الأستاذ خالد المالك وفقه الله السلام عليكم ورحمة الله وبعد: إن مما ابتليت به المجتمعات الموصوفة بالتحضر والتقدم ظاهرة الاختلاط التي واكبت الثورة الصناعية الأوروبية خصوصا ثم شملت جميع المجتمعات الغربية حيث أدارت للكنيسة وتعاليمها ظهرها، ودفعت بالمرأة للعمل مع الرجل جنبا الى جنب رغم النداءات المتكررة من عقلاء القوم إلا أن تلك النداءات لم تمنع ذلك التوجه ولم تفلح في إقناع النساء بخطورة تلك الخطوة، فتراجع دور الكنيسة واستهجنت تلك النداءات حتى سلم الجميع بأن لا جدوى لذلك، وتم الاقرار والقناعة وسرت تلك الظاهرة الى بلاد المسلمين مع الاستعمار الأجنبي ومع ظهور حركات تحرير المرأة ذات الجذور الغربية فباركها اللادينيون وأصلها العلمانيون وسارع الوطنيون لنشرها. ولم تسلم من تلك الظاهرة حسب علمي سوى هذه المملكة التي تميزت بذلك وأصبحت مضرب المثل حيث يمنع فيها الاختلاط بين الرجال والنساء في المدارس والدوائر وغيرها، وهذا ليس بغريب إذ ان دستور المملكة العربية السعودية ينص على أنها تحكم بالشريعة الإسلامية التي تحرم الاختلاط. وعلى هذا سارت هذه البلاد منذ توحيدها على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله. وبنظرة سريعة لمصادر الشريعة الإسلامية نجد أن الإسلام حفظ المرأة من أن تختلط بالرجال الأجانب وسد الأبواب المفضية الى تعلق منهما بالآخر، حماية للقلوب والأعراض. ومن الوسائل التي بها منع الإسلام المرأة من الاختلاط بالرجال: 1 أمرها بالقرار في البيت وألا تتبرج تبرج الجاهلية الأولى (وهو بروزها للرجال واجتماعها بهم) حيث تبرجت النساء للرجال والرجال للنساء حتى ظهرت فيهم الفاحشة (ابن كثير). 2 حرمت الشريعة على الرجال الدخول على النساء غير المحارم لحديث (إياكم والدخول على النساء). 3 مباعدة النساء عن الرجال حتى في المساجد (وخير صفوف النساء آخرها). 4 منع الاختلاط في الطرقات حتى وإن كان بعد الخروج من المساجد لقوله صلى الله عليه وسلم (استأخرن فليس لكن أن تحتضن (تحققن ) الطريق) أي تمشين وسطه. 5 كان عليه الصلاة والسلام يمكث في مكانه يسيرا بعد السلام.. قيل لكي تنصرف النساء قبل الرجال. 6 تخصيص باب في المسجد للنساء كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما. 7 لم يوجب الإسلام على المرأة الجهاد لأنه مظنة الاختلاط بالرجال. 8 عند حاجة الرجال الأجانب محادثة النساء يجب ان يكون من وراء حجاب (وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن). 9 عند اضطرار المرأة للعلاج عند رجل لابد من وجود المحرم منعا للاختلاط المفضي للفساد. 10 عند السفر يشترط المحرم لاضطرار المرأة في السفر لمن يحميها من الاختلاط ويلبي حاجاتها إلى غير ذلك من الوسائل التي تحفظ المرأة من ان تختلط بالرجال، فكيف تعارض تلك النصوص الشرعية بآراء واجتهادات بشرية وأفكار واستحسانات عقلية!؟ ولقد تصدى ولاة الأمر (حكام وعلماء) في هذه الدولة تصدوا للاختلاط وحذروا الناس منه وبينوا عواقبه ودحضوا شبهات دعاته والمطالبين به في مجتمعات المسلمين. فهذا سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله يذكر أنواع الاختلاط الثلاثة ومنها: اختلاط النساء بالأجانب من الرجال في دور التعليم والمكاتب والمستشفيات والحفلات. ثم ذكر رحمه الله (6) أدلة من القرآن و (10) من السنة تدل على سد الشارع للأبواب المفضية الى تعلق كل من النساء بالرجال (فتاوى اللجنة الدائمة ) ج2 ص 56. وهذا موحد هذه البلاد الملك عبدالعزيز رحمه الله بعد أن بين ما يزعمه دعاة التقدم في أن ذلك لا يحصل التقدم والمدنية إلا بتقليد الأوروبيين في كل شيء قال ( وأقبح من