كم هي الحياة قصيرة، والسعيد حقًّا مَن ترك فيها أثرًا طيّبًا، وذكرًا حسنًا، وعملاً صالحًا. رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عن أمته: «أنتم شهداء الله في أرضه». نُشهِد الله أننا أحببنا سلطان بن عبدالعزيز حيًّا وميتًا، عرفناه بابتسامته المضيئة المشرقة التي أدخلته إلى قلوبنا بلا استئذان، فقلنا له: الحب لك وهبناه، ولمحيّاك ولطلتك البهية، كما وهبت لنا الكثير من وقتك، لوطنك ولأمتك. كم هو مصابنا عظيم، وفَقْدُنا كبير، وأعيننا تذرف دمعًا، وقلوبنا يعتصرها الألم، ولكن لا نقول إلاّ ما يُرضي ربنا (إنا لله وإنا إليه راجعون)، وما يخفف عنّا ألم الفراق أننا نعلم يقينًا أنك بين يدي الله، الذي وهبك كل هذه القلوب المُحبّة، وكل الدعوات الصادقة بأن يغفر الله لك، ويرفع قدرك ومنزلتك في عليين. صورة تأمّلتها، وتوقفتُ عندها كثيرًا لعائلة تضم أُمًّا، وأطفالها الأيتام، يحتضنون صورة سلطان الخير، ويدعون له. ولو جمعنا كل الصور والمواقف الإنسانية لما استطعنا، ولكنّ ذكرك باقٍ بيننا، ونحتاج زمنًا طويلاً لنوثّق تاريخًا حافلاً بالإنجازات والعطاءات، أروع وأقرب الصور تلك التي تخلد الصوت والصورة معًا، ومقطع يتكرر في كل وقت، وعلى كل محطة، وأنت تحمل طفلاً معاقًا يقول لك: بابا أنا أحبّك، فتبادره بضحكاتك، وتقول: وأنا بعد أحبّك. أحبك الله كما أحببت الضعفاء، والمساكين، والفقراء، وذوي الاحتياجات الخاصة، والأيتام، والمرضى. مهما خطّت الأقلام في رثائك لن تستطيع كل حروف اللغة أن تعبّر عن مشاعر الفقد والحزن الذي ألمّ بنا. أحمد الله تعالى أن أكرمني بلقائك يومًا لن أنساه ما حييت، نظرات الحب الأبوي كانت في محيّاك، تلعثمت كلماتي عندما أردت أن أقول لك -وكلي فرح بعودتك سالمًا لأرض الوطن بعد رحلة العلاج- كل ما تفوهت به أنني قلت لك، بأن الدار قد سعدت بعودتك، وأن الله أنار حياتنا بوجودك، وها أنا اليوم أخطُّ بقلمي دعواتٍ صادقةً بأن يصبّرنا الله، ويجبرنا على فراقك، فأنت رجل عظيم بمعنى الكلمة. هنيئًا لك دعوات كل المرضى الذين تعالجوا، ومازالوا على الأسرّة في المستشفيات العسكرية بتوجيهات منك، حيث توفر لهم العلاج، والمكان، والطاقم الطبي المتميّز من أبناء الوطن. في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم لك محبون كثر، يهتفون بحبّك، وقصرك العامر دومًا يفتح أبوابه لكل محتاج، لازلت أذكر تلك الوفود التي تقبل عليك في كل زيارة لك للمدينة النبوية في كل رمضان، لم يمنعك عنها إلاّ المرض، ولكن أبواب الخير لم تُغلق، والدعوات والأكف دومًا مرفوعة، وستظل كذلك إلى أن تلقى الله. هنيئًا لك إلى ما أفضيت إليه، فكم من أيادٍ بيضاء لك في حياة أناس كثر سطّرت لك في موازينك. إلى جنة الخلد أبا خالد.. إلى رحمة الله ورضوانه سلطان الخير والمحبة والابتسامة الصافية.. إلى دار خير من دارنا، وصحبة خير من صحبتنا.. نسأل الله لك مرافقة الأنبياء، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا. [email protected]