قالت الطفلة سماح 4 سنوات وهي تشير إلى صورة امرأة محجبة تتوسط احد الجدران المتصدعة إلى جانب صور أخرى «لشهداء الانتفاضة» في منزل بوسط نابلس القديمة «أمي إيمان محبوسة عند اليهود». والأم هي الفلسطينية إيمان الغزاوي التي اعتقلتها السلطات الاسرائيلية منذ شهر في تل أبيب وهي تنقل خمسة كيلوغرامات من المواد المتفجرة وفق ما أعلنت الشرطة الاسرائيلية في حينه. اعتقلت إيمان الغزاوي «24 عاما» بعد ظهر الجمعة الثالث من اب/أغسطس عند محطة الباصات المركزية في تل أبيب وبحوزتها صندوق مسحوق منظف للغسيل اشتبه به حراس الأمن الاسرائيلي الذين اتصلوا بدورهم بالشرطة. زهيرة بركات جدة الطفلة وحماة إيمان قالت «عندما غادرت إيمان المنزل قالت انها ذاهبة إلى الطبيب وبقي الطفلان جهاد 6 أعوام وسماح 4 أعوام معي .. بكيا طويلا ولم يكفا عن البكاء الا بعد ان قلت لهما ان إيمان محبوسة عند اليهود». كانت سماح الخضراء العينين تتحدث عن سجن والدتها بدون اكتراث وبشيء من المباهاة اذ كان الجميع يتحدثون عن «الام البطلة» لكنها كانت ايضا على يقين ان «ماما رح ترجع لانها تحبنا كثيرا». وايمان من الفلسطينيين الكثيرين الذين ليس لهم أي ملف سياسي او أمني أو جنائي لدى الاسرائيليين لكنهم قاموا مع ذلك «بأعمال فردية غير مرتبطة بتنظيمات فلسطينية للانتقام من الاسرائيليين» بحسب مصادر الشرطة الاسرائيلية. وما قامت به إيمان التي اعتقلت قبل تنفيذ العملية يندرج تحت بند الهجوم الذي قام به علي الجولاني أمام وزارة الدفاع الاسرائيلية في آب/أغسطس الماضي وجرح عددا من الجنود الاسرائيليين واستشهد هو فيه. وما قام به خليل ابو علبة سائق الباص الفلسطيني الذي دهس بحافلته مجموعة من الاسرائيليين وقتل سبعة جنود ومدنيا في 14 شباط/فبراير بالقرب من تل أبيب. مصدر أمني فلسطيني قال «هذه المحاولات الفردية من قبل آباء وأمهات تجاوزوا سن المثاليات وليس لهم أي علاقة بالتنظيمات تعكس الوضع النفسي الذي يعيشه الفلسطينيون الذين لم يعد عندهم ما يخسرونه». أما الطبيب النفسي تيسير دياب فقد رأى في هذه النشاطات الفردية رد فعل «للغضب الجامح» و«للصدمة» التي «تحدث عادة بعد حالات العنف كالقتل أو القصف وتأخذ أشكالا مختلفة لكنها تكون سريعة ومن دون تفكير عميق خلافا للعمليات المدروسة التي تأخذ وقتها وتنفذ ببرود». وتابع مشيرا إلى الوضع النفسي الراهن للشعب الفلسطيني «ان الشعب الفلسطيني يعيش في دائرة عنف والقاعدة الاساسية هي ان العنف لا يقود الا إلى العنف». وتوقع الدكتور دياب «اتساع دائرة العنف في هذه الفترة وخصوصا من فئة أعمار تتراوح بين 15و25 كرد فعل طبيعي لانه لا يوجد بدائل». شاهر بركات زوج إيمان قال ان زوجته تركت الأولاد لتقوم بهذه العملية بعدما «شاهدت جنازة الفلسطينيين الثمانية في مدينة نابلس في الأول من آب/أغسطس الماضي». واضاف «زوجتي خرجت من البيت وهي تعرف انها لن تعود .. وهي اتخذت قرارها بمفردها». وكانت وسائل الإعلام الاسرائيلية ذكرت في حينه ان شقيق زوجها هو الذي أوصلها إلى المحطة ثم فر عند إلقاء القبض عليها. المحامية الاسرائيلية التقدمية ليئا تسيمل عزت إقدام الآباء والأمهات على المشاركة في الانتفاضة وفي جوانبها الخطيرة بصورة خاصة إلى انهم «شديدو القلق على مستقبل أولادهم». وقالت تسيمل «في الماضي كان قلقهم على مستقبل أولادهم ينحصر في مشكلة توفير المال وكانوا يعتقدون انهم اذا منعوا أبناءهم من القيام بأي نشاط ضد اسرائيل فسيوفرون لهم الحماية». وتابعت «أما الآن فلقد تكرست لدى الآباء قناعة بأن لا مستقبل لأولادهم في ظل الاحتلال وان الحل هو الانتماء إلى دولة فلسطينية .. كل ذلك يضاف إلى الغضب الذي يغلي في صدورهم للدم الذي يسفك كل يوم وللمهانة التي تلاحقهم في كل مكان». ويرى الطبيب الفلسطيني دياب ان ذلك ينطبق تماما على جميع الآباء والأمهات الذين «فاض بهم الكيل وأصبح القهر خبزهم اليومي» وهو ما عبرت عنه والدة علي الجولاني الذي كان «يشعر بالقهر كلما سمع باسم شهيد وكنت أراه حزينا وكان في الايام الأخيرة يأخذ يدي ثم يقبلها مرارا .. كان مقهورا وحزينا جدا». والحال نفسه ينطبق على سائق الحافلات خليل ابو علبة من غزة وهو رب عائلة مؤلفة من خمسة أفراد دهس بحافلته مجموعة من الاسرائيليين فقتل ثمانية منهم في 14 شباط/فبراير بالقرب من تل أبيب. خليل رد على القضاة الذين أصدروا بحقه ثمانية أحكام بالسجن المؤبد في 15 أيار/مايو الماضي قائلا «لم استطع ان أرى وأسمع القصف كل يوم على غزة .. لست نادما وأطفالي لهم الله».