ذلك في الأخلاق ما حصل من الفساد في أمر اختلاط النساء بدعوى تهذيبهن وترقيتهن وفتح المجال لهن في أعمال لم يخلقن لها حتى نبذن وظائفهن الأساسية.. فلا والله ليس هذا التمدن أي الاختلاط من شرفنا وعرفنا وعادتنا ولا يرضى أحد في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان أو إسلام أو مروءة) صحيفة أم القرى 3/11/1360ه. وهذا سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله الذي عاصر الملك عبدالعزيز رحمه الله يقول (أمر الله سبحانه وتعالى المرأة بقرارها في بيتها ونهيها عن التبرج معناه: النهي عن الاختلاط وهو اجتماع الرجال والنساء الأجنبيات في مكان واحد بحكم العمل أو البيع أو الشراء أو النزهة أو السفر أو نحو ذلك، والكتاب والسنة دلا على تحريم الاختلاط وتحريم الوسائل المؤدية إليه، ثم استشهد رحمه الله ببعض الآيات ووضح دلالاتها ومنها قول الله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم..) ثم قال: فحفظ الفرج من الفاحشة باجتناب وسائلها، ولا شك ان إطلاق البصر واختلاط النساء بالرجال من أعظم وسائل وقوع الفاحشة، وهذان الأمران (غض البصر وحفظ الفرج) المطلوبان من المؤمن يستحيل تحققهما منه وهو يعمل مع المرأة الأجنبية كزميلة أو مشاركة في العمل له، فاقتحامها هذا الميدان واقتحامه الميدان معها لا شك انه من الأمور التي يستحيل معها غض البصر وإحصان الفرج والحصول على زكاة النفس وطهارتها) ك. خطر مشاركة المرأة للرجل في ميدان عمله. والعجيب في أمر الاختلاط أن الدول الغربية ذاقت مرارته لذا تحاول منعه في بعض المرافق كما جاء في كتاب (المرأة المسلمة) لوهبي سليمان (أن أحد كبار رجال التربية في بلد إسلامي زار بلجيكا فوجد مدرسة ابتدائية جميع طالباتها بنات. فسأل عن سبب عدم اختلاط البنين بالبنات؟ فقالت مديرة المدرسة : قد لمسنا أضرار اختلاط الأطفال حتى في سن المرحلة الابتدائية) انتهى. هذا بالنسبة للأطفال! فكيف باختلاط الشباب بالفتيات والرجال بالنساء؟! هذا في وقت تتعالى أصوات في بلاد المسلمين بأهمية الاختلاط وفوائده الاقتصادية والعاطفية؟ والاجتماعية، وقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله عن الدراسة في الجامعة إذا كانت مختلطة فقال: الذي أرى أنه لا يجوز لانسان رجلاً كان أو امرأة أن يدرس في جامعات مختلطة حتى وإن لم يجد إلا هذه الجامعات وذلك لما فيه من الخطر على عفته ونزاهته وأخلاقه..) فتاوى ج2 ص896 (جمع/ أشرف عبدالمقصود). ولقد زعم بعض الكتاب ممن يدعون الثقافة أنه لا بد في بداية الاختلاط من ضحايا!! ثم يصبح الأمر طبيعيا لأن تلك نتيجة الكبت وعزل الجنسين عن بعض؟! لذا يقال لهؤلاء وأمثالهم: ها هي بلاد الغرب فتحت الباب على مصراعيه للاختلاط وبلا ضوابط ومنذ عشرات بل مئات السنين فهل أصبح الأمر طبيعيا؟ طبعا الجواب: لا وألف لا فهاهم عقلاؤهم ينادون بأعلى صوت لمنع الاختلاط فمع مرور مئات السنين عليه إلا أن الضحايا لا تزال مستمرة والحياء ينزف جرحه على أبواب الجامعات، والعفة هتكت داخل قاعات العلم! والفضيلة تئن من وأدها داخل أسوار الكليات، والسعار الجنسي لم يتوقف بل تفشى الاغتصاب وكثر اللقطاء بل طالبت فئات من تلك المجتمعات بالشذوذ الجنسي وزواج الرجال بالرجال والنساء بالنساء، واقر ذلك أو بعضه، والحال هناك في الدوائر أو الشركات والمصانع يشهد بسذاجة تلك المقولة. والنداءات المطالبة بالمنع تثبت سماجتها فهذا دكتور غربي يقول: (إن السبب الحقيقي في جميع مفاسد أوروبا وانحلالها بهذه السرعة هو إهمال النساء للشؤون العائلية المنزلية ومزاولتهن الوظائف والأعمال اللائقة بالرجال في المصانع والمعامل