الماضي لذيذ بدراسة ذكرياته، لكنه مرّ بمعاناته ومتاعبه، وخاصّة ذكريات ما مرّ على الآباء والأجداد في سبيل لقمة العيش، وويلات الفقر، وقساوة الحياة عند البدو والحضر في هذه الجزيرة قبل توحيد أجزائها على يد الملك عبدالعزيز يرحمه الله . ولو اهتم كل فرد في بلدان نجد كما اهتم الأستاذ عبدالله في كتابه لرصدنا من ذكريات الكبار، مع أنه ضاع الكثير حيث لم يقيّض له من يرصده ويجمعه، فإننا سنجد كماً يملأ جزءا من فراغ تاريخنا المفقود.. وتصويراً لحياة سكان أجزاء المملكة ومعاناتهم وكلٌ علاقته بالبحر الذي يليه، وما وراءه من ديار. وقد كان اختيار اسم الكتاب لأحد عناوين الباب الثالث، على عادة كثير من المؤلفين، باختيار أبرز ما في الكتاب ليكون اسماً له.. وهو وإن كان يكرر بعض الأحداث كما في ص 6566 وص 81، ولذلك نظائر، فإن لذلك سبباً في تمكين المعنى المرصود، من باب التأكيد المفيد.. وفي معاناة النجديين والغوص في البحر، نراه يصوّر حالة الأسرة، وما يمرّ بها من عناء: فربّ الأسرة يتغرّب وأحاسيسه مع زوجته وأولاده، وأقربائه ومجتمعه، يدفعه الأمل للكسب في هذه الرحلة، لكنه يصطدم بعقبات ومشكلات.. وقد أورد أكثر من 28 حالة «ص 83 104»، تصور حال الناس: قصصاً وشعراً، وما كانوا يؤملون من عمل، سواء تعلّقتْ به قلوبهم، أو بما وجدوه من أترابهم تشجيعاً وتقليداً، فيقدر الله لهم، ما فيه مصلحتهم من حيث لا يدرون، كما في حكاية عبدالرحمن بن بسام، الذي وصل البحرين، آملاً أن ينضمّ مع أحد جماعته من أهل مرات، لكن محاولتهم باءت بالفشل، ولم يستطع أحد أن يقنع البحارة بأخذه معهم، فقرر العودة إلى بلده، وأنشأ في ذلك قصيدة، لكنه تراجع لخلوِّ يده، ولبعد المسافة، فطاب له المقام في البحرين، واستوطنه، فرزقه الله رزقاً وسبباً يدر عليه خيرات البحر وويلاته «83 84». ويأتي تصوير شاعر، لمعاناة أهل البحر، والقسوة عليهم، فيحذّر من يسمع شعره من الذهاب إلى الغوص، لقسوة المعاملة وسوء الخلق من النوخذا، لأنه الآمر الناهي في السفينة فيقول: تشاوروا بالغوص عَمْسين الأشوار يا سامعين الغوص لا تركبونه إن قلت راسي قال: شبوا له النار وإن قلت بطني قال:دنّوا حلوله وإن قلت: ماني طيّب قال: عيار دواهي والعذر ما يقبلونه ص «87» ناهيك عن لوعة الزوجة على فراق والد أبنائها مدة طويلة وتحمّلها عبء الأولاد والعمل لإعاشتهم، ورعاية الدواب وعن حنين الرجل لأهله وولده، ويزيد الأمر عندما تزوره في المنام ليتناجيا، ويبثّ كل منهما شجونه للآخر. إنها أشعار وحكايات مرّت بأكثر من«28» رجلاً من رجال الغوص، هي نماذج لصور من الحياة ذلك الوقت، قد عبروا عنها شعراً، لأن الشعر هو الذي يعبر عن شعورهم، وسجّل أحداث حياتهم: المعيشية والصحية، والأسرّية والمالية والأمنية. والباب الرابع: خصّصه لأبناء البادية الذين انتجعوا للبحر، وفارقوا الصحراء الّتي ألفوها، والأعمال التي يرتاحون لها وهي: حرفة الرعي، وتربية الإبل والأغنام والخيول، وسكنى البراري الفسيحة في