لم يكن دور المرأة عند العرب دوراً هامشيا كما كان عند الامم الاخرى، حتى في اوروبا قبل الثورة الصناعية، واعقاب الحرب العالمية الاولى التي حررت المرأة من العقد والقيود، عندما وجدوا ان لا مفر من وجود المرأة كجناح ثان لبناء النهضة والمشاركة في الحروب للكسب الذي تعيش عليه معظم دول المنطقة الى اليوم. ودور المرأة العربية كان دوراً مؤطراً يختلف عن دور غيرها، اي الخصوصية التي يتميز بها كل مجتمع في شؤون معينة لا يتعداها، حسب الأطر والقوانين القبلية المتبعة، حتى ظهور الاسلام الذي اقر الصالح منها ونفى ما دون ذلك. والخطاب الثقافي عند المرأة العربية لا يختلف عند المرأة غير العربية، بصفة عامة. وفي داخل البلاد العربية لا نجد اختلافاً الا في بعض الشكليات التي مصدرها الاعراف الاقليمية الضيقة، وهذه الحواجز آخذة في التقلص بفضل التعليم وتوسع الوعي، وادراك المفاهيم الثقافية، لذلك لم تعد المرأة متخصصة في شؤون المرأة نفسها، وقضاياها الداخلية، وخصوصياتها المعرفية والانثروبولوجية، فحسب. لكنها تعدت هذه القضايا الى ماهو اعم واشمل، ولم تكن المرأة على القدر من المسؤولية لو لم تدخل معترك الحياة العلمية، وتواكب التطور الذي اجتاح العالم بما فيه من ايجابيات وسلبيات حيث تنازعت المرأة العربية عدة تيارات فكرية، وايديولوجيات متعددة ابّان النهضة العربية في بداية القرن العشرين التي شهدت اعنف المتغيرات، على الساحتين، الفكرية والسياسية، لوجود خصومة في المناخ الاجتماعي، من خلال الدعوة الى تحرير المرأة على ايدي بعض الناشطين في ذلك الوقت، وقد نجد بعض العذر للبعض، في غياب القوانين التي تحمي المرأة من بطش الاعراف المتوارثة من العهود البائدة، فالختان في بعض البلاد العربية مازال يطبق الى حد قريب، مما كان يؤدي في بعض الاحيان الى الوفاة نتيجة استعمال الادوات التقليدية، غير الصحية، اضافة الى الرعب الذي يسبب بعض العاهات المستديمة. ونظام (الحجر) بفتح الحاء كان سائداً الى عهد قريب، وهناك الكثير من المشاكل التي كانت تعترض المرأة، والكثير من الناس يعرفونها ولا داعي لشرحها اكثر من ذلك. لكن هذه التيارات جلبت نوعاً من الانقسام الثنائي في داخل الاسرة العربية، حيث ولّد كل انقسام عدة انقسامات، بعضها نشط في فترة من الفترات، والبعض الآخر انطفأ قبل ان يشتعل. وفعلاِ وجدت المرأة العربية دورها جاهزاً لممارسة الحياة الطبيعية وغير الطبيعية على لسان حزب نصب نفسه وصياً على حقوقها، وفي هذا الجانب مافيه من التناقض، ولا يعيب البحث العلمي الاختلاف، بل يراه ظاهرة صحية لها اصولها وحدودها، لكنه يعيب الفوضى والشعارات الجوفاء وسلب حقوق الآخرين، وإلباس الانسان لباس غيره، وهو يعرف الاختلاف في القياسات، والتشابه في الا لوان، متناسية دور المرأة في بناء المجتمع والظهور بمظهرها الحقيقي في ايجاد مجتمع متكامل متجانس، لكل فرد فيه ماله وما عليه. لكن الداعين في بدايات هذه النهضة تعدوا هذه النقاط الى نقاط ابعد واشق على المرأة نفسها، فبدل ان تسير المرأة في حدودها والرجل في حدوده ويكمل كل منهما الآخر بدؤوا بمساواتها بالرجل فسلبوها الانوثة والنعومة، وكذلك يسلب الرجل خشونته ورجولته، فاختلطت الموازين، وظن الكثير من النساء ان