قال أمية بن الأسكر يدعو ابنه للقعود عن الجهاد من أجل هرمه وتقدمه في العمر: لمن شيخان قد نشدا كلابا كتاب الله إن حفظ الكتابا أناديه فولاّني قفاه فلا وأبي كلاب ما أصابا إذا سجعت حمامة بطن وجّ على بيضاتها بكيا كلابا تركت أباك مرعشة يداه وأمك ما تسيغ لها شرابا تمسح مهده شفقاً عليه وتجنبه أباعرنا الصعابا فإنك والتماس الأجر بعدي كباغي الماء يتبع السرابا)1( قلت: للأبوة شأن غير هين، به تعمر مشاعر الحنان، وعليه تتبدد الهموم، فلا تستقر، ولا تستكين، بل تتلاشى كلما عمرت تلك الأحاسيس بدواعي الحنان، قد نسمع في زماننا الكثير من صور العقوق التي يتداولها الناس في مجالسهم، أو يشهدونها في مجتمعهم، أو في دور العجزة، وأماكن الإيواء التي تنهض بها الدولة وفقها الله، ولكن المؤسف حقا ان هذه الصور الاجتماعية تتكرر، بل تزيد بما يدعو للقلق، والألم في الوقت نفسه. وفي الأبيات السابقة نازع ابن الأسكر إحساسه بعطف الأبوة، وكره الفراق: والد أقعده المرض، وأنهكته الشيخوخة، وهو يعلم عندئذ فضل الجهاد، وأجره، لم يكد يحتمل رحلة ابنه نحو الثغور، ومواطن الفداء، إنما تحرك الشجن في قلبه، فأكل حشاه، حتى إذا يئس من غياب ابنه أظهر هذا العتاب وأعلنه، ولم يكتف هذا الشاعر بهذا القول، بل استعدى نحو ابنه على الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: سأستعدي على الفاروق رباً له عمد الحجيج إلى بساق وأدعو الله محتسباً عليه ببطن الأخشبين إلى دقاق إن الفاروق لم يردد كلاباً على شيخين هامهما زواقي فلو فلق الفؤاد حماط وجد لهمّ سواد قلبي بانفلاقي)2( قال ابن حجر: «فبلغ عمر شعره، فكتب إلى سعد يأمره بإقفال كلاب، فلما قدم أرسل عمر إلى أمية، فقال له: أي شيء أحب إليك؟ قال: النظر إلى ابني كلاب، فدعاه له، فما رآه: اعتنقه، وبكى بكاء شديداً، فبكى عمر، وقال: يا كلاب: الزم أباك وأمك ما بقيا»)3( الحواشي: )1( ابن حجر العسقلاني: «الإصابة»1/79 )2( المصدر نفسه 1/79 )3( المصدر نفسه 1/79