والبؤساء في الناس كثيرون بل هم كثيرون جداً.وما تقرؤه من بعض التراجم لهم ما هو إلا النزر اليسير من عدد البؤساء الذين لم يكن لهم شأن يصل بهم إلى درجة اهتمام الآخرين من المؤرخين والكتاب بدراسة حياتهم وترجمة سيرهم الذاتية. وإن أنا حاولت تقدير نسبة البؤساء فما أنا ببعيد من ذلك البهلول الذي داعبه أحد الولاة وطلب إليه أن يعد مجانين البلد فكان جوابه أنه لا يستطيع أن يعد المجانين ولكنه باستطاعته عد العقلاء. ونحن إذا أخذنا بأبسط درجة يوصف بها الإنسان بأنه بئيس ثم تدرجنافي الإحصاء إلى أشد درجات البؤس فإنه من غير المستبعد أن نحصل على عدد من البائسين يربو على عدد السعداء. وإذا ما اعتبرنا كل شاك من الدهر بائساً فإن الذين لم يشكوا من الدهر قلة. ونحن إذا ما درسنا حياة بعض البؤساء نجد أن منهم أناساً كثيرين لم يعايشوا البؤس من صغرهم وإنما صاحبهم في مرحلة من مراحل حياتهم فابن عفيف الدين التلمساني واسمه سليمان بن محمد بن عبدالله الذي يعد من البؤساء لم يكن بائساً في أول حياته وإنما البؤس والشقاء رافقاه في آخر مراحل عمره.. جاء في ترجمة لحياته أنه شاعر عصره وفريد دهره وأنه كان حسن العشرة كريم الأخلاق ذا وجاهة واعتبار يجالس الأمراء ويباحث العلماء واشتهر بين أهل دمشق بنظم الشعر واعتبروه شاعراً من نوابغ شعراء الشام. وقيل ان سبب بؤسه أنه اتهم في آخر أيامه بالخمر والفسق وشيء من الدعارة فهجره عارفوه وتخلى عنه والده فعاش ما بقي من عمره بائساً يائساً غير مرضٍ عنه ومات غماً سنة 688 هجرية وله ديوان شعر نفيس من محاسنه قصيدة منها قوله : لا تخف ما فعلت بك الأشواق واشرح هواك فكلنا عشاق فعسى يعينك من شكوت له الهوى في حمله فالعاشقون رفاق قد كان يخفى الحب لولا دمعك الجاري ولولا قلبك الخفاق لا تجزعن فلست أول مغرم فتكت به الوجنات والأحداق واصبرعلى هجر الحبيب فربما عاد الوصال وللهوى أخلاق كم ليلة أسهرت أحداقي بها ملقى وللأفكار بي أحداق يارب قد بعد الذين أحبهم عني وقد ألف الرفاق فراق واسود حظي عندهم لما سرى