مما يروى عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه وصف المؤمن بقوله: «المؤمن هين لين سمح»، هذه الصفات الجميلة التي وصف بها الرسول عليه الصلاة والسلام المؤمن، لا يبدو لها أثر ظاهر في سلوك الكثيرين منا، مما يعني أننا لسنا حريصين على أن يكون سلوكنا وكل ما يصدر عنا من ردود أفعال وانفعالات محصورا داخل ذلك الإطار الذي وصف به الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمن. الصورة التي رسمها صلى الله عليه وسلم للمؤمن تظهره رفيقا في تعامله، يقدم العفو والصفح والتسامح عند الإساءة إليه أو تعرضه للأذى، عزوفا عن الانتقام ممن أخطأ في حقه، مهتديا بقوله تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}. إلا أن واقع الأمر (مع الأسف) على خلاف ذلك، فما يغلب على سلوك الأكثرية من الناس البعد عن صفات المؤمن السامية التي أشار إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، بمن فيهم أولئك الذين يصنفون أنفسهم متدينين شديدي التدين كبعض خطباء المساجد وأهل الحسبة وطلبة العلم والمعلمين والدعاة وأمثالهم، فهؤلاء يتكرر في أوساطهم وقوع حوادث منهم واعتداءات تنم عن الرغبة في الانتقام وإيقاع الأذى بالآخرين بعيدا عن التسامح والإعراض عن الجاهلين. فمثلا حين نستمع إلى ما يقوله بعض خطباء المساجد في خطبهم الوعظية، نجد الكلمات تتدفق على ألسنتهم غليظة فظة، ملؤها اتهامات وتعبيرات جارحة سواء للمصلين الجالسين أمامهم أو لغيرهم ممن هم خارج المسجد مما ليس فيه أي أثر للين والتسامح. ومثل ذلك ما يفعله بعض منسوبي هيئة الأمر بالمعروف حين يرشدون الناس بطريقة فظة وألفاظ مهينة ونبرة متعالية، فينفر الناس منهم وربما قابلوا فعلهم ذاك بمثله، فيقعون معهم في مشاحنات لفظية قد تنتهي إلى اعتداءات بدنية بينهم ربما تبلغ حد القتل. أو مثل ما نسمعه تكرارا عن اعتداءات بعض المعلمين على الطلاب، وهي في معظمها اعتداءات ناتجة عن الغلظة والخشونة وعدم كظم الغيظ، وأحيانا يقابلها الطلاب الكبار في السن باعتداءات تماثلها بدافع من رغبتهم في الثأر والانتقام، وهم في ذلك يقتدون بمعلميهم. وهناك غير ذلك كثير مما يحدث يوميا بين الناس من مشاحنات لفظية واعتداءات بدنية، كان من الممكن تجاوزها لو أن الناس التزموا بصفة المؤمن التي ذكرها الرسول عليه الصلاة والسلام، وما هو عليه من اللين والتجاوز وكراهية الجنوح إلى العنف!! وإذا كان مجرد الاتصاف بالغلظة والرغبة في الانتقام يتنافى مع صفة المؤمن، ما بالك بأولئك الذين يبلغ بهم الغيظ والرغبة في الانتقام أن لا يبالوا بتفجير أنفسهم ليقتلوا غيرهم معهم، ويتباهوا بحرق الأجساد، وقطع الأرقاب، وسبي الحرائر؟ من يفعل ذلك، ترى ما القدر الذي يتبقى له من صفة الإيمان؟!!.