في عام 1410ه أطلق الخبراء النداء في عمَّان في اجتماعات المنتدى الفكري لبحث التربية العربية للقرن 21، وتناثرت العناوين في الصحف في ذلك الوقت تقول: «اصلحوا التعليم فوراً، وإلا فإن كارثة محققة ستحل بالأمة العربية» وأوردت صحيفة «الاهرام» من خلال مناقشات المنتدى وأعماله: «إن التعليم الذي كان من المفترض أن يساعدنا في مواجهة مشكلات التخلف، أصبح هونفسه مشكلة معقدة تضاف إلى رصيدنا من التخلف». وذكرت أن الدراسة المستقبلية الواعدة التي طرحت في عمَّان تذكر أن أمتنا سيصبح تعدادها عام 1420ه )300( مليون نسمة، ويتوقع أن يصبح عدد التلاميذ )110( ملايين نسمة، وأن الأمة العربية ستحتاج إلى )100( مليار دولار لتعليم هذه الأعداد. وسيكون لدينا )85( مليون مشكلة تمثل عدد التلاميذ الراسبين والمتسربين والخريجين ذوي التعليم الهزيل الذي لا يؤهلهم لأي عمل منتج أو خلاق. وأنهم سوف يكونون طلاب وظائف، وإذا وجدت فإنها ستتكلف ربع قيمة الانتاج المحلي الاجمالي فنخسر بذلك مرتين. الأولى: في الانفاق على تعليم هزيل، والثانية: في توظيف عقيم.. كما ستقف بالمرصاد، ومن جانب آخر مشكلة البطالة لهذه الأعداد الغفيرة، إذا لم يتم توظيفها بكل ما تحمله البطالة من مخاطر متفجرة وأزمات محتملة، ولا يبدو من ملامح للحل إلا المخرج التربوي والتعليمي الأصيل والمنافس. هذه التوقعات تقرع الأبواب اليوم بكل أبعادها التي أشارت إليها الدراسة، كما أن الواقع يؤكد أن عدداً كبيراً من معظم خريجي الجامعات في العالم العربي ذوي تعليم هزيل لا يؤهلهم لأي عمل منتج أو خلاق، وأنهم فعلاً طلاب وظائف كما توقعت الدراسة، والمؤلم حقا أن هذه الدراسة وغيرها تمر مر الكرام ولا يهتم بمثلها المسؤولون عن التخطيط التربوي في العالم العربي، مع أنها اقترحت العديد من التوصيات والحلول التي لو طبق بعضها لخفف العبء عن المخططين للتعليم وراسمي السياسات التربوية والتعليمية، ولكن الغالب في مثل هذه اللقاءات الهامة أن من يحضرها هم من الخبراء الذين لديهم ملكة القول، وسمو الفكر، ولكن أصواتهم ومقترحاتهم وأفكارهم لا تصل إلى من يرسم السياسة التعليمية والخطط التربوية وإن وصلت فالمنفذ لها ينظر أولاً إلى التكلفة المادية أما المردود التربوي والفكري والنوعي، فلا يعيره الاهتمام الذي يستحقه. إن الحياة الحديثة التي نعيشها تتطلب معرفة وقدرة على التعايش مع التكنولوجيا الجديدة ومع أنظمة المعلومات التي تتغير باستمرار، وتتطلب منا أن نفهم لغة السوق، ولغة احتياجات العمل، وأن نعد أولادنا لمواجهة كل هذا، كما تتطلب منا أن نجعلهم يفهمون ماذا يحدث في العالم في مجال السياسة والحكم والادارة، كل هذا جديد، وكل هذا يصنع الحياة الجديدة. والتربية اذا لم تعد لهذه الحياة، فليست تربية ولا تعليما، وليست نشاطا حياً مرتبطا بالزمن الذي نعيشه. فالتربية والتعليم تعني ان نعد مواطنا قادراً على تحمل مسؤولياته الاجتماعية والوطنية، كما تعني أيضا أن نخرج من مدارسنا بمراحلها المتعاقبة الكفاءات التي يحتاجها سوق العمل الذين يستطيعون ان يبنوا أنفسهم أمام مطالب هذا السوق. فهل استطعنا سد حاجات سوق العمل في عالمنا العربي بكفاءات ماهرة ونوعية متميزة من صنع مؤسساتنا التعليمية، ومناهجنا المطبقة فيها؟ آمل ذلك. لأننا إذا كنا نخرج من الجامعة طلبة لا يحتاجهم سوق العمل فهذا فشل في التربية ناتج عن قصور الوعي بدور التربية للحياة، وإذا خرجنا طلبة يجدون سوق العمل أكثر تقدماً مما أهلتهم له مناهجنا، فهذا قصور في فهم التربية وتخلف في المناهج لا يغتفر، وإذا خرجنا من مدارسنا طلبة غير قادرين على ملء أوقات فراغهم بما يفيد أو ينمي قدراتهم، أو غير قادرين على مواصلة تعليمهم لأنفسهم فهذا عيب لا يغتفر في مدارسنا. إن التربية تغيير في السلوك، ولا تتطلب مجرد تغيير أو تجديد في المناهج ولكنها تتطلب توثيق الارتباط بين الطلاب كمخرجات للتعلم وبين سوق العمل وثورة المعلومات، والتكنولوجيا الحديثة وتدريب الناشئة على استخدام قيم الاسلام وتعاليمه حول مفهوم العمل ودلالته والمسؤولية الخلقية، والاجتماعية، وتطبيق مقتضاها. والله الموفق والهادي إلى سواء الصراط.