في المجتمعات منكوبون وفيهم محتاجون ومساكين، وثكلى وأرامل، ومرضى ومصابون، فهذه أم رؤوم فجعت في ثمرة ولدها أو حيل بينها وبينه بأي سبب من الأسباب، وزوجة حنون فقدت شريك عشها ورفيق دربها، وطفل يتيم لم تكتحل عيناه برؤية أمه ولم يمتلئ فؤاده من حنان أبيه، قد علاهم الحزن وألجمهم الهم، من رآهم لا يملك إلا أن تدمع عينه لحالهم ويرق قلبه لشكواهم، وتأخذه الرحمة بهم، تلك الرحمة التي تجعل المرء يرق لآلام الخلق ويسعى لإزالتها، وهي العاطفة الحية النابضة بالحب والرأفة، (ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قبّل الحسن أو الحسين بن علي وعنده الأقرع بن حابس. فقال: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا قط ! فنظر إليه رسول الله وقال: (من لا يرحم لا يُرحم) وفي رواية (أوَ املك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك؟). إن العظماء المتواضعين من الناس هم الذين يملكون الرحمة والعطف والرقة، تجدهم سريعي التأثر، عند كل موقف وأمام كل مشهد ذي أحاسيس مرهفة وعيون دامعة. أما أصحاب القلوب القاسية المتبلدة فتجدهم دائما يتنكرون لآلام الأمة قد غلفت أفئدتهم الملذات، وطمست بصائرهم الماديات، فلا تجعلهم يشعرون بحاجة المحتاج وألم المتألم وحزن المحزون، والناس إنما يرزقون الأفئدة النبيلة والمشاعر المرهفة عندما يتقلبون في أحوال الحياة المختلفة ويلبسون مس السراء والضراء. عندئذ يحسون بالوحشة مع اليتيم، وبالفقدان مع الثكلى، وبالتعب مع البائس الفقير. كم في المجتمع من يتيم يحتاج ضمة حانية وقبلة دافئة ومسحة على رأسه يزال بها مع كل شعرة ما علق من الحزن والحرمان، كم في المجتمع من أرملة وثكلى تحتاج من يمد يد العون لها مواساة ومساعدة، كم في المجتمع من مرضى وذوي عاهات يستقبلون الحياة بوسائل منقوصة تعجزهم عن المسير فيها ما أجمل أن نكون العضيد لهم وأن نحسسهم بذواتهم وأنهم على خير وأن البلاء لا يزيد المؤمن إلا رفعة ومكانة في الدنيا والآخرة (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب). عن أبي هريرة- رضي الله عنه- إن رجلا شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة في قلبه، فقال: (امسح رأس اليتيم وأطعم المسكين) كم هو جميل أن نبحث عما يرقق قلوبنا ويلينها وخصوصا في هذا العصر عصر الماديات عصر جمود المشاعر وقسوتها.. لذا أفلا يستحق أولئك جميعا أن نمد إليهم قلوبنا قبل أيدينا؟ أفلا يستحق أولئك جميعا الرحمة الصادقة والمسحة الحانية، فهنيئا لمن سعى في كشف هم مكروب، وهنيئا لمن سعى في تفريج غم مغموم. والراحمون يرحمهم الرحمن.. ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.. [email protected]