بعد ان ذكر الاستاذ عبدالله الضويحي، وظائف ومهمات البحارة على ظهر سفينة الغوص، وهي اعمال عديدة اذ لا يوجد شخص بلا عمل، مع ان بعض السفن يزيد طاقمها عن ثمانين رجلا، أحب ان يبين طريقة توزيع الأرباح، فقد جعل لذلك مدخلا، يعتبر من الامور التنظيمية فقال: وقبل بيان كيفية توزيع الأرباح تجدر الاشارة الى ان البحارة يأخذون مبلغا من المال قبل عملية الشروع في الغوص: السّلف والخرجيّة، مما يدل على ان البحارة منقطعون لعملهم البحري فقط، ولا دخل عندهم غيره.. هذا من جانب، ومن جانب آخر فهم يعيشون عيشة الكفاف، وكأنهم يعملون لصالح تجار اللؤلؤ. فالسّلف: يعطى للبحارة عندما يعملون لأحد الموانئ لفترة قصيرة، كمصرف شخصي، ويقيّد على حسابهم. والخرجيّة: مبلغ يعطى للبحارة في الشتاء، وهي فترة انقطاع قبل بداية الموسم، ويخصم عند توزيع الأرباح. اما طريقة توزيع الأرباح: فأولا تخصم المبالغ التي استلمت قبل الابحار، ثم يعطى الخمس لصاحب السفينة، ويخصم منه ثمن الأطعمة وتموين السفينة. والباقي يوزيع أسهما: لكل من النوخذة والغواصين والجعدي ثلاثة أسهم. والسيب يأخذ سهمين، والرّضيف يأخذ سهما واحدا. وبعد ذلك دخل في تعريف ادوات الغوص، المستخدمة في العمل، ووظيفة كل واحد، وهي ثمانية، نذكرها بالاسم فقط، ولراغب الفائدة في وظيفة كل واحد من هذه الثمانية وهي: الزّيبل والدّجين، والمغلقة والفطام، والايداء والخبط، ولباس الغوص والطرطور )40 41( الرجوع الى هذا الكتاب لما في ذلك من الفائدة. أما الطوّاشون: وهم تجّار اللؤلؤ: الذين يقومون بشراء اللؤلؤ في البحر قبل أن تنتهي رحلة الغوص، فهم نوعان: الكبار: يذهبون بسفنهم التي يملكونها إلى مراكب الغوص في البحر، ولهم عملاء خاصّون، كما أنهم يحملون معهم المؤن لبيعها على البحارة في عرض البحر. أما الصغار: فإنهم يتواجدون خارج البحر، يقتنصون اللؤلؤ من أصحابه وبعض البحارة، بأسعار مخالفة للطواشين الكبار. وقد حرص المؤلف مع التعريفات والشرح، على ان يوضح العمل الذي يبرز اهمية اللؤلؤ والتعامل فيه بالصور: كطريقة فرز اللآلئ حسب الحجم بواسطة الطّوس. ووزن اللؤلؤ: باستخدام ميزان دقيق الحساسية. وصنجاة خاصة.. مع صور للبحارة بلباسهم الخاص الواقي من لسعات الدوّل وهو حيوان هُلامِيّ له زعانف )هامش ص 41( وصور للغواصين وهم يتأهبون للعمل، ولدفتر حساب أوزان اللؤلؤ.. يخيل لمن يقرأ المعلومات، ثم يقارنها بالصّور، أنه يعيش مع أصحاب هذه المهن: رحلة غوص، غوصاً وجنيا للؤلؤ وفرزه ووزنه، ثم قيده في الدفاتر موزوناً. وعن كيفية الغوص نراه ينقل الواقع مشافهة من أحد البحارة الذين مارسوا المهنة من أهل مرات بالوشم، فيقول: يبدأ الغواص من أول الصباح، بعد طلوع الشمس، حتى نهاية النهار، فبعد أن يلبس الغواص ثياب الغوص الخاصّة، يضع في أنفه )الفطام( وهو شبيه بمشبك الغسيل )الملقط( في أنفه فيمنعه من التنفس، ويضع في أذنيه قطعا من الصوف المندوف، أو اللبان، ويضع )الدجين( على رقبته ويلفّ خيطا عليها، ويمسك به، ثم يضع )الزّيبل(، وهو الحبل الذي بطرفه ثقل، لإنزال الغيص، الى قاع البحر، في قدمه، ثم يضع )الأيدا( وهو الحبل الذي يمسك به السيب، وينقذ به الغيص، أوالغواص