في الأيام الأخيرة حظيت ضَرْغَط )ضرغد( - وهي من ضمن محافظة الغزالة بإمارة حائل - بزيارة أمير المنطقة صاحب السمو الملكي الامير سعود بن عبد المحسن بن عبد العزيز، ونائبه صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن سعد بن عبدالعزيز. وكنت من المتابعين لهذه الزيارة الكريمة عن طريق ما ينشر في صحفنا اليومية، وقد فرحت كثيراً بوضع ضرغط )ضرغد( التي هي أنموذج البعد عند طرفة، وأنها نالت من الخدمات ما هيأ لها امتداد المدينة إليها، وأرجو أن تنال الكثير على يد أمير حائل صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبد المحسن. ونبحث عن السبب الذي جعلها أنموذج البعد عند طرفة، فنجد أنها بعيدة عن اليمامة، وبعيدة عن الحجاز، وبعيدة عن العراق، لذلك جعلها طرفة أنموذجاً للبعد، ثم إنها في حرة صعبة المسالك، وعرة الطرق.. وقد تغيرت وسائل المواصلات والاتصالات في أيامنا هذه، مما قرب ضرغط )ضرغد(، فأصبحت قريبة من المدن الاخرى. وهي قريبة الى القلوب بمكانتها التاريخية، فيكفي أن اسم ضرغد عبر الصحارى الواسعة، ووصل إلى مسامع أهل البحرين واليمامة من ايام الجاهلية ومنذ ذلك الزمن وضرغد تحمل اسمها من غير تغيير، أما الكتابة فهي تَكْتُب ما يُنْطَق، وليس بالضرورة أن الأيام غيرت الدال وحولتها الى طاء. فالسامع لا يفرق بين مخرج الطاء والدال، فقد يَكْتُبُ إحداهما مكان الأخرى، واذا كانت ضرغد نائية عن الاحساء بلاد طرفة في زمنه، فلم تعد اليوم نائية عن الاحساء، فكلاهما ضمن المملكة العربية السعودية، وتنعمان بالحياة المدنية الكريمة. وطرفة بن العبد الشاعر الثاني في العربية بعد امرىء القيس، شهد له بذلك واحد من شعراء المعلقات هو لبيد بن ربيعة العامري، قال أبو عبيدة: مر لبيد بمجلس لِنَهْد بالكوفة وهو يتوكأ على عصا، فلما جاوز أمروا فتى منهم أن يلحقه فيسأله: من أشعر العرب؟ ففعل، فقال له لبيد: الملك الضليل، يعني امرأ القيس، فرجع فأخبرهم، قالوا: ألا سألته: ثم من؟ فرجع فسأله، فقال: ابن العشرين يعني طرفة. نَعَم إنه الشاعر الثاني في العربية على الرغم من عمره القصير الذي لم يتجاوز السادسة والعشرين، وقد ارتاد في عمره القصير هذا بلاد البحرين واليمامة: الاحساء ويبرين، والخرج، وحجر، وعقرباء، وسدوس، وقران، وملهم. وقد وفد على عمرو بن هند ملك الحيرة مؤملاً في العطاء، ولم يلتفت الى ما قال في عمرو بن هند، ظناً منه أن ذلك الهجاء لن يصل الى سمع الملك عمرو بن هند، وكان هجاء طرفة لعمرو بن هند قد وصل الى ملك الحيرة عن طريق عبد عمرو بن مرثد زوج اخت طرفة، فقد كان عبد عمرو بن مرثد من المقربين عند عمرو بن هند، وفي يوم من الايام دخل عبد عمرو بن مرثد الحمام مع عمرو بن هند، وعندما نظر عمر بن هند الى جسم عبد عمرو بن مرثد أعجب به وقال: لقد كان ابن عمك طرفة صادقاً عندما قال فيك: ولا عيبَ فيه غير ان له غِنىً وان له كَشْحاً إذا قام أَهْضَمَا وأن نساء الحَيِّ يَعْكُفْنَ حَوْلَهُ يَقُلْنَ عَسِيبٌ من سَرَارَةِ مَلْهَمَا فقال عبد عمرو بن مرثد: إن طرفة لم يسلم منه أحد، حتى الملك عمرو بن هند، فقال عمرو بن هند: أوقد قال فيَّ شيئاً؟ فقال عبد عمرو نعم! لقد قال، وأورد الهجاء. فسكت عمرو بن هند بعد ذلك، وأظهر عدم اكتراثه، وعندما وفد طرفة وخاله المتلمس على الحيرة استقبلهما عمرو بن هند وكتب لهما كتابين الى المكعبر عامله على البحرين، فأخذ الشاعران كتابيهما، وخرجا من الحيرة، وقد أوجس المتلمس خيفة من عمرو بن هند، فأحب أن يعرف مضمون كتابه، فقال لطرفة: تعرف يا طرفة ما كان من أمر هجائنا لعمرو بن هند، وانني أخشى أن يكون أمَرَ فينا بسوء، فلو عرضنا كتابينا على غلام من غلمان الحيرة لعرفنا مضمونهما، فقال طرفة: لا أغير ختم الملك على خطابي، وقد عزم المتلمس على فتح خطابه فعرضه على غلام قرأه عليه، فوجد فيه الأمر بقتله فهرب إلى الشام، وسار طرفة الى البحرين. إذن طرفة صاحب أسفار، وسعة أفق ومع ذلك فهو يرى ضرغد أنموذجاً للبعد حين قال: وَظُلْمُ ذوي القُرْبى أشَدُّ مَضَاضَةً على المرْء من وَقْع الحُسَاِم المُهَنَّدِ فََذَرْني وَخُلْقِي إنَّني لَكَ شاكِرٌ وَلَوْ حَلَّ بَيتي نائياً عِنْدَ ضَرْغَدِ