نحن اليوم نستخدم طاقتنا العقلية بدرجة أقل وأكثر مما كنا نفعل في الماضي انها ليست النوع ذاته من الطاقة العقلية السابقة نحن على سبيل المثال نستخدم النزر اليسير من مدركاتنا الحسية. حين كنت أكتب الطبعة الأولى من كتاب Mythologiques (مدخل إلى علم الأساطير) جوبهت بمشكلة اعتبرتها شديدة الغموض لقد تبين لي وجود قبيلة ما قادرة على رؤية كوكب «الزهرة» في وضح النهار وهو أمر بدا مستحيلاً ولا يصدق. طرحت السؤال على بعض علماء الفلك المحترفين فأوضحوا بأننا لا نرى «الزهرة» بطبيعة الحال ولكن ما دمنا قد عرفنا كمية الضوء المنبعث من الكوكب في وضح النهار فليس متعذراً بصورة مطلقة ان يكون شعب آخر قادراً على ذلك مثلنا. بُعيد ذلك راجعت بعض أبحاث الملاحة العائدة لحضارتنا الحالية هذه فاتضح ان البحارة المحنكين كانوا قادرين تماماً على رؤية الكوكب في وضح النهار ولعلنا نستطيع تكرار ما قاموا به لو امتلكنا عينا مجربة. هذا هو الحال أيضاً في معرفتنا بالنباتات والحيوان. لقد امتلكت الشعوب المفتقرة للكتابة معرفة دقيقة مدهشة ببيئتها وكافة مصادر ثرواتها. لقد فقدنا كل هذه الأشياء لكننا لم نفقدها دون سبب نحن اليوم قادرون على قيادة حافلة دون أخطار تصادم.. قادرون على تشغيل المذياع وجهاز التلفزيون. هذه ممارسات تنطوي على تدريب للطاقات العقلية التي لم تمتلكها الشعوب «البدائية» لأنها لم تكن بحاجة إليها، وأشعر أن تلك الشعوب - بما امتلكته من طاقة كامنة احتلت موقعاً يتيح لها إمكانية تبديل مساواتها في الذهن لكن الحاجة لم تقتض ذلك قياساً على نوع الحياة والعلاقة مع الطبيعة المتوفرين في زمنها. ليس بوسع المرء تطوير كامل الطاقات العقلية الخاصة بالنوع البشري دفعة واحدة. إنه يفلح في استخدام قطاع صغير ولا يكون هذا القطاع مماثلا للثقافة بطبيعةالحال هذا كل ما في الأمر. وربما كانت إحدى نتائج البحث الانثروبولوجي العديدة أن العقل الإنساني بالرغم من الفروقات الثقافية بين مختلف أجزاء البشرية هو ذاته هنا وهناك وأنه يمتلك الطاقات ذاتها يخيل إلي أن هذا الأمر مقبول من الجميع. ولا أظن أن الثقافات حاولت التماثل فيما بينها نسقياً ومنهجياً. لم تكن البشرية في حقيقة الأمر تستوطن الأرض بوفرة عددية عالية طيلة مئات الآلاف من السنين، لهذا كان من الطبيعي فقط أنها طورت سمات خاصة بها فاختلفت فيما بينها. لم يكن هذا أمراً مقصوداً بل هو بالأحرى نتيجة بسيطة للظروف التي ظلت سائدة لزمن طويل.