هذا فخر لهن لا يعادله فخر في الدنيا، ولم يكتشفوا انه اهانة الا بعد فوات الا وان، فالمرأة لها مواصفاتها والرجل له مواصفاته، وهناك جانب آخر في هذه المعادلة الرخيصة، وهو تحويل المرأة الى سلعة هابطة الثمن في الدعايات وتلبية طلبات المعلنين، مع ان دورها اكبر من ذلك بكثير. فتثقيف المرأة وبناء شخصيتها مسؤولية الجميع، وتفعيل دورها واجب كل افراد المجتمع. لمعرفة الامور المشتركة بينها وبين الرجل، فهناك ماهو مشترك بين الطرفين وهناك ما هو خاص باحدهما عن الآخر، كتطور الفكر، والمشاركة في التنمية العلمية والفكرية والادبية. فما ان تطور الفكر العربي وتفتحت قنوات الثقافة وأخذت المرأة حقها في التربية والتعليم، حتى وجدنا الكثير منهن تأخذ مكانها بكل جدارة وقدرة لا تقل اهمية عن قدرة الرجل الند في المجال نفسه. وصارت تفكر بشكل جدي ومنطقي يختلف عما كان يتوقع البعض من الذين ينظرون تحت اقدامهم، ويظنون المرأة سلع تباع وتشترى بالثمن الذي يحددونه هم وليس لها حق الرأي والتفكير ولم تعد حكرا على مشاكل المرأة وأزيائها ومشاكلها الزوجية وعلاقاتها الاسرية، فالانظمة العربية الحديثة قد كفلت لها حق الرفض والقبول والحركة في الحدود المنطقية، كما هو الحال للرجل الذي يتحرك في حدود قانون الدولة والجماعة، ولا عبرة للآراء المتخلفة التي تستقي معلوماتها من المصادر البائدة، والعقليات التي انتهت صلاحيتها. فخطاب المرأة الثقافي لم يعد ذلك الخطاب النسوي الخالص بل تجاوز هذه الحدود الضيقة المتهالكة الى حدود الجماليات المنتجة الفاعلة وتنظير هذه الجماليات النصية في المقال والقصة القصيرة والرواية، حتى وإن كان هناك بعض الشطحات عند البعض ممن سنأتي على ذكره لا حقا، فهؤلاء يعبرون عن وجهات نظر لا يجب الحجر عليها، لكن يجب نقدها وتقويم النص بالصيغة التي يجب ا ن يكون عليها. ففي المقالة شاركت المرأة العربية الرجل في معالجات الاوضاع الاجتماعية، والادبية النقدية، وكانت تلك المشاركات في بدايتها تقليدا للثقافة الغربية في عقود الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، لكنها سرعان ما حققت نقلة نوعية في الثمانينيات من القرن نفسه، فبعد أن كان الخطاب الثقافي خطابا مؤدلجا يناقش احوال المرأة وشئونها الخاصة (كما ذكرت آنفا) اصبح خطابا يناقش الشؤون العامة والمعرفية لكل شرائح المجتمع، وبالتالي فقد اضمحلت صفة التجنيس التي يطيب للبعض من الكتاب التحلي بها في زمن المعارف العامة، وكادت الفروق العامة تزول، مع بقاء الفروق الخاصة، وهذا واقع لابد لنا من التعامل معه في ظل المتغيرات الانسانية الحديثة والاحتفاظ بخصوصيات كل مجتمع. ففي مجال الشعر، ظهرت نازك الملائكة وفدوى طوقان، بجانب بدر شاكر السياب، ويوسف الخال، عالج كل منهم شؤون الشعر الحديث، حيث نما الخطاب الثقافي مع نمو المعطيات الثقافية والعلمية، وأخذت المتغيرات في النمو الثقافي من خلال الصحافة الجادة باقلام نسائية موجهة الى مختلف قطاعات المجتمع، مثل الامومة وشؤون الحياة الزوجية التعاونية، واسقاط حسابات الطرف الآخر من الصراع الذي كان دائرا في الخطاب التسلطي بين الطرفين، كما كان سائدا على ايدي دعاة تحرير المرأة، الذين اصطنعوا هذه الدعاوى الجوفاء، فالمرأة