لسنا ضد التلفزيون السعودي، بل نحن مع التزامه بقيمنا، ومبادئنا وتفرده بمخاطبة العقل قبل الجسد في كل ما يبثه من مواد مختلفة.. أمام صخب، الفضائيات وعربدتها اللا معقولة في الوقت الذي نحن احوج فيه الى العقل والفكر ومخاطبة وعي الانسان وثقافته. الثقافة بمفهومها الشامل لكل ماهو موروث فكري ومستجد معاصر ضرورة اعلامية يجب ان نتنبه اليها كمؤسسات وأفراد وثقافتنا السعودية لا تقف عن حدود الاستهلاك الاقتصادي وامكانياتنا المادية التي حبانا الله اياها من فضله.. بل تتعداها الى ما هو جدير بأن يعرف عنا كمجتمع فلدينا الشعراء والنقاد والقاصون والمبدعون والمثقفون والفنانون الابداعيون، ولدينا نشاطات ثقافية ممثلة في مهرجان الجنادرية، ودارة الملك عبد العزيز، ومركز الملك عبد العزيز التاريخي ولدينا اهتمامات ثقافية مختلفة في الجامعات السعودية والمكتبات الوافرة العطاء كمكتبة الملك فهد الوطنية ومكتبة الملك عبد العزيز، والاندية الادبية ومعارض الكتب، ونشاطات ثقافية كثيرة لا حصر لها، ولدينا إصدارات لا بأس بها في المجالات الدينية والثقافية والادارية والاقتصادية والاجتماعية، وتعقد مؤتمرات جادة وندوات عن السلام، والقضية الفلسطينية، وثقافية وتاريخية ناهيك عن النشاطات المشاركة في الخارج.. لكن السؤال أين التلفزيون السعودي من هذا كله؟. أين البرامج الثقافية من اهتمام القائمين على التلفزيون؟، اين حصاد هذا المجتمع ثقافيا الذي من المفترض ان ننافس به الفضائيات الجادة التي قد تتهمنا بقصورنا الثقافي لعدم ابرازه ذلك الابراز الامثل.. نريد وجها ثقافيا فقط يحكي الواقع الذي نعيشه والامكانات البشرية التي نتمتع بها.. لدينا الاكاديميون ورسائل علمية، لدينا نقاد معروفون على المستوى العربي والاجنبي وجوائز عالمية.. اين التلفزيون من هذا كله!! أسئلة كثيرة جعلتني أحار في الاجابة عليها.. لدينا الرجال ولدينا اعمال كبيرة ولكن تلفزيوننا سامحه الله لا يوليها ذلك الاهتمام الذي يوليه للأغنية وللمسلسلات المختلفة وغيرها من المنوعات الجماهيرية. برنامج مراجعات ثقافية يشتمل على عمق في الطرح وتنوع في التناول وشمولية في بحث الكتب والشخصيات المحاورة من قبل مقدم البرنامج الدكتور محمد العويني.. وشعور المتلقي بأن المقدم يستكشف فحوى الكتاب المطروح او آفاق الشخصية «الضيف» من حيث مناقشته بصورة هادئة وتحليلية عميقة ومحاكمة نقدية ادبية توضح للمتلقي أبعاد الفكر المطروح.. دون استعراض لكن هل يكفي التلفزيون ان يقدم برنامجا واحدا يمثل هذا الاتجاه؟! ومما يبعث على التساؤل وقت هذا البرنامج غير جيد ولا يعطي المشاهد فرصة للاستمتاع بما يقدم من فكر جاد تاريخي اجتماعي سياسي أدبي.. فهو يعرض في السادسة مساء او الواحدة والنصف صباحا وهذه اوقات اعلامية ميتة في تصوري.. فلماذا هذا الاجحاف بحق محبي البرامج الثقافية.. ومن خلال متابعتي علمت ان البرنامج من اعداد مكتبة الملك عبد العزيز وانتاجها مع العلم ان التلفزيون حري بتقديم هذه البرامج وتشجيعها فالحفلات الغنائية تستمر ساعات، والبرنامج الثقافي يحشر في مثل هذا الوقت.. لقد اعجبتني حلقة عن الرحالة المستشرقين وكتابة تاريخ المملكة، وحلقة اخرى عن القضية الفلسطينية وموضوع المياه وغيرها لكنني اكتشفت ان بعض الحلقات تعاد ولست ادري هل الخلل في الانتاج والاعداد من المكتبة ام من التلفزيون؟. ولا ينبغي ان يفوت علينا ان مثل هذه البرامج مشاهدة عربيا وعالميا وخصوصا الجاليات العربية المقيمة في الخارج والمؤسسات الرسمية والثقافية التي تتابع الفكر السعودي الجاد.. واهمية المملكة ودورها الاسلامي والثقافي ينبغي ان يكون في الاذهان المسؤولة عن اعلامنا.. فنحن لا نفخر بأن لدينا فنانين ولاعبي كرة قدم فقط، وانما ايضا بأن لدينا مفكرين اسلاميين وكتابا ومثقفين ونقاداً وقاصين وروائيين ان جاز التعبير وان لدينا اسماء كبيرة بالفعل ينبغي من التلفزيون استقطابها وتشجيعها واعطاءها الفرصة الاعلامية لتعبر عن صفاء الفكر السعودي وتجاوزه في بعض الاعمال الابداعية المهاجرة سواء اتفقنا معها او اختلفنا .. انني متأكد ان المسؤولين في التلفزيون يسعون ما وسعهم السعي لارضاء جميع الاذواق والاطراف وانهم يجاهدون في هذا الامر.. لكن الثقافة اولا ذلك انها المؤشر الحقيقي لمدى البعد الحضاري الذي نتكىء عليه والصورة الجميلة التي نفاخر بها أمام الشعوب. [email protected]