منذ زمن بعيد يتعرض المبدعون والعلماء الكبار والمفكرون عالميا ومحليا لمن ينتقص إبداعهم أو يدعيه، أو يتهمهم بالسرقة؛ ومعظم من يرفعون هذه الاتهامات أسماء في الغالب تعاني من الغياب، وتريد ان تقترب من ضوء النجوم في الفكر والإبداع أو مغرضون يتواصون على النيل من مبدع أو آخر. على سبيل المثال تعرض شكسبير للاتهام بأن مسرحياته كتبها كلها أو بعضها الكاتب الانكليزي الكبير (مارلو) الذي عاصره؛ وفي العالم العربي لم يمر مبدع او ناقد أو كاتب من ساحة الشهرة والتفوق والمجد إلا وجد من يزعم انه سرق إبداعه و اخذ افكاره، بل إن أحدهم ادعى انه كان يكتب أعمال العقاد؛ وآخر زعم انه يكتب اعمال طه حسين، ولكن هذا ليس كل شيء فهناك من يدعي سرقة فكرة سرقها هو في الأصل من الغرب، وقس على ذلك، وآخر ما سمعت من المضحكات أن باحثا كبيرا يتهم أبافراس الحمداني باستكتاب شعراء معاصرين له لأشعاره لكي ينافس المتنبي عند سيف الدولة. كل هذه المقولات تبدأ وتنتهي مثلما بدأت، وغالبا ما تكون حالات فردية. الحال مع الدكتور عبدالله الغذامي مختلف فخصومه يتنادون عليه من كل فج بعيد لأنه يتجاهلهم ويمضي الى مكتبه للعمل فبعد كل كتاب يؤلفه، أو مقال ينشره يتعرض الغذامي الى هجمة شرسة على شكل موجة موجهة؛ أحياناً تكون هذه الهجمة أيديلوجية؛ وأحياناً منهجية، ولم أعهد الدكتور عبدالله ينفعل للرد عليها حتى عندما اخذت الطابع الشخصي قبل ايام؛ بل كان يتركهم يختصمون على انفسهم ويتفرغ لخطوة اخرى الى الأمام ثم يبادرهم بكتاب ليذكي أوارهم وكأنه تخصص بجلب الحطب لنارهم المنطفئة. قبل ايام دعتني جريدة للرد على تجريح شخصي وجهه للغذامي احد خصومه.. حينها اعتذرت بأن الدكتور أولى بالرد فيما يتعلق بتجريحه شخصيا بعد ان عجز المتقولون عن تثبيطه علميا ولكن عندما يساء الى منهج الغذامي وقلمه بعيدا عن شخصه فحقيق ان يعرف الناس الأمر. هذه المرة جاء أحدهم ليقول إن الغذامي سرق فكره في موضوع الأنساق مع أن الغذامي ليس بحاجة لسرقة فكرة مقال لأنه أشار في مقدماته المسهبة أنه يعتمد على مصادر من الفكر الغربي لكتابه (النقد الثقافي) فهو قد مسح خريطة التفكير الغربي والتفكير (المابعدي) في الدراسات الحديثة لمقدمة كتابه الإجرائية ونسب كل فكرة الى مصدرها وثبت مصادره التي سبقت في تاريخها الزاعم والمزعوم. ولو كان الغذامي غير مطلع على الفكر الغربي، ودارس للمناهج الحديثة في الخارج لقلنا قد يقتبس فكرة لكتابه.. ولكن ماذا تضيف فكرة في كتاب ممنهج كبير مثل كتاب (النقد الثقافي) إلا انهم ارادوا التشويش على من لم يقرأ الكتاب. لست هنا اقف لأدافع عن الدكتور عبدالله فأنا كاتب مسرحيات وفي الغالب يستند الكاتب على الناقد وليس العكس، والغذامي ليس بحاجة لكلامي هذا لا سابقا ولا لاحقا، لكني على معرفة بإدارات ثقافية