الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبعه.. وبعد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سأل الناس تكثراً فإنما يسأل جمراً فليستقل أو ليستكثر» رواه مسلم. أي من سأل الناس ليكثر ماله مما يجتمع عنده بسبب السؤال فإنما يسأل جمراً. إنه من منطلق هذا الحديث الشريف يجب على كل متسول أن يقف وقفة صادقة مع نفسه ليردعها عن الجشع والتكسب المحرم، ناهيك عما يحصل له من الإذلال والمهانة في الدنيا والآخرة حيث ورد عن المصطفى صلى الله عليه وسلم قوله من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال« لاتزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله تعالى وليس في وجهه مزعة لحم» متفق عليه. أي أن طبع الإنسان الاستكثار من الدينا فلا يزال يسأل الناس ما لهم تكثراً حتى يلقى الله وذلك حين يموت قال القاضي« يأتي يوم القيامة ذليلاً ساقطاً لا وجه له عند الله« وعن عبدالله بن سعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم« من سأل الناس وله ما يغنيه، جاء يوم القيامة مسألته خموش أو خدوش أو كدوح، قيل: يارسول الله وما يغنيه؟ قال« خمسون درهماً أو قيمتها من الذهب» رواه ابو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارمي، ففي هذا الحديث بين أن من سأل الناس وعنده ما يكفيه ويغنيه عن الناس جاء يوم القيامة ومسألته خموش أو خدوش أو كدوح أي جروح وقطع في وجهه علامة على ذله بسبب سؤاله مع أنه عنده ما يكفيه. ونستنتج من هذه النصوص أن السؤال في الأصل حرام لأنه لا ينفك عن ثلاثة أمور 1 الشكوى التي لا تنبغي لغير الله 2 إذلال السائل نفسه وما ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه 3 إيذاء المسئول غالباً بسؤاله لأن الأنفس بطبيعتها جبلت على الشح. وقد عالج النبي صلى الله عليه وسلم قضية التسول علاجاً ناجحاً بتوجيه السائل إلى العمل والاحتراف بكده كما في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلاً من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله فقال: ما في بيتك شيء ؟ قال: بلى حلس نلبس بعضه وقعب نشرب فيه الماء، قال: إئتني بهما فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال: من يشتري هذين؟ قال رجل: أنا آخذهما بدرهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يزيد على درهم مرتين أو ثلاثاً؟ قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين فأعطاهما إياه، فأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري وقال اشتر بأحدهما طعاماً فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدوماً فأتِ به، فشد فيه صلى الله عليه وسلم عوداً بيده ثم قال: اذهب فاحتطب، وبع ولا أرينك خمسة عشر يوما، فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم فاشترى ببعضها ثوباً وبعضها طعاماً: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة ان المسألة لا تصلح إلا لثلاثة لذي فقر مدقع أو لذي غرم مقطع أو لذي دم موجع« رواه ابو داود. ففي هذا الحديث بين صلى الله عليه وسلم من تحل له المسألة فقال إن المسألة لا تصلح أي لا تجوز ولا تنبغي إلا لثلاثة أي لمن اتصف بإحدى هذه الصفات وقد فصلها صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه أبو قبيصة الهلالي رضي الله عنه قال: تحملت حمالة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم اسأله فيها، فقال« أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها ثم قال: ياقبيصة ، ان المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو قال سداداً من عيش، ورجل اصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه: لقد اصابت فلاناً فاقة، فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش، أو قال سداداً من عيش فما سواهن من المسألة ياقبيصة سحت يأكلها صاحبها سحتاً» رواه مسلم. «الحمالة: أن يقع قتال بين فريقين فيصلح أنسان بينهم على مال يتحمله ويلتزمه على نفسه، الجائحة: الآفة تصيب مال الإنسان، القوام: هو ما يقوم به أمر الإنسان من مال ونحوه، السداد: ما يسد حاجة المعوز ويكفيه، الفاقة: الفقر، الحجى: العقل». يتبين مما سبق أن السؤال إنما في حالة الضرورة والحاجة القريبة من الضرورة، ويكون إلى حد معين ثم يمسك الإنسان عن السؤال وعليه ألا يبذل وجهه لجميع الناس فيكون ذليلاً مبتذلاً بل عليه أن يقتصر في السؤال على الأغنياء ومن في حكمهم من الجمعيات الخيرية ونحوها. كما أن على الأغنياء أن يحتاطوا في إخراج الزكاة خصوصاً فلا يعطونها إلا لمن يتأكد أنه من أهلها وان الجمعيات الخيرية المنتشرة في أنحاء المملكة تخدمهم في هذا الجانب وتبرأ الذمة إن شاء الله بإعطائهم اياها ليتولوا توزيعها على مستحقيها. كما أن على من يرغب دفع صدقات أن يبر أولاً أقاربه المحتاجين وأن يتعاون مع إمام مسجد الحي الذي يسكنه أو مع من يثق به من أهل الخير لسد حاجة الفقراء من سكان الحي وغيرهم ممن تتأكد حاجتهم للمساعدة وهم يتعففون ولا يسألون الناس إحساناً. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. علي بن شايع بن صالح الفقيه مدير التوجيه والتوعية