معناهما واحد. وحين ينزل الى البحر، يضع كفيه على وجهه، فيصل الى قعر البحر بواسطة الثقل، بعد ذلك يفتح عينيه، ويسحب السيب )الزّيبل( ثم يأخذ الغيص في جمع المحار، ووضعه في )الدجين(. وإذا انتهى قبل أن ينتهي نَفَسُه، أرسل إشارة بهزّ الحبل، فيقوم بسحبه فورا إلى سطح البحر، ومدة كل غطسة تتراوح بين دقيقة، ودقيقة ونصف.. ويستريح الغيص، عشر دقائق، ثم يعود لمزاولة الغوص وهكذا.. وحين يجمعون حصيلة اليوم، يقومون بفتح المحار، تحت اشراف النوخذة، لأنه هو المسؤول الاول عن حفظ اللؤلؤ وهو الذي يبيعه بنفسه، فيسدد للمموّل دينه، ويعطي مالك السفينة الخمس، والباقي يوزع على البحارة بنسبة محدّدة )ص 43(. وفي الباب الثاني: الذي جعله يشتمل على ثلاثة أشياء، الحياة على ظهر السفينة، وسنة الطبعة، وقصص طريفة مع البحر )ص 45 61(. فالحياة على ظهر السفينة فيها قساوة خاصة وأن الرحلة تطول، مما يجعل من على ظهرها يتعاونون فيما بينهم، لما فيه مصلحتهم وسلامتهم جميعا، والمعيشة فيها شظف ومتاعب، مما ينتج عنه امراض، بسبب سوء التغذية، ذلك ان رداءة الطعام، المقتصر على الرز والتمر، والسكر والدهن، وقلّة الوجبات، لا يحقق للجسم متطلباته الصحية، مع الجهد المبذول.. علاوة على معاناة أخرى ذكرها المؤلف هي القذارة في المأكل والمشرب والضيق على سطح السفينة، خاصة أثناء النوم فيكون سطحها رطباً، وقد ينامون على المحار اذا كان كثيرا، ويتأذون من رائحته.. أما مياه الشرب فهي حارّة وشحيحه، حيث لا يصل للفرد طوال اليوم، سوى كوب واحد فقط، رغبة في الاقتصاد. وهذا الوضع ينشأ عنه أمراض عديدة.. ذكر منها حوالي عشرة.. وتعالج بالأعشاب التي تصاحبهم في الرحلة، وقد ذكر منها ثمانية أنواع، إلى جانب الكيّ بالنار.. أما الحروق من لدغات حيوانات البحر فيعالجونها بذر الرماد مع الملح.. وكل هذه العلاجات بدائية، قد تحدث آثارا عكسية على الجسم.. مما يبرهن على قساوة الحياة في البحر، مع الفقر، ورغم أنهم يستمرون أياما طويلة لم يعودوا خلالها لليابسة وهم في البحر، فإنه لم يذكر السمك والربيان ضمن طعامهم، رغم انهما متوفران في اليابسة وبقيمة أرخص من اللحم الأحمر، والدجاج وغيرهما وهما يصبران مدة طويلة. ولما كان للبحر مخاطره وأهواله، فقد أراد تصوير معاناة الناس فيه، عندما تتلاطم امواجه، ويقذف السفن الصغيرة، يميناً وشمالاً، بما حصل لمنصور الشوشان، عند سفره من ميناء ضباء بالبحر الأحمر، بجزء من قصيدته )21( بيتا، بالشعر النبطي تجسم معاناته مع من على ظهر السفينة في تلك الليلة الليلاء )48 49(. أما سنة الطبعة وما أدراك ما سنة الطبعة، فهي من السنين التي تؤرخ بها الأحداث، لهول ما يحصل فيا من خسائر مالية وبشرية، وما يمر بالناجين من مصائب وويلات، وما اكثر سنوات الطبعة، ولكن الأخير منها ينسى السابق، فهي ترتبط بحياة المتعاملين مع البحر، وبأحداثهم الأسرية في كل أمر، فإذا كانت سنة الرحمة التي عرف تاريخها في عام 1337ه، حيث ترتبط بأحداث نجد كلها، بدءاً ونهاية.. ولا تزال على الالسن جيلاً بعد جيل. فان سنة الطبعة التي حدّدها المؤلف يوم 1343ه، تعتبر تذكارا محفورا في قلوب أهل البحر، وتاريخا مميزا لا يمكن نسيانه. كانت