يقال بأن الناس لا تحترم إلا القوة.. وهذه العبارة صحيحة إلى حد بعيد.. ولكن أي قوة نريد، وماذا يعني مفهوم القوة؟! هناك القوة البدنية التي تناسب المصارعين وحاملي الأثقال والمعنيين بالأعمال البدنية كعمال البناء وعمال المناجم وهواة تسلق الجبال.. وهناك القوة الكامنة تلك التي لا ترى بالعين المجردة ولا ترتبط بشكل الإنسان ولا بقوة عضلاته.. إنها تلك التي تجعلك قادرا على قيادة الآخرين وحيازة الصدارة في مجالسهم وفي مجال العمل. ولكن متى تكون كذلك وما هي الصفات التي تتوفر في الإنسان لكي يكون قويا؟! هناك الأقوياء بأصواتهم العالية وفظاظة ألسنتهم ..وربما يكون بينهم من يتبوأ مواقع هامة أو مناصب قيادية وهم في الحقيقة فارغون من الداخل لا تجد فيهم سوى سلاطة اللسان، مما يجعل الآخرين من ذوي التهذيب يتجنبون من كانت هذه صفته، ليس خوفا وإنما احتراما لأنفسهم. الفئة الأخرى هم الأقوياء بالأساليب المظلمة الملتوية.. المزيفة والتي توحي للآخرين بأنهم أمام من لا يشق لهم غبار بينما هم أمام أكثر الناس زيف.. إنهم أولئك الذين يمنحونك كلمة ولا يصدقون.. يعدونك ويخلفون.. يرونك وجها في حضورك ويعملون بوجه آخر في غيابك .. إنهم أولئك الذين لا يواجهون أحدا ولا يدخلون معك في حوار واع .. صادق.. وأولئك هم في الحقيقة أشد الناس ضعفا.. بل أسوأ الناس لأن ذلك الضعف تمازجه صفات أخرى تنحدر بهم إلى القاع..! الفئة الثالثة.. هم أولئك الذين يحملون في أعماقهم قوة روحية تكمن في الإيمان ويقظة الضمير والإخلاص والصدق مع الذات ومن ثم الصدق مع الآخرين. أولئك الذين يبدون أمامك ببساطة الماء..وصعوبة الماء.. أي أنهم يمنحونك انطباعا بأنك تستطيع امتلاكهم ببساطة لطيبتهم ووضوحهم.. وهم في الحقيقة ليس أصعب منهم لأنهم يتمسكون بمبادئهم وقيمهم ولا ينحازون عنها مهما عاكستهم الظروف.. إنهم أولئك القابضون على الجمر في زمن تعصف فيه رياح التغيير.. أولئك هم الأقوياء حقيقة، الذين لا يداهنون ولا ينافقون ولا يتلونون حسب المواقف.. وحسب المصالح..!