تتوخى العلوم الإنسانية في مناهجها كافة تقديم أفضل الصور والدراسات التي تخدم المجتمع والإنسان لتجعل منه فرداً مجتمعياً مؤنسناً في سلوكه وطبعه متجانساً مع الآخرين دون أن تزوغ عواطفه أو ينحرف تفكيره إلى ما وراء ذلك. ومع التطور الذاهل والمتصاعد الذي يشهده العالم اليوم تنكبت بعض المجتمعات الإنسانية جادة الصواب، وخاصة تلك التي لا ضابط شرعياً أو قيمياً رفيعاً يحكمها، وتجافى بعض أفرادها عن السلوك القويم ليقعوا في براثن الجريمة والرذائل الموجبة لإنزال أشد العقوبات بهم. ومجتمعاتنا الإسلامية والعربية ولله الحمد تميزت بنوع من التوازن الأخلاقي المنضبط بأوامر الشرع الحكيم ونواهيه، حتى سجلت الدراسات والبحوث أقل معدلات للانتحار والجريمة بشتى أنواعها على مستوى العالم في الدول العربية والإسلامية كما تثبت الأرقام ذلك. وديننا الحنيف هو اليوم وبكل سبيل أكثر تفوقاً وحصانة من كل قانون أو اجتهاد وضعي يعالج السلوكيات البشرية في استوائها أو انحرافها ذلك لأن هذا الدين انصرف إلى تهذيب النفوس في طريقة قويمة لا مثيل لها، مما جعلها ترضى ذاتياً الامتناع عن فعل الضرر، واستحضار البعد الإيماني في فكرتي الثواب والعقاب الرباني في الحركة والسكون.. لتعيش من ثم في روابط تنظيمية واجتماعية ناصعة التضامن تامة الحقوق والمكتسبات. والمملكة العربية السعودية، خطت خطوات جادة نحو إعادة صقل النزلاء وتأهيلهم للحياة الكريمة تعزيزاً للقيم الطاهرة وخروجاً من المفهوم الضيق لمعنى السجن.. إلى فضاء جديد يكتسب فيه النزيل سمات خيرة جديدة وفرت لها الحكومة الرشيدة كل الأسباب والمعينات المفضية إليها. وتعزيزاً لجهود حكومة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني يحفظهم الله، وخاصة ما ظل يوليه صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية من حرص واهتمام كبير بالشؤون الأمنية وما يتعلق بها، فإن المديرية العامة للسجون وبمشاركة عدد مقدر من الجهات تعكف الآن على التحضير لندوة عنوانها )الإصلاح والتأهيل(، والتي ستعقد بإذن الله خلال شهر شعبان برعاية وتوجيه كريم من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية، والتي تهدف إلى إيضاح أهمية الأمن في استقرار السجون والتوسع في البرامج التأهيلية في المؤسسات الإصلاحية والعقابية في إصلاح السجناء وفي الحد من الجريمة والعودة إليها، إضافة إلى تحديد أبرز معوقات تطبيق البرامج التأهيلية والعلاجية في تلك المؤسسات وسبل معالجتها. إن مشاركة جهات أكاديمية وأمنية واقتصادية رفيعة في هذه الندوة مثل الغرفة التجارية الصناعية بالرياض وعمادة المركز الجامعي لخدمة المجتمع والتعليم المستمر بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وأكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية لهي خير مؤشر على السعي الجاد والحثيث نحو إضفاء طابع البحث المعرفي الشرعي والقيمي إضافة إلى ما توفره العلوم النفسية والسلوكية والأمنية من دراسات وتحليلات عميقة يمكن الاستناد إليها في إحداث التحول المرغوب في وظيفة السجن من كونه مؤسسة عقابية زجرية إلى مؤسسة إصلاحية تهذيبية، كما أنها تضمن في الوقت ذاته أفضل المرئيات التي يمكن عن طريقها الحد من وقوع الجريمة مستقبلاً، وصولاً إلى الهدف العزيز: مجتمع الأمن والاستقرار. كما أن المشاركة الفاعلة والدعم الكبير الذي ظللنا نتلقاه من الغرفة التجارية الصناعية بالرياض وكذلك الغرف التجارية الصناعية في جميع مناطق المملكة دون استثناء يضفي هو الآخر بعداً قيمياً وإنسانياً نادراً، نعهده دائماً من القطاع الخاص، على وقائع تلك الندوة، فما من فعالية أو قضية تهم الوطن والمواطن، إلا وكان القطاع الخاص خير سند لها. إننا نتطلع أكثر من أي وقت مضى إلى مزيد من تضافر جهود جميع فئات المجتمع حتى نتمكن جميعاً من تحقيق إضافة مهمة لمفهوم السجن تكون أكثر إنسانية وأخلاقية إلى جانب تعزيز جوانب الخير والصلاح لدى النزلاء. *مدير عام المديرية العامة للسجون بالنيابة ورئيس اللجنة التحضيرية لندوة الإصلاح والتأهيل