على الساحل الشرقي للجزيرة العربية، إبان موسم الغوص. ولغلبة الأمية فإن الناس يؤرخون بالأحداث ولا تقيّد بالسنين. كانت السفن متهيئة للعمل في الغوص صباحا، واكثرها على مغاص )الدّيبل(، والبقية متفرقة على المغاصات الأخرى. وفي منتصف الليل هبت رياح تصاحبها أمطار غزيرة، فثار البحر وزمجر، وتعالت أمواجه، وتلاطمت جوانبه، ودفعت الرياح والأمطار، السفن مع كل اتجاه، فتضاربت مع بعضها، وتعالت الأصوات، بترديد التضرع، والتوسل الى الله سبحانه، الى جانب صرير ألواح السفن، وتمزّق أشرعتها، حيث غرق أكثر السفن بمن فيها، إلا من كتب الله له النجاة.. وقد صور الكاتب تلك الحالة، بما يجعل القارىء يحسّ أنه يعاين تلك اللحظات، أو يسمع النداءات والصراخ: استغاثة وتوسلا الى الله بالنجاة. وقد أورد قصصا تصور ما حصل لهم نورد منها قوله: وتحدّث أحد أبناء مجموعة من أهالي )مرات( وهي بلدة المؤلف كانوا على ظهر سفينة في أحد المغاصات مع أحد النواخذة في البحرين، وكانوا على مغاص يقال له: )جنّة( يروي ذلك عن أبيه الذي قال: بعدما بدأت العاصفة، ونزول الامطار، كنا نرى السفن تتلاطم مع بعضها، وكنا نرى أنفسنا ندور في نفس المكان، حتى فقد أكثرنا وعيه، وطارت الامواج بمركبنا بعيدا، وعندما هدأت العاصفة، تفقدنا بعضنا، وكنا أهل مرات خمسة بحارة من ضمن الناجين، ومركبنا تتساقط منه بعض الألواح، ونحن في ذعر شديد، ولا ندري في أي مكان نحن، لا نرى السماء والماء، فاتجهنا بالدعاء والاستغاثة بالله، وقراءة القرآن.. وبعد عدة أيام من ضياعنا، وعند الفجر شاهدنا على بعد أناساً في مركب صغير، فاتجهنا لهم، فعرفوا أننا ضائعون، وأنقذونا بالماء والطعام، وبدأت تدبّ فينا الحياة، وتعجبوا من حالنا، وحالة مركبنا، وأخبرونا أننا عند الشواطىء العمانية، ففرحنا وبقينا في عمان عدة أيام لإصلاح مركبنا، ثم عدنا مع )النوخذا( إلى البحرين بعد أن منّ الله علينا بالنجاة، وكانت خاتمة البحر وتوديعه )51 52(. وتلك القصص والوقائع كل واحدة لها طعمها وأحداثها المغايرة لغيرها، مما يصوّر حال تلك الكارثة، التي وقعت والتي يمر بروّاد البحر مثلها بين وقت وآخر، بل بعضها مرتبط بقصائد، يعبّر بها الشاعر عن معاناته، ويبثّ شجونه لذويه: مهوّلا، ما مرّ به في البحر، ومتوجدا إلى بلدته وديار أهله، في حنين وشوق للأهل والأقارب. وقد أحسن المؤلف انتقاء هذه القصص السّبع، المصوّرة للمعاناة التي مرّت بمن نجا، اما من غرقوا وهم الأكثر فقد ماتت أخبارهم بفقدانهم )50 56(. وفي ختام هذه القصص، ذكر الخسائر التي نتجت في تلك الكارثة: سفناً ورجالاً وأموالاً.. وتلفيات في السفن، فإنه لم يقدرها بالعدد والارقام، ولكنه اكتفى بالتعبير بالكثرة والكبر فقط.. ونسبة 80% من السفن ولم يعرف عدد السفن، مما يجعل باب التساؤل مفتوحا حتى يأتي الخبر اليقين. وفي نهاية الباب الثاني: أورد أربع قصص من قصص الغوص )57 61( منها قصة هلال المطيري في الكويت المشهورة وقصة العبيدي التي كانت لقاء في جريدة الجزيرة. ونورد قصة عبدالرحمن بن ضويحي وجماعته من أهالي مرات: فقد وصلوا الى البحرين متأخرين عن عادتهم. فقصدوا أحد النواخذة المسمى )الذوّادي( والذي يعرفهم في مواسم