد استاء لفوات تلك الأرقام، نظر إليَّ زميلي ونظرت إليه وسألنا كيف الطريقة للدخول على الشيخ؟ قال لنا أحدهم: أخذتم رقماً؟ قلنا: لا. قال: أعانكم الله على موعد آخر، ولتبكروا في المرة الثانية، والأرقام توزع في تمام الساعة الثانية، دخلنا والثقة بداخلنا أننا سنكمل ما أتينا لأجله، مجلس كبير يزدحم بالناس، ما بين كبير وصغير، ومريض وصحيح، ومقعد وسقيم وعاجز، ومواطن ومقيم، وملبوس ومحتاج، عيونهم قد امتلئت باليأس والقنوط، نظرت إليهم برحمة وإشفاق، جلس صديقي العزيز بينهم وكان شجاعاً، جلست أبحث عن رقم من هنا وهناك، قام أحد الحضور مشكوراً وأعطاني رقماً زائداً معه، وقال لي خبئه لا يراك أحد، ففرحت به، وناولته صديقي بكل سرور، انتظرنا طويلاً فلا نعرف كيف نظام الراقي وطريقته؟ تقدمت فإذا بعد هذا المجلس مجلس آخر مليء بالناس كذلك، دخلنا سوياً للمجلس الآخر، جلس فيه صديقي نظرت فإذا بمجلس يتلوه مجلس، وغرفة تتلوها غرفة، البيت كله قد امتلأ بأرجائه وملحقاته بالناس، عندها أصابني إحباط أن لا وصول للشيخ، إلا أننا تقدمنا ووصلنا عند باب حديدي مغلق، أسمع صوت الراقي يصرخ بآيات لم أستطع أن أميزها، ويدعو بصوت عال، قام زميلي ووقف عند الباب، وما هي إلا لحظات بسيطة فإذا بالباب يفتح، ويصرخ من كان عند الباب بالأرقام 31، 32، 33، ويخاطب الناس نحن لا ندخل إلا عشرة عشرة، نظرت لزميلي فقلت له: كم رقمك؟ فقال لي 146، فعلمت أن الشمس ستغيب ونحن في مكاننا، أغلق الباب بعد أن دخل من دخل وخرج من خرج، ثم ما هي إلا لحظات بسيطة ففتح الباب وبدأ ينادي بالأرقام 41، 42، 43، تقدم صديقي لحارس الباب تمتم معه بكلمات ومحاولات كانت موفقة فأدخله مع العشرة الذين نادى بهم، لم ادخل معه وانتظرت في الصالة، فإذا بمجموعة من الناس يتضاحكون بينهم، ويقولون اسكتوا اسكتوا لا يسمعكم الشيخ فهو يعرف كل شيء، ويعلم أنكم تتحدثون عنه، بعد أن قاموا بتغيير أرقامهم بينهم، وقال لهم بعض الجلوس سيكشفكم لا محالة، ما هي إلا لحظات وخرج زميلي ولم أعلم به، فإذا به يتصل عليَّ ويقول قد خرجت، فخرجت من المكان الذي أنا فيه، وبينما أنا في خروجي مررت بمكان يباع فيه الماء والعسل والسدر والزيت، لاحظت أن العامل يقوم بفتح المياه ثم يغلقه وهكذا لا أعلم أقرئ فيها أم لا، وعند الباب وجدت رجلاً كبيراً يحمل بيده كيساً قد امتلأ بالعلاج وينتظر أحد العمال ليحمل كرتون الماء، سألت الرجل بكم هذا الماء؟! قال: لا أعلم قد اشتريت معه زيت وعسل وسدر وأمور أخرى صرفت لي من الراقي، قلت له: بكم؟ قال لي: بخمسمائة ريال، فعلمت أنها تجارة لن تبور، (فهي لا تكلف رأس مالها ريالات)، خرجت بالشارع وجدت رجلاً فيه جنون، بعقله سقم، سلم عليَّ وقال لي: سأخبرك بحكمة مجانية لك في الحياة، أرخص من الشيخ الراقي؟ قلت قل: فقال لي: حكمة ذهبية أحتفظ بها لنفسي، وصدق من قال: خذ الحكمة من أفواه المجانين، ودعني هذا المجنون وذهبت للسيارة، وبينما أنا أسير إذا بمجموعه من الناس قد اجتمعوا وفيهم الغضب، يقولون: أخرجنا الشيخ الراقي وقال: من ليس معه رقم لن يقرأ عليه، ومن لم يحضر خطبتنا فلن يقرأ عليه، ونحن قد جئنا له من مكان بعيد فماذا يريد؟ أيريد الأجر من الله؟! استمعت لحديثهم ولم أعلق بشيء فمشيت ووجدت زميلي قد وقف عند السيارة، فقلت له: هاه ما الخبر؟ فضحك ضحكت صفراوية! وقال لي: اركب وأخبرك، فقال هو والله جاهل من الجهال لا يحسن القراءة يكسر في الآيات، ويتمتم بكلمات ودعوات لا تغني ولا تسمن من جوع، يدخل العشرة ويجلسهم ليستعدوا للرقية بوضع غريب عجيب، ويمر عليهم يقرأ: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ} يكررها بخطأ متكرر بالآيات (لا أعلم أيها من آيات الرقية أو لا يحفظ إلا هي)، وبصوت مرتفع، وينفث سريعاً، مع دعوة سريعة بالشفاء، بعد أن يمر عليهم كلهم ويمسك بكتف وبطن الواحد منهم، ويسأل أتشكو من ألم في رأسك في ظهرك في بطنك؟ والمريض يجيب بعد أن باغته بالأسئلة التي تحكي عن واقعه، فيوافقه المريض، ويقول للكاتب أعطه كذا وكذا، في ورقة قد هذبت وسجلت فيها المواعيد واسم المريض والعلاج الذي يصرف له، ثم يعطى ورقة العلاج وينصرف، قلت له أرني الورقة، نظرت فيها فإذا بها أمة من الأدوية قد سجلت، عسل وسدر وماء وأعشاب وأشياء لا أعرفها، وبأسفل الورقة مكتوب نصائح عامة، لا يجوز الذهاب للسحرة والمشعوذين والكهان. قلت ضاحكاً لزميلي ولم لم تشتري هذا كله، قال: لا. وهل بي شك أن الشافي ومزيل الهم والغم هو الله، وما أتيت إلا لحاجة في نفسي قضيتها، نظام هذا الراقي مواعيد تتلوها مواعيد وأدوية تتلوها أدوية، علماً أنني لا أخفيكم سراً هو محتسب لله تعالى، فلا يأخذ على الأرقام مالاً، إلا أنه يتم تعويضها أضعافاً مضاعفة في الماء والعسل المصفى والسدر والأعشاب!! ممارسات مغلوطة وبعد إكمال الشيخ عايض العصيمي للواقعة، قال: إن كل ما ذكرت وحصل شاهدته وحضرته، وسوف يسألني الله عنه يوم القيامة.. إلا أنه صورة من الصور والممارسات المغلوطة في مجتمعنا البسيط.. المتواضع.. الطيب.. انتشار أولئك الرقاة غير الأتقياء في كل مكان.. وشاع عن بعضهم أنه راق، حين تصدر ذلك المقام، وقد لا يحسن أحدهم قراءة الفاتحة وقصار السور فضلاً أن يقرأ غيرها من الآيات، أصبحت عياداتهم واستراحاتهم التي يستقبلون فيها المرضى سوقاً رائجة يحصدون منها الملايين من بسطاء الناس وسذجهم، وقد تعلق المرضى بهؤلاء الرقاة الذين انتشر صيتهم بالمعمورة أكثر من تعلقهم بالله تعالى النافع الضار - والعياذ بالله - {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ}، الكثير من الناس وقع في حبال هؤلاء الرقاة، بعد أن سلبوا منهم أوقاتهم وأموالهم وصحتهم وأرواحهم، معتقدين أن هذا كله علاج قرآني، لم يستفيدوا سوى هم على هم، وغم على غم، زرعوا فيهم الوسوسة والمرض والسحر والمس.. الخ، أجور بعض الرقاة فاقت الأطباء وكبار الاستشاريين، بل بعضهم بلغ أجره أن تجاوز حتى مرتب الوزير. استغلال الناس واسترسل فضيلته قائلاً: إننا لا ننكر الرقية الشرعية، ولا ننكر أولئك الأخيار الأتقياء الذين اتصفوا بالعدل والأمانة والنزاهة والصدق، إلا أنه التصق بهم أناس كثير جداً ليسوا منهم في شيء، استغلوا هموم وعواطف وجيوب الناس، لم يخرجوا إلا في ظل غياب نظام رادع لهم يحدد مسارهم الصحيح لا السقيم، فلا بد من وضع ضوابط واضحة لهذه المهنة، يعلمها حتى الجميع والعوام من الناس، بعيادات مرخص بها من قبل إمارة كل منطقة من مناطق المملكة الواسعة، كما هو معمول به في منطقة الرياض، وينبه الناس أنه يمنع من الذهاب للعيادات غير المصرح بها، ويوضع رقابة للرقاة الشرعيين، بتشكيل لجنة متنوعة من الإمارة والشرطة والصحة ووزارة الشؤون الإسلامية وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرهم، ليوقف هذا السيل العارم الفتاك، الذي فتك بصحة ومال المواطن والمقيم، وسلب عقله قبل هذا كله، وليعمل الجميع في وضح النهار بضوابط وخطوات مدروسة واضحة للجميع. اختبار للرقاة وطالب الشيخ العصيمي أولئك الرقاة بأن يتقوا الله فيما يعملون ويكسبون من أخذ أموال الناس بغير حق شرعي، مشدداً على وجوب إخضاع الرقاة جميعاً لدورات، ليستفيدوا منها في الرقية الشرعية، وضبط آيات الرقية، وحسن التلاوة والنطق، وضبط تسعيرة الرقية وما يباع، ووضع اختبارات يمرون بها، وتسجيل ما يقع من مخالفات وممارسات لا ترضي حتى لا يقع لهم ضحية تذكر وتبتز، خصوصاً مع النساء، ولا يمنع أن يعطى تصريح للنساء اللواتي يحسن الرقية الشرعية على النساء فقط، فإن هذا سيسد باباً كبيراً في المجتمع من الفساد. وخلص فضيلته إلى القول: همسة في أذن كل مبتلى ومريض تردد كثيراً على الرقاة ولم يترك عيادة إلا ذهب لها.. أقول لهم جميعاً.. أحسنوا طلبكم وتوكلكم بالله العظيم فلن يكيفكم إلا هو ({وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ..}. يا صاحب الهم إن الهم منفرج أبشر بخير فإن الفارج الله إذا بليت فثق بالله وأرضى به إن الذي يكشف السوء هو الله الله يحدث بعد العسر ميسرة لا تجزعن فإن الخالق الله فمن تعلق بالله وأنزل حوائجه به والتجأ إليه، وفوض أمره إليه كفاه وهداه ولن يخيب رجاه ومسعاه.