تحررت بفضل تعلمها وتثقفها، ونظرتها الحضارية، وخرجت من طور الثقافة التقليدية القائمة على حفظ الموروث، بحسناته وسيئاته، الى طور الابداع والنقد والدراسات الاكاديمية، وقامت بنشر آرائها في الصحافة العربية، واصبح للبعض منهن ريادة في هذا المجال بفتح ملاحق نسائية عبرت فيها المرأة تعبيرا لا يقل اهمية عن تعبير شقيقها الرجل، وكان للدكتورة خيرية ابراهيم السقاف، فضل تلك الريادة في الصحافة السعودية، فهي اول من عمل ملحقا نسائيا في جريدة الرياض، ثم اصبحت المرأة تكتب في زاوية في الصحافة اليوم. اما في فن الرواية وهي الفن الحديث، فن المدينة ومشكلاتها، والتنمية الحضارية، فقد دخلت المرأة هذا المجال بتجارب اولية في مصر والشام، وتطورت عند البعض وتوقفت عند البعض الآخر، وتعتبر تجربة (غادة السمان) من خيرة التجارب الروائية في الوطن العربي، حتى وإن كان ينقصها بعض التوجه الاجتماعي العميق، ولكن يشفع لها انها دخلت الرواية العربية من با ب الرواية نفسها، وليس من باب التقليد للآخر، فقد طرحت الاشكاليات من المنظور الشامل، كما تطرحه الكاتبة الروائية المصرية (سلوى بكر) التي تجاوزت في اعمالها الصراع بين الذكورة والانوثة والمقارنات الساذجة، واصطناع القضايا التافهة التي تصرف المتلقي عن التفكير في معالجة القضايا الهامة الى مسائل اللغة الانثوية واللغة الذكورية، والفحولة وسلب الانثى ذريتها اللغوية وما الى ذلك من الزوبعات الفارغة التي لا تزيد المتلقي الا جهلا بما يتلقى. وقد استطاع الخطاب الروائي ان يشق طريقه على يد الكثير من الروائيات العربيات، مثل (احلام مستغانمي) الكاتبة الجزائرية التي جسدت الجزائر، الدولة والشعب في روايتها (ذاكرة الجسد) وتعدت فيها مشاكل الزواج والطلاق والعلاقات الاسرية الضيقة الى خطاب فكري، ورؤية انسانية شاملة. ومثل هذه الكاتبة هناك الكثير من المبدعات للرواية العربية، اللاتي جسدن قضايا الوطن وهموم الامة في اعمالهن بحس راق وذوق مميز، وتعاملن مع الاحداث بجدية وموضوعية فائقة، بجانب الرجل، بل تميزن على الكثير من الرجال في كثير من الموضوعات الخاصة دقيقة لم تتوفر لكثير، فعلى سبيل المثال، الكاتبة السعودية (امل محمد علي شطا) التي عالجت في رواياتها الكثير من مشكلات العصر باسلوب ادبي راق يعتبر الاول من نوعه في المملكة العربية السعودية، وقد صورت العلاقة بين الرجل والمرأة في مجتمع تحكمه الكثير من المأثورات الشعبية، كما هو الحال في روايتها الاولى (غدا انسى) وروايتها الثانية ( لا عاش قلبي) وهناك الكثير ممن ظهر بعدها سنأتي على ذكره في حينه من هذه الدراسة. واذا اخذنا في تعداد الابداع في الوطن العربي، فان المبدعين والمبدعات اكثر من ان نحصيهم، ولكن القليل منهم هو الذي استطاع ان يتجاوز الحدود الضيقة، ولا عبرة للآراء الضالة التي تضع الحدود في الابداع بين الرجل والمرأة وتخلق لغة ادبية لكل منهما، فالابداع مثله مثل العبادات، يتساوى فيها الرجل والمرأة، وقد سئلت في احد اللقاءات عن ابداع الرجل وابداع المرأة، فأجبت ان الفرق يكون عند بائع الاقمشة وليس عند مبدع الادب. ولم نجد احدا من المصلحين والمنظرين من العرب وغير العرب من جعل حاجزا بين ابداع الرجل وابداع المرأة، ولقد ابدعت