تزامناً مع افتتاح العام الدراسي في سورية، أعلنت مفوضية الأممالمتحدة للاجئين الخميس الماضي، أن أكثر من نصف الأطفال والمراهقين اللاجئين في العالم، محرومون من التعليم في المدارس، أي ما يقارب 3.7 مليون طفل، منهم حوالى 900 ألف لاجئ سوري في سن الدراسة. أمّا داخل البلاد، فالوضع ليس أفضل، فهناك مشكلات كثيرة وعميقة تواجه الواقع التعليمي، كارتفاع عدد التلاميذ في الشُعَب الصفية ناتج النزوح، والغلاء الفاحش الذي طاول حال ليس الأُسر فقط، بل ووزارة التربية التي لا تمتلك الموازنة الكافية للقيام بالواجبات المنوطة بها في مرحلة صعبة وحسّاسة، فضلاً عن البطالة والفقر اللذين يؤديان بالأهل إلى دفع أطفالهم للعمل، ما يجعل غالبية أطفال سورية خارج مظلّة التعليم، وبالتالي نكون أمام مستقبل مظلم نحتاج خلاله إلى بصيص ضوء ولو شحيح. وإنطلاقاً مما تقدّم، أطلقت وزارة التربية بالتعاون مع منظمة «يونيسف» خطة «المنهاج ب «لإعادة المنقطعين والمتسرّبين إلى مدارسهم وفق منهاج يعتمد التصدي لما فقدوه خلال سنوات الانقطاع، وتستهدف 2.5 مليون طفل. في ضوء ذلك، يوضح الصحافي الاقتصادي ثامر قرقوط جوانب من وضع التعليم الحالي في سورية في ظل غلاء مستلزمات المدارس، لافتاً إلى الطرق والوسائل التي يجب أن تتبعها الدولة لمساعدة العاطلين من العمل وذوي الدخل المحدود لاستقبال العام الدراسي من أجل عودة أبنائهم جميعهم إلى مدارسهم. ويؤكّد قرقوط ضرورة أن تحافظ الدولة على التعليم المجاني، وتُخفف العبء عن الشرائح الاجتماعية المسحوقة، بتأمين حاجات التلامذة ومستلزماتهم من لباس وقرطاسية وأجور مواصلات. ويضيف: «ربما نكون في حاجة ماسّة في هذه الآونة لتوفير وجبة غذائية نظراً لانتشار أمراض كثيرة سببها نقص التغذية، وعجز الأسر عن تلبية الحاجات الغذائية لأفرادها. كما يمكن توفير تلك المستلزمات بأسعار معقولة عبر ما يُسمى مؤسسات التدخّل الإيجابي، وأن تبيع هذه السلع بسعر الكلفة مع هامش ربح بسيط، إضافة إلى دور وزارة التربية في التخفيف من عبء الأسر المقصودة، لاسيما لجهة اللباس المدرسي الموّحد، وغيره من الأشياء. لكن لا بدّ من التوقّف عند نقطتين، الأولى: تتعلّق بمسؤولية الأُسر الكبيرة العدد، التي لا تزال تُنجب الأطفال على رغم معرفتها بصعوبة تأمين الحاجات، ما يتطلّب منها اعتماد أساليب تنظيم النسل، إذ تبقى مسؤولية الأسرة تجاه أفرادها هي المسؤولية الأولى». أما النقطة الثانية، فتتعلّق «بحاجات تتطلّبها العملية التعليمية لا يمكن التهاون في تأمينها، مهما تعقّدت الظروف. فلا نظن أن لباس الرياضة أو أدوات الرسم والموسيقى غير مهمة، في مقابل تأمين دفاتر الرياضيات والعلوم والقراءة واللغات (...) فكل هذه الأشياء في سلة واحدة وتقف على قدم المساواة من حيث الأهمية». ويقترح قرقوط أن تضع الحكومة قاعدة بيانات استناداً إلى العام الدراسي الماضي لحصر التلامذة الفقراء، وتأمين مستلزماتهم المدرسية، «لكن للأسف الشديد مع وجود معدلات فقر وصلت إلى 80 في المئة من الشعب السوري، نكون أمام حالة معقّدة وقاسية جداً، بأن أكثر من ثلاثة أرباع الشعب يحتاج إلى المساعدة. وهذا ليس بالأمر السهل. كما أن معالجة القضية لا تكون بتوزيع المساعدات، بل بإيجاد فرص عمل تُدرّ دخلاً يفي الأسرة حاجاتها». ويعتبر قرقوط أن وزارة التربية أمام خيارين متناقضين، إمّا التساهل وهذا يُضرّ بالعملية التعليمية ومخرجاتها، وإمّا التشدد في تأمين حاجات كل تلميذ، وهذا مستحيل حالياً. ويعتقد بأنه يمكن أن تراعي الوزارة وضع