أو ورش دأبت على العمل محليا وخارجيا لتقويض الدكتور عبدالله بصفته الصرح الأدبي الأعلى في بلادنا والرمز الكبير. بعض الشخصيات المتخفية محليا وراء مثل هذه الدعاوى، هي شخصيات لم تفوت مناسبة من المناسبات إلا واهتبلتها لتقويض الدكتور الغذامي حتى اعتبر عداءها له عداء تقليديا. وجود القطب المعارض الغائب في أدب المصالح والوجاهات وما يؤدي الى المناصب وما يصفه الرسميون بالمناقب هو المحرك الخفي لمثل هذه الدعاوى قديما وحديثا. ورغم هذا الرقص الغريب للمعارضين، ومحاولي تقويض الدكتور عبدالله الغذامي فقد كان يقض مضاجعهم بين فترة وفترة بكتاب فيه شيء لم يألفوه ولا يستطيعون مواصلة الحوار عنه مع مريديهم المحتارين. ومن الغريب ان يتهم الناقد الكبير شخصا بسرقة ولا يقدم المسروق كما فعل (كريم عبد) ولا أدري كيف يسرق المنهج وهو أداة، وكيف يسرق المقال ليصير كتابا ممنهجا في النقد الثقافي.. ولو كان الناقد الكريم وهو بلا شك رجل فاضل ومخلص راجع قليلا في مسألة الحقوق لما زعم سرقة منهج أو فكرة لأن الأفكار والمناهج حق مشاع والسرقة هي ما ينقله النص دون اشارة عن نص آخر.. ومع ذلك فالغذامي لم يجعل (كريم عبد) مصدرا لأنه ذهب الى أصول أعماله ومصادرها وكيف يأخذ من ناقل وهو قادر على الوصول مباشرة للمصدر. عندما قرأت مقال (كريم عبد) تمنيت أن جريدة الوطن طلبت من الكاتب الكبير ان يقدم حقائق يستند عليها لا عبارات جوفاء أحياناً حول الأنساق وأحيانا في فكر الماوردي وأحياناً في الفكر الديالتيكي ثم حركة التاريخ وابن خلدون؛ مثل هذا الكلام لا يحويه السياق المنهجي الذي يعيبه هو على استاذ أكاديمي متمكن بشهادة الجميع من ادواته النقدية.. وليت الاستاذ كريم عبد راجع كتب من حرضوه على النيل من الدكتور الغذامي فلعله وجد كما وجد المجال للحديث عن المنهج المفقود مع الذين حرضوه من وطننا وهم معروفون لنا تمام المعرفة. أنا هنا لا انتصر للغذامي انتصار غزية فكما قلت في البداية أنا كاتب مسرحيات وتعلمت بعض أدواتي الصنعية من مناهج الدكتور عبدالله الوارفة.. وكنت أحد متابعيه منذ ما يزيد على اثني عشر عاما.. وتابعت غيره فوجدت فرقا بين ما يعطيه هذا الرجل من تحريض للفكر وبين أولئك الذين يسعون لقتل الفكر المبدع.. ومن جانب ثانٍ كنت أتمنى ان الأستاذ الناقد الكبير (كريم عبد) سبق الغذامي فوضع بين أيدينا كتاب النقد الثقافي لكان الغذامي نفسه استشهد به وهو يطبقه على ثقافتنا العربية لأن الكتاب أهم من كل ما تقولون وكنا نحتفل بمن قدمه أولاً. من السهل الصعود على سفوح الجبال لكنه ليس من السهل تقويضها وكفانا رداً على الدكتور عبد ومناصريه أو مستضيفيه المحليين أنه لا يوجد جبل لم تعصف به الرياح وقد عصفت الرياح بالدكتور عبدالله الغذامي وبقي واقفاً حتى انطفأت الرياح ملتهمة غبارها.