الخنساء كما ابدع زهير، ونقدت سكينة بنت الحسين، كما نقد اسامة بن منقذ، ولم نجد احدا من رواد الثقافة في العصر الحديث تجنب صالون مي زيادة، وذهب الى صالون العقاد، ولم نجد احدا من اللغويين والنقاد قديما وحديثا وضع حاجزا لغويا في لغة التعبير بين الذكر والانثى. فالفروق تكون دائما بينهما جسمية، وليست عقلية فكرية. ولو تتبعنا الآداب العالمية لوجدنا المرأة قد اخذت حقها مثلما اخذ الرجل حقه من الفكر والادب، ولا عبرة ببعض الكتابات الساذجة ضد الرجل، والمنحازة ضد المرأة، ولو تقصينا السبب لوجدناها اسبابا شخصية لا يملك صاحبها قدرا كافيا من الموضوعية، ولوجدنا هذه الكتابات ردود افعال خاصة، ولكن للاسف الشديد ان البعض يساندها للبحث عن مجد يقوم على اكتاف الآخرين، كما يعطي باليمين ويأخذ بالشمال. وقد تحدثنا عن حضور المرأة الادبي في ظل انتشار التعليم والثقافة بشكل عام، حيث ازال التعدد الثقافي كثيرا من الحواجز الفكرية، وفتحت المرأة قنوات ثقافية مشتركة مع الرجل، وزالت الهيمنة الشديدة التي كان يمتلكها الرجل منفردا بغير وجه حق في العقود السابقة، حتى ان المرأة لا تستطيع البوح عن مكنونها الذاتي امام تلك الهيمنة، ولا نبالغ اذا قلنا انها لم تلغ من العرف العربي، لكن جانبها السلبي لم يعد هو المعول عليه، ولا يجب ان تزول نهائيا بالمساواة، او قلب الموازين بين الجنسين ادبيا او اجتماعيا، لكن يجب ان يحل محلها التفاهم في المناقشة والابداع الفكري، وهذا ما تنبه اليه بعض من المبدعين من الجنسين، وظل البعض الآخر يمارس ترديد عبارات السلطة الفوقية، ويتصيد الافكار البالية، ويوغل في الرومانسية الحالمة الحزينة، ذوقا وفكرا. والابداع تصوير للحياة، لكنه تصوير يختلف عن التصوير الصامت، تصوير ينبض بالحياة، وقد يحول وجهها الكالح الى وجه جميل، عدته في ذلك السرد الفني وليس السرد التاريخي الجاف، فالصيغة تحتاج الى حاذق بها. فكم من صائغ حول كتلة الرمال والحصى والطين الى قطعة حلي جميلة تكسو من يلبسها جمالا واناقة اذا وجدت الصانع الحاذق والمقتني الذواق. مع العلم بأن صيغة الابداع الفني تكون واحدة في كل الحالات، والفكرة واحدة، ولعل الفرق يكمن تحت يدي متناولها باسلوبه الخاص ومنظوره الفني ورؤيته للاشياء. فقد يتناول الفكرة مجموعة من الفنانين، ويصوغها كل منهم في قالبه الفني ورؤيته الخاصة بصرف النظر الى جنسه . وقد يتحول العمل الفني الواحد الى عدد من المذاهب الفنية، فالشاعر يصورها بأسلوبه الشعري، وقد يتناولها اكثر من شاعر باكثر من مذهب شعري وطريقة فنية، بينما يتناولها التشكيلي من جوانب تعبيرية ذات مذاهب متعددة، وكذلك النحات والروائي والموسيقي. وليست المشكلة في الفكرة، فالناس يشتركون في كثير من الافكار ويختلفون في كثير حسب الثقافات والمعطيات القريب منها والبعيد، ولا يجب ان نستهين بفكرة او رأي، سواء صدر من ذكر او انثى، او من صغير او كبير، وليس الامر ملزما في كل الاحوال، لكن لا يجب رفضه من اساسه، وهذه قضية من اعقد قضايا المجتمع العربي الذي تعود على مصادرة الرأي الآخر، واتخذ من بعض المبدعين رمزا وضعه في اوكار عالية، فصار يستقي ثقافته من الاعلى دائما، والنظر الى الآني بدلا من المستقبل، والدفاع عن الفكرة مهما