الفقراء ومحدودي الدخل، وذلك بتوزيعها الكتب والدفاتر والقرطاسية مجاناً، وأن تجد المحفزات التي تحض التلامذة على الذهاب إلى المدرسة، من دون أن تفعل العكس في شكل غير مباشر من خلال إجراءاتها القاسية. ويذكر قرقوط أن أمراضاً معدّية سببها قلّة النظافة، كالقمل، انتشرت في العام الدراسي الماضي. وكان الحل توزيع شامبوهات مضادة مجاناً. لذا، يمكن أمام كل مشكلة إيجاد حلول بهدف ضمان تعليم كل طفل، إلاّ أن وزارة التربية لا تتقدم بخطوات ملموسة لمواجهة تحديات التعليم في زمن الحرب، ولا تضع الخطط المناسبة لضمان حصول كل تلميذ على حقه في التعليم، بل تبدو أنها محكومة بموازنة مالية لا تفي الحاجات، بدليل وصول العدد في الشعبة الصفية الواحدة إلى أكثر من 60 تلميذاً، وهذا بالنتيجة لا يُنتج تعليماً. والمفارقة الكبرى، أن تمويل العمليات القتالية في سورية من جانب الأطراف لا يواجه أيّ مشكلة، بينما إنفاق جزء بسيط لا يتجاوز 1 في المئة من هذا التمويل على التعليم، يُشكّل معضلة للدول والحكومات الشريكة في الحرب في سورية. ويأسف قرقوط لأن التعليم عموماً في سورية بات كالتجارة إن صحّ التعبير. فعندما يتحوّل من مشروع تنويري تثقيفي تعليمي إلى مُجرّد مشروع تجاري، يفقد خاصيته الأساسية، ودوره المحوري في القضاء على الجهل والتخلّف. ويعتبر أن كلفة التعليم ورسومه في المدارس الحكومية معقولة، وهي شبه مجانية، لكن تكاليف الحياة باتت مذهلة، بالنسبة إلى الأسر الفقيرة والمحدودة الدخل، لكن مستوى التعليم في هذه المدارس مُتدنٍ. أمّا التعليم الخاص، فأجوره المرتفعة ناتجة من تكاليف التعليم المرتفعة أيضاً. لكن المهم في القضية، هو تحسين جودة التعليم العام، والسعي إلى تخفيف العبء عن التعليم الخاص، لأن الهدف النهائي للعملية أن تسمو على الأهداف الربحية مادياً، ما دام الهدف النهائي خلق جيل متنور ومتعلم. لقد زاد التسرّب من المدارس، وعدد كبير من الأسر تزجُّ بأبنائها في سوق العمل في ظل الظروف المعيشية القاسية التي فرضتها الحرب، وأحياناً صارت الحرب سبباً في التسرّب الذي يصل إلى 70 في المئة في مناطق تشهد عمليات قتالية. والمأساة الكبرى في هذه المناطق أن عدداً لا يُستهان به من الأطفال لا يعرفون المدارس، والفصائل المسلّحة تجبرهم على حمل السلاح. ويتطرّق قرقوط إلى دور منظمات المجتمع المدني، لا سيما أن الجمعيات الأهلية تمتلك مدارس خاصة بها وهي صاحبة تجربة تربوية. ويأخذ عليها أنها تابعة إلى جهات دينية عموماً. ويرى أنه يمكن تطوير هذه التجربة في شكل كبير، وتحويل نظر داعمي العمل الخيري السوري، إلى العمل التنموي ومنه التعليم، بصفته استثماراً رابحاً في عقول البشر. كما يجب التخلّص من فكرة الدعم والمساعدات التي تؤدّي إلى إرباكات كبيرة، وتأثيرها سيء نفسياً في التلامذة وأسرهم. فمثلاً توزّع «يونيسف» أو غيرها من المنظمات حقائب عليها شعار هذه المنظمة أو تلك، ما يخلق شعوراً سلبياً لدى التلامذة الذين يحصلون عليها، أمام أقرانهم الذين يشترون حقائب عليها شعار الشخصيات المُحببة لهم. يذكر أن مليون حقيبة مدرسية مع قرطاسيتها ستوزّع بالتعاون ما بين «يونيسف» ووزارة التربية هذا العام. كما أن الجمعيات الأهلية الفاعلة المعنية بالتعليم لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، ما يتطلّب وضع إطار قانوني يُشجع على تأسيس جمعيات من هذا القبيل، وتسهيل انتساب المتطوعين إليها. وعموماً المجتمع المدني في سورية لا يزال يحبو، وبالتالي لا يعوّل عليه الكثير في المجال التعليمي.