الخيام وبيوت الشعر، فشوّقهم للبحر ما يسمعون عن خيراته، وما يدرّ على أبناء الحاضرة من أموال، وأرباح كثيرة، فشاقهم هذا البريق إلى البحر، ليغامروا مع من غامر، فمنهم من نجح واغتنى ومنهم من أخفق وعاد خاوي الوفاض «وكل ميسر لما خلق له». بل إن منهم من ركب البحر لأول مرة، وأفزعه ما شاهده من أحد الغواصين، حيث قسمه سمك القرش «الجرجور» إلى نصفين، فجلس متأملاً، يراجع نفسه ويلومها، كيف يترك البرّ الآمن، ويأتي للموت الذي شاهده بعينه.. ويبدو من واقع الحكايات التي أورد: أن أبناء البادية عندما جاؤوا إلى البحر، كانوا لا يجيدون السباحة، إذْ لم يتعلموها من قبل، لأن قلة المياه في الصحراء، لم تتح لهم التعلّم، بخلاف أبناء الحواضر، الذين كانوا يتعلمون السباحة في الآبار، وفي أماكن تجمّعات السيول عندما تنزل الأمطار.. ولكن لما كانت الحاجة هي أمّ الاختراع، وبعض البدو، عنده الجرأة والشجاعة فكانوا يغامرون، فمنهم من ينجح في مغامرته، ويحقق ما يريد، ويتمرّن على البحر والسباحة فيه، وخاصة الغوص في الأعماق ومعرفة المحّار وجنيه، ومنهم من يخفق.. ولا يصمد وسيجري الحديث عن الأخير، لأن خبره طوي معه.. ولعل نموذج ذلك ما أورده عن قصة البدويّين: دليم وحمود اللذين لأوّل مرة يسافران، وقصدهما ركوب البحر، وقد اتفقا مع صاحب مركب، الأول دليم غواص، وحمود سيب، وركبا مع أهل السفينة، ولما وصلت إلى المغاصات العميقة، وبدأ الرجال ينزلون إلى أعماق البحر بحثاً عن المحّار، نزل دليم مع النازلين لأول مرة في حياته، وكان كل ما خرج مد مجموعة من المحار أكثر من زملائه، فلفت نظر «النوخذا، الذي صار يقدر دليم، الذي بان عمله وكثرة محاصيله، وفي مرة خرج دليم من البحر بمحاصيل كثيرة وكبيرة ونظر إليه حمود الذي كان هو السيب، وأثنى عليه فما كان من دليم إلاّ أن أجابه بأبيات، فرد عليه حمود بمثلها «ص 111 112». وهذه الوقائع والقصص ، ليست من بلدته «مرات» وحدها، ولكنها تمثل مناطق نجد كافّة: حاضرة وبادية، ويعن لكل واحد منهم في الحلم، ما كان يشغل هاجسه، حيث تتلا قى الأرواح على بعد، حيث عبّر أحد أبناء البادية، وهو في البحر في ساحل الأحساء، عن زيارة محبوبته له شعرا ارتاحت لذلك نفسه، وخفّفت المعاناة رغم بعد المسافة.. والعامّة تقول: الأحلام حديث النفوس «ص 112 113». .. والباب الخامس: وهو أصغر الأبواب عنده، جعله خاصاً: لتأثيرات رحلات الغوص على الحياة الاجتماعية والفكرية في نجد.. وقد اهتم في المدخل: بأثر القرية والبعد عن الأهل، على نفسية المغترب، وأيضاً على أهله ومجتمعه ومحبيه، «ص 121 124». ولا شك أن امتزاج الشعوب ببعضها واختلاط الأفراد في المجتمعات يحدث تأثيراً في أمور كثيرة، خاصة أن البحرين ذلك الوقت، قد انفتحت على الأمم الأخرى قبل نجد، ودخلتها أمور عديدة مع الانفتاح الحضاري والتجاريّ، ووفد إليها أناس من شعوب شتى، فأثَّروا في المجتمع البحريني، ومنهم من انصهر فيه .. ولذا حصل التأثير المتمثل في الوافدين للعمل في نجد في