الغوص السابقة، فسلّموا عليه لكنه لم يلق لهم بالا، وادار وجهه عنهم بسب تأخرهم، فأصابهم خيبة أمل، وإحباط شديد، ولم يخطر ببالهم انه سيرفضهم، وهو ذلك الصديق القديم، الذي عملوا معه في المواسم السابقة، وكان عبدالرحمن أحد هؤلاء القادمين من مرات، ويعلم ما للإمام عبدالعزيز من قدر كبير، ومكانة عظيمة لدى أولئك النواخذا، وأهل البحرين، فقام الى هذا النوخذا، واخبره أن سبب التأخر لم يكن بأيديهم، بل كان بسبب انخراطهم في غزوة مع الملك عبدالعزيز، فقال: يا نوخذا ودّنا إننا جينا مبكرين، ولكن كلّفنا الملك عبدالعزيز، نشترك في غزوة، وقلنا إننا مواعدون النوخذا. فقال: النوخذا ولدنا ونمون عليه. فقال النوخذا: نعم أنا ولده، ويمون عليّ، نعم هذا الإمام عبدالعزيز لو يكتب لي على جناح جرادة، أمره يتمّ، أنا شايفه في الحرم وشافني، يا الله يا عيال عندكم صبيان مرات، أكرموهم يستاهلون ذبيحتين، أو ثلاث ثم ترتّبت الأمور، وألحقهم ضمن بحارته )ص 60 61(. والميزة التي تبرز عنده، البساطة في نقل الحوادث والقصص، والحرص على تأدية الأمور باللهجة العامية التي تمت بها المخاطبة، سواء كانت بحرينية أو نجدية.. وهذا مما يقرب الحوادث ومجريات الأمور للأصل ليعيش القارىء وتلك الأحداث في بيئتها، وكأنه معها في زمانها.. وقد بدأ الباب الثالث: بامتهان النجديين الغوص، وأبان بالنقل عن حالة نجد في العشرينات الهجرية، من القرن الماضي: والسنون العصيبة: جوع وسلب، ونهب وحروب قبلية وغيرها، حتى وحد الملك عبدالعزيز يرحمه الله البلاد، فأتم الله النعمة على يديه، هذه السنوات العصيبة، دفعت بالناس الى السفر لطلب الرزق وكانوا ثلاثة أقسام: أهل البحر ورجاله، الذي جاؤوا من نجد بادية وحاضرة، وكان من )مرات( وحدها اكثر من مائتي رجل، أورد اسماء 115 منهم. القسم الثاني: العقيلات قال إنهم من القصيم وحائل.. والصحيح أنهم من عامة نجد حاضرة وبادية مثل الذين امتهنوا الغوص. فلم يقتصروا على بلد بذاتها.. والثالث: الرحيلية للتجارة، وقصرهم على الاحساء والجبيل، والواقع أنهم يمتدون بحسب قدراتهم التجارية إلى جهات عديدة: كالكويتوالبحرين وقطر وعمان ومكة ومناطق الجنوب واليمن. والقسم الثاني الذين رحلتهم التجارية للشمال، والثالث الذين رحلتهم للشرق ومكوكية في الجزيرة، لا يذهبون إلا جماعات، خوفاً من سطو البادية عليهم، ويدفعون لكل قبيلة يمرون بأراضيهم افاوات )ضريبة( لحمايتهم عند المرور باراضيهم، ولم يتحدث الا عما يتعلق بموضوعه وهم القسم الأول: عن أسفارهم ومعاناتهم، وترابطهم في الغربة، وبساطة اجراءات السفر.. وتحملهم المشاق في السفر: على الابل أو سيرا على الاقدام، ومخاطر الطريق وقطّاعه.. مما يصور حالة اجتماعية، يهم كل فرد الإلمام بها، وحبذا العناية بها تاريخيا وأثريا ودراسة. ومن الجميل في هذا الموقع ما أثبته بالصورة عن تذكرة هوية المسافرين في المملكة أول ما بدأ استقرارها باسم: مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها. وجواز السفر الأول في عهد الملك عبدالعزيز، وكان المسافر عبدالعزيز بن ابراهيم بن دعيج الى البحرين في 3 محرم 1350ه ونهاية الصلاحية في 3 محرم 1351ه )65 80( إنها ذكريات