والمكاتب جنبا إلى جنب) وهذه دكتورة غربية تصرخ وتقول: (إن سبب الأزمات العائلية في أمريكا وسر كثرة الجرائم في المجتمع هو أن الزوجة تركت بيتها لتضاعف دخل الأسرة فزاد الدخل وانخفض مستوى الأخلاق) انتهى نعم لن تبقى الأخلاق شريفة والأعراض عفيفة والقلوب سليمة مع الاختلاط وصدق الله إذ يقول (وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن..) فما فسدت قلوب الرجال والنساء إلا بعد نزع الحجاب وحصول الاختلاط بينهما. وهذه صحيفة أمريكية تخاطب المسلمين المخدوعين بحضارة الغرب فتقول: امنعوا الاختلاط وقيدوا حرية الفتاة بل ارجعوا الى عصر الحجاب، فهذا خير لكم من إباحية وانطلاق ومجون أوروبا وأمريكا.. إن ضحايا الاختلاط والحرية.. يملؤون السجون والأرصفة والبارات والبيوت السرية.. إن الاختلاط والإباحية والحرية في المجتمع الأوروبي والأمريكي قد هددت الأسرة وزلزلت القيم والأخلاق)!؟ فهل يعي ذلك من يزعم أننا لن نوصف بالتحضر والرقي إلا بالاختلاط وغيره من المفاسد سئل فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله هل يجوز للمرأة ان تعمل مذيعة يسمع صوتها الرجال؟ فأجاب بقوله (إن المرأة في الإذاعة تختلط بالرجال بلا شك وربما تبقى مع الرجل وحده في غرفة الإرسال وهذا لا شك أنه منكر ومحرم فقد ثبت في الحديث ( لا يخلوَّن رجل بامرأة إلا مع ذي محرم) فلا يحل هذا أبدا، ثم إن من المعروف ان المرأة التي تذيع تحرص على ان تجمل صوتها وتجعله جذابا فاتنا وهذا أيضا من البلاء الذي يجب تجنبه لما فيه من الفتنة) المسلمون (2). وعن لون آخر من ألوان الاختلاط سئل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله ألا وهو بقاء طبيب وممرضة أو ممرض وطبيبة مناوبان وحدهما في الليل فأجاب: هذا غلط ومنكر عظيم وهذا معناه الدعوة للفاحشة، فلا يجوز هذا العمل. والواجب تركه لأنه محرم ويفضي الى ما حرم الله عز وجل..). وعن حفلات الاستقبال والتوديع التي تقام للأطباء والممرضين وتكون مختلطة حيث يجتمع الأطباء والطبيبات والممرضين والممرضات قا ل الحفلات لا تكون بالاختلاط فهذا منكر ومن أعمال الجاهلية) انتهى. وهنا أقول لك أيها القارئ : فإذا كانت تلك توجيهات موحد هذه البلاد وهذه فتاوى علمائها فلا يزال ولله الحمد أمر الاختلاط مرفوضا لأن الشريعة الإسلامية هي مصدر تلقي حكام وعلماء هذه البلاد قديما وحديثا. لذا جاءت توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله معززة ومؤكدة لموقف هذه الدولة الرسمي من تلك الظاهرة ومؤيدة لفتاوى العلماء حيث تضمنت تلك التوجيهات المنع حيث قال حفظه الله (إن السماح للمرأة بالعمل الذي يؤدي إلى اختلاطها بالرجال سواء في الإدارات الحكومية أو غيرها من المؤسسات العامة أو الخاصة أو الشركات أو المهن ونحوها أمر غير ممكن سواء كانت سعودية أو غير سعودية لأن ذلك محرم شرعا ويتنافى مع عادات وتقاليد هذه البلاد، وإذا كان يوجد دائرة تقوم بتشغيل المرأة في غير الأعمال التي تناسب طبيعتها أو في أعمال تؤدي الى اختلاطها بالرجال فهذا خطأ يجب تلافيه وعلى الجهات الرقابية ملاحظة ذلك والرفع عنه..). فاللهم أجز ولاة أمرنا خير الجزاء وبارك في أعمارهم وذرياتهم، ووفق المسؤولين للأخذ بتوجيهاتهم طاعة لله ولرسوله ولولاة الأمر، كما نسأله سبحانه وتعالى أن يجنب بلادنا وبلاد المسلمين مخاطر الاختلاط وثماره المرة وذلك بالبعد عنه فالوقاية خير من العلاج وكما في القاعدة الشرعية (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح) وأي مصالح في الاختلاط؟! والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد. عبدالرحمن الوهيبي الخرج