قوله: ومن تأثيرات رحلات الغوص على المجتمع، ما وفدت معهم من كلمات ومصطلحات ومسميات، وعادات وتقاليد لم تكن موجودة بالأصل في نجد، كما جلبوا بعض الأدوات الشعبيّة والكتب، وقد نجح بعضهم في تعلّم بعض اللغاب غير العربية، وأيضاً نقلوا بعض الطبخات الشعبية التي تعلّموها في غربتهم، وهذا ما نشاهده الآن في النماذج الحضارية بين أبناء منطقة الخليج.. وقد امتزجت المفردات والألفاظ من لغات مختلفة مع اللهجة العامية في نجد، وقد أورد حوالي 50 كلمة، وبيّن ما يقابلها بالّلغة العربية. وهذا بمثابة قاموس المقابلة والتأثير. ولا شك أن الأشياء الجديدة في أي مجتمع، إذا لم يحدّد لها أهل الجهة التي وفدت اليه اسماً مشتقاً من أصل عربي فان الاسم الوافد سيسبق ويتداوله الناس، ثم يغلب على الألسن.. ومن هنا ندرك الحكمة في تسمية المولود مبكراً حتى لا يعطى اسماً يلتصق به.. وليته أعاد بعض الكلمات إلى أصلها، إذْ منها الإنجليزي والهندي، والفارسي والتركي والكردي، بل إن منها كلمات عربية مثل الكروة، ومنها ما هو معرّب قد عرف قديماً مثل الكاغد، ومنها ما هو دخيل كالشيشة الذي جاء الاسم مع وجودها.. والقرآن الكريم جاءت فيه كلمات لم تكن في لغة العرب من قبل مثل: السندس والإستبرق والمرجان، والمنسأة وغير ذلك. والمعجم الوسيط بجزأيه الذي أصدره مجمع اللغة العربية بالقاهرة، فيه كلمات كثيرة أبان ما أصله عربي، وما كان دخيلاً، وما كان معرّباً.. والمبتكرات الحديثة، تأتي للبلد المستهلك بمسمياتها، من بلد الإنتاج، فإن روعي تعريبها قبل الانتشار، وإلاّ طغى الاسم الدخيل على ما يراد أن يكون هو الأصح.. وما يلاحظ في بلادنا اليوم في كل أمر، حتى انه غزا القرى والبوادي والارياف، يبرهن على هذا التأثر، حتى أن أطفالنا مع العمالة المنزليّة، صاروا يكسّرون اللغة، ويسيئون استعمال الألفاظ وفق دلالتها الأصلية.. وما أورده من سبيل التقريب لا الاستقصاء. ورغم أنه قال في المقدمة ص 5 : انه قسم مادة هذا البحث إلى خمسة أبواب رئيسية.. ثم ذكرها وهي ما سرنا معه فيها.. إلا أنه قال ص 6: أما الباب الأخير، فقد أثبتّ فيه أشهر قصائد الغوص.. وفي ص 125 أفرد له اصطلاحاً بأنه الباب السادس.. وجاء فيه بالشوارد من أشهر قصائد الغوص «ص 127 153». ولو سمّاه من البداية بالباب السادس في المقدمة لكان أنسب. وقد أورد من أشهر القصائد رجالية ونسائية أكثر من عشرين قصيدة وهي قصائد تحكي معاناتهم في حياة البحر،وقسوة النوخذا عليهم. واشتداد الغربة، وقصائد النساء في بكاء الأولاد، الذين ابتلعهم البحر وهوامُّه، وفي التوجّد على من طالبت غيبته من زوج وابن وقريب.. ولم ينس التعبير في بعض القصائد، عن الانتكاسة التي حلّت بالتجار بعد كساد تجارة اللؤلؤ، وتحول بعضهم من الغنى الفاحش إلى الفقر، وما وراء ذلك من آثار. وإن مما يفيد الأستاذ عبداللله في موضوعه هذا، حيث وعد بإضفاء مسحات جديدة عليه، أن يأخذ في حسبانه كتاب: رجال في جزائر اللؤلو لخالد البسام، الطبعة الأولى