مشوقة. ولا تنسى لما فيها من مشقة ومكابدة، وما تتضمن من رصد تاريخي عن واقع الناس وطلبهم الرزق. )للحديث صلة( جعلتْها البسملة مسلمة: تحت هذا العنوان حكى الشيخ عبدالرحمن أبوذرّ هذه الواقعة كما شهدها في مجلة النور الكويتية يقول فيها: عندما قررت السفر الى لندن منذ بضع سنوات حولت نقودي من بيت التمويل الكويتي مسحوبة على بنك الكويت المتحد في لندن، فلما دخلت لأصرف أولها فوجئت بشابة بريطانية، تناولته من يدي، وسرعان ما هزت رأسها ساخرة من لباسي للزيّ العربي، واعتذرت عن صرفه بحجة أنها لم تسمع ببيت التموين الكويتي ولم تر له شيكا من قبل، فأظلمت الدنيا في عيني، واذا بشاب عربي يقف أمامها فحياها بالفرنسية، ففرحت ثم تحدثت معها بالفرنسية طالبا ان تسأل المدير عنه.. لكن عند صرفه سألتني عن جملة مسطورة في أعلى الشيك بالعربية ما هي؟ قلت بسم الله الرحمن الرحيم، قالت: وما معناها؟ وما أهميتها المصرفية حتى يتوج بها بيت التمويل شيكاته، من دون بنوك العالم؟. أثارتني لهجتها الساخرة المستنكرة فقلت له: إن كنت يهودية فارجعي الى التوراة فهذه الجملة هي التي توج بها سليمان كتابه الى بلقيس. وإن كنت نصرانية فبهذه الكلمة كان سيدنا عيسى عليه السلام يبرىء الأكمه والابرص ويحيي الموتى بإذن الله. وأتيت لها بشواهد أخرى. واسمعي يا أختي في الطين فببسم الله استقلت السماء، وببسم الله استقرت الارض، وببسم الله رست الجبال، وببسم الله جرت البحار والأنهار، وببسم الله كنت دودة في صلب أبيك، وببسم الله انتقلت إلى رحم أمك، وببسم الله ولدت وترعرعت وشببت وتعلمت، وببسم الله وظفت هنا في بنك الكويت المتحد، فاطلبي العون من الله فهو الرحمن الرحيم مفيض النعم. ولا تعجبي فنحن نبدأ جميع أعمالنا وكتاباتنا معشر المسلمين: ببسم الله الرحمن الرحيم.. وفي هذه المحطة اغرورقت عينا محدثتي بالدموع فقالت هل لك ان تخصص لي ساعة من ليل او نهار، تعلمني فيها عن اسلامكم العظيم، فقد ملأت بسم الله الرحمن الرحيم قلبي ايمانا بالله. فدللتها على المركز الإسلامي في لندن، فتلك بعض مهماته ومن صلب وظيفته. كما لفت نظرها التاريخ الهجري وبعد اسبوع عدت للبنك لأصرف شيكا آخر، وذاكرتي خالية تماما من النقاش مع تلك الشابة البريطانية شبه العارية التي ماتركت شيئا يجملها الا عملته، فكانت فتنة للناظرين.. وإذا بشابّة تقف لي وراء مكتبها فتناديني بكنيتي، وحيَّتني بحرارة، فإذا هي السابقة، ولكنها اليوم غيرها بالأمس، رأيتها محتشمة في لباسها، مستورة الصدر والذراعين، محجبة الرأس، لا يرى منها الا ظاهر وجهها، وتبدو طبيعية لا روج في شفتيها ولا حمرة في وجنتيها، ولا زرقة على جفنيها.. وابتدرتني قائلة: لقد هداني الله ببركة بسم الله الرحمن الرحيم، واقسمت أنها ما إن غدت إلى المركز الاسلامي وقابلت رئيسه الذي رحّب بها أجمل ترحيب. وأهداها بعض الكتب بالانجليزية عن الإسلام حتى عادت اليه بعد يومين اثنين فأعلنت شهادتها بين يديه، ودخلت الاسلام، وتوجهت من فورها إلى أقرب معرض تجاري للملبوسات المحتشمة، فاشترت ما تحاكي به زوجتي، وغطت رأسها وأكدت أنها من فورها بدأت تصلي صلاتها وبدأت بحفظ الفاتحة وقصار السور، وذلك من فضل الله.