إن حياتنا التي نعيشها هي ليست ملك لنا وإنما نحن مؤتمنون عليها، وفي خضم تلك الحياة بكل ما فيها من قسوة وضيق عيش وآلام لا بد لنا أن نكون موقنين ومؤمنين بأن هذه الحياة أنفاسها قصيرة جدًا وكلنا عنها راحلون، ولكن شتان بين من يرحل بجسده وينسى، وبين من يرحل حقًا بجسده ويبقى ذكره العبق الطيب مدى الحياة، وأولئك قلة يندر الزمان أن يجود بأمثالهم خاصة في زمننا الذي طغى فيه الماديات في كل معاني الحياة، إن فقد الأحبة أمر ليس باليسير على نفس المرء، فكم هي الحياة مريرة بفقدهم يود أحدنا لو رحل من بعدهم، إن في الحياة أناسًا ليسوا كغيرهم هم من صفوة في الخلق الرفيع جل شأنهم وشغلهم الشاغل مد يد العون للآخرين أبوابهم مشرعة لأصحاب الحاجات يعطون لله ويتعاملون مع الله من دون منة ولا رياء، قوم يرجون رحمة الله، ويدرون يقينًا أن السبيل إليها عبر بوابة العطف على الضعفاء والمساكين ومسحة يد حانية على رأس يتيم وشراء دواء لمريض هم ليسوا بحاجة إلى الثناء والإطراء لإبراز أعمالهم علانية؛ لأنهم يدركون ويؤمنون بأن اعمالهم تسجل في صحف مطهرة، يشهد عليها ملائكة كرام بررة قال تعالى: (من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون). أسطر بمداد قلمي وقفة حب ومحبة وامتنان لسمو الأميرة منيرة بنت سلطان بن عبدالعزيز رحمها الله، الإنسانة التي تميزت بدماثة خلقها، وبساطة تعاملها مع الجميع، وجود مثلها في الحياة كان حياة لأناس آخرين، لقد كان ملامح المغفورة رحمها الله راسخة في مخيلتي بسخائها وكرم عطائها، إن الوالدة الأميرة منيرة رحمها الله محبتها مستقرة في فؤاد الكثيرين ممن حظوا بجود كرمها وبلسم يدها الحانية. والدتنا سامحينا إن لم نوفيك حقك بما سطرته أقلامنا، ولكن ما زرعته من بذور الأمل والحب خالدة في أفئدتنا ونفوسنا مدى الحياة، داعية لك بالمغفرة والرحمة وجنات عدن تجري من تحتها الأنهار، هذه هي سنة الحياة، وهذه الدار لا تبقي على أحد، وعزاؤنا أن العين تدمع، وأن القلب ليحزن، وإنا على فراقك يا والدتنا لمحزونون، رحمك الرحمن الرحيم، واسكنك فسيح جناته، وجعلك الله في باطن الأرض من الآمنين المطمئنين، اللهم آمين.