عام 1991م في البحرين، وفي حديثه عن مقبل بن عبدالرحمن الذكير، وتجارته الواسعة من اللؤلؤ، التي سخرها لأعمال الخير، والدفاع ضد المبشرين، حيث تكالب عليه التجار حتى أفلس، فرجع إلى بلده فقيراً كما خرج منها. حيث مات بها.. وقد كتب عنه المؤرخ صالح الذكير رحمه الله قبل شهر أويزيد قليلاً في جريدة اليوم في حديثه: الذاكرة الضوئية، الذي يأتي كل يوم اثنين، وعن نماذج من النصوص. وختم هذا الباب بأبيات شعرية سماها: شوارد من شعر الغوص )ص149 153(، بلغت تسعة وعشرين 29، تتراوح ما بين بيتين إلى ثلاثة، لكل شاعر.. وبعضها مكرّر، مما سبق أن أورده في ثنايا هذا الكتاب.. ويصح أن يجمع هذا الشعر وما قبله، مثلما حرص عليه شعراء وكتاب في الكويتوالبحرين وقطر وغيرها.. بجمعه في دواوين، سواء باسم الأشخاص، إن كانوا ممن يُكْثر في هذا النوع من الشعر، أو باسم الغوص.. لأنه شعر ارتبط بهذه المهنة.. ولقد كان أبناء دول الخليج قد اهتموا بهذا الجانب في وقت مبكّر، وجمعوا حصيلة لابأس بها، فإنني أذكرقبل عشرين عاماً، وفداً شبابياً جاء الرياض من البحرين يبحث عمّن عمل في الغوص للقاء بهم والحديث معهم، وتجميع المعلومات التي في أذهانهم. ولعل الجهات المختصة تتعاون مع الأستاذ عبدالله المهتم بالأمر لكي نتدارك بقايا كبار السن لرصد ما لديهم قبل أن تختطفهم المنون، كما اختطفت من قبلهم، وهي سنة الله في خلقه، ولا باقي إلا وجهه سبحانه. ولم يجعل المؤلف لكتابه خاتمة تبين ما وصل إليه في بحثه هذا. لأنها طريقة متّبعة في الكتب، مقدمة تشمل خطة البحث، وما يريد أن يعمله الباحث، وما عانى في هذا السبيل، وفي النهاية خاتمة توضح ما وصل إليه جهد الباحث في عمله هذا.. وأقولها بحق فقد استفدت من الكتاب، وأنار طريق المعرفة بجانب كان مطويّاً من تاريخ بلادنا حقبة من الزمن.. بنماذج واقعيّة ومحسوسة لحياة البحر، ومعاناة أبناء وسط الجزيرة المملكة العربية السعودية خاصة، وسائر البلاد عامة، قبل ان يوحّد شملها، وتتلاءم أطرافها بفضل الله ثم الملك عبدالعزيز، في وحدة شاملة جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً.. حيث استقرت، وظهرت فيها موارد الرزق الثابتة، التي غيرت الأحوال. فقد كانوا في شظف من العيش، ومعاناة من أجل ما يسدّ الرّمق، وخاصة عندما ينحبس المطر، وتجدب الأرض فيهلك الحرث والأنعام.. حث أبدل الله الحال بحال، وأصبحت كأنها غير الديار، فأقبل الينا البشر من كل مكان لكي ينعموا بوافر الرزق، وزيادة الدخل، في مشاركة معنا في البناء والتعمير.. فواجبنا أن نؤثِّر في هؤلاء بما هو من رسالتنا التي عهد بها الله الينا، وهي رسالة الدعوة والقدوة الصالحة في الأمور الشرعية، وتعليمهم ما جهلوه من أمور دينهم، حتى يعودوا لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم، حاملين مع المكسب المالي الذي تحصلوا عليه، فقهاً في الدين وتعلماً شرعياً لما أمر الله به، ليقدّموه هدية لذويهم من بلاد الحرمين، وأكرم به من هدية. ومع أهمية المادة التي طرحها المؤلف في كتابه هذا.. فإنه جدير بالاهتمام والقراءة، وبمن لديه معلومات أن يمدّه بها.. لتزداد الحصيلة ، وتتوثّق المعلومات. هو وإن وقع في ثناياه، أخطاء طباعية كثيرة، وغلطات نحوّية واملائية، وتكسّر في أبيات لم يستقم وزنها، فإن هذا لاينقص من مكانته، ولا ينزل قدره لما يذل فيه من جهد، ويمكن تدارك ذلك في الطبعة الثانية، وتشكيل بعض الأبيات الشعرية حتى يستقيم النطق والوزن، وكذا الكلمات والمصطحات. دعوة المظلوم: أورد شهاب الدين أحمد الابشيهيّ في كتابه «المستطرف في كل فنّ مستظرف»، في باب الظلم وشؤمه وأحوال الظلمة قصصاً تبيّن أن الله ينتقم للمظلوم عاجلاً، منها قوله: ومما نقل إلينا في الآثار الاسرائيلية في زمان موسى عليه الصلاة والسلام أن رجلاً من ضعفاء بني اسرائيل، كان له عائلة، وكن صياداً يصطاد السّمك ويقوت منه نفسه وأطفاله وزوجته، فخرج يوماً ليصيد، فوقع في شبكته سمكة كبيرة، ففرح بها ثم أخذها ومضى إلى السوق ليبيعها، ويصرف ثمنها في مصالح عياله، فلقيه بعض العوّانيّه، ممن فيه كبر وغلظة، فرأى السمكة مع الصياد، فأراد أخذها منه، فمنعه الصياد، فرفع العواني خشبة كانت بيده، فضرب بها رأس الصياد، ضربة موجعة، وأخذ السمكة منه غصباً، وبلا ثمن.. وذهب بها.. فلما رآه الصياد تحسّر ودعا عليه قائلاً: إلهي جعلتني ضعيفاً، وجعلته قوياً عنيفاً، فخذ لي بحقي منه عاجلاً غير آجل، فقد ظلمني.. ولا صبر لي إلى الآخرة. ثم إن ذلك الغاصب الظالم، انطلق بالسمكة إلى منزله، وسلّمها إلى زوجته، وامرها أن تشويها. فلما شوتها قدّمتها له، ووضعتها بين يديه على المائدة ليأكل منها. ففتحت السمكة فاها، ونكزته في أصبع يده نكزة طار منها عقله، وقد آلمته ألماً شديداً، وصار لا يقرّبها قراره. فقام وشكا إلى الطبيب ألم يده، وما حلّ به من نكزة السمكة، فلما رآها قال له: دواؤها أن تقطع الأصبع، لئلا يسري الألم إلي بقية الكفّ.. فقطع أصبعه، فانتقل الألم والوجع إلى الكفّ واليد، وازداد التألم وارتعدت من خوفه فرائصه. فقال له الطبيب: ينبغي أن تقطع اليد إلى المعصم لئلا يسري الى الساعد هذا الألم. فقطعها فانتقل الألم إلى الساعد... فما زال هكذا كلما قطع عضواً، انتقل الألم إلى العضو الآخر الذي يليه. فخرج هائماً على وجهه، مستغيثاً إلى ربّه، ليكشف عنه ما نزل به. فرأى شجرة فقصدها، فأخذه النوم عندها فنام، فرأى في منامه قائلاً يقول له: يا مسكين، إلى كم تقطع أعضاءك، امض إلى خصمك الذي ظلمته، فأرضه. فانتبه من النوم، وتفكّر في أمره، فعلم أن الذي أصابه من جهة الصياد، فدخل المدينة وسأل عن الصياد، وأتى إليه فوقع بين يديه يتمرغ على رجليه وطلب منه الإقالة مما جناه ودفع إليه شيئاً من ماله وتاب من فعله، فرضي عنه خصمه الصياد، فسكن في الحال ألمه، وبات تلك الليلة، فرد الله عليه يده كما كانت ونزل الوحي على موسى عليه السلام بأمره: «وعزتي وجلالي لولا أن ذلك الرجل أرضى خصمه لعذبته مهما امتدت به الحياة». )1:100(.