كان نوعها. ويرى ان حماية الرأي من اولويات الواجبات. ويظن ان قول الشاعر او الحكيم الذي مضى عليه زمن بعيد، لا يزال ساري المفعول. قف دون رأيك في الحياة مجاهدا.. ان الحياة عقيدة وجهاد ان الاعتزاز بالرأي والدفاع عنه واجب، لكنه ليس ملزما للآخرين فما يتفق وظروف هذا قد لا يتفق وظروف الآخر. ولا املك الا ان اقول: سلمت براجمك من الاوخاز، وبالرغم من ان ا لشعر مباشر عادة في معانيه، الا ان البعض يفهم من هذا البيت وامثاله، ان الا نسان يقف مدافعا عن رأيه، لأنه الصواب، وما سواه خاطئ. وهذا الذي جعل الغالبية من مجتمعنا بما فيهم المثقفون يقفون عند آرائهم بعناد شديد، حتى لا يقال عنهم (انهزموا) امام النقد الذي يفهم على انه ضد الابداع، وهذا قول مردود على اصحابه، فلم يعد النقد يفهم علي انه اشتقاق مباشر من الفعل (نقد) اي عاب، مما يدل على الجانب السلبي للعمل حسب المفهوم القديم، وهو مفهوم خاطئ بلا شك. فالنقد يقوم على الابداع ويهتم بتقويمه، واول النقد يأتي من المبدع نفسه فالعمل الذي لايقوم على ملاحظات نقدية بصياغة يعتبر من الاعمال الفجة المباشرة، وقد اثر هذا الجانب على المبدع العربي وتعامل مع القضايا المطروحة على انها تمثل الجانب المحلي، ومعظمها ليس كذلك، فتعامل معها بتكلف وانتقائية يميل فيها الى طرف ضد الطرف الآخر، ويغلب فيها الأنا على الآخر، مما جعل غالبية الاعمال يغلب عليها الضعف في البناء الروائي، وهذا بدوره قد عوم الخطاب الفني، واضعف الخطاب الفكري، وقوى الجانب السلبي المتموج في بؤرة التجنيس الثقافي، بيد أن العالم تخطى هذه الجزئيات الضيقة الى فضاء ارحب يستوعب المثاقفة البشرية، بصرف النظر عن جنس المبدع او لغته او اتجاهه، ولم يعد من شغل شاغل سوى فكرة ناضجة وعالم روائي له ابعاده ومضامينه الفكرية والفنية. وسنأخذ بعضا من الاعمال الروائية في هذه الدراسة بالطريقة النقدية الحديثة. صدر في عام 1416/1996 رواية مسلسلة للكاتبة (بهية بو سبيت) (امرأة على فوهة بركان) وقد عرفت الكاتبة بكتابة المقالة والقصة القصيرة التقليدية، ولو ان البعض من الدارسين قد صنفها من ضمن كتاب الرواية السعودية ( محمد صالح الشنطي) لكن هذا العمل اتسمت فيه سمات الرواية التقليدية التي تميل في مجملها الى القصة الطويلة، فالسرد فيها مباشر للغاية، وهي مجموعة من اللوحات المترابطة تبلغ ثلاثا وعشرين لوحة، استطاعت الكاتبة ان تربط بينها في تسلسل يغلب عليه الطابع الرومانسي القديم، والوصف السريع الخاطف، فلم تحظ البيئة الا بنزر يسير من الوصف الدقيق، والاغرب من ذلك ان الرواية كتبت في اغنى مناطق المملكة من كل النواحي، تجاريا، وتراثيا، وحرفيا، وحتى الامثال، ولم نجد الا قليل القليل، فقد غلب الجانب الانشائي على العمل فحوله الى ما يشبه الخطب. تقول في اللوحة الاولى (انقطاع الحلم): (ليس اقسى على الانسان من احساسه بالضعف والذل والتبعية المجبرة التي لا تدل الا على الطاعة العمياء حينما تفرض ظروف الحياة القاسية على الانسان الرضوخ لها.. وتجعله يسير في كل الاتجاهات والمنحدرات مسيرا لا مخيرا..فهو لا يقدر على قول نعم او لا الا حسب ارادة غيره وارضاء له. والغلبة والانتصار تكون دائما للاقوى وللاكبر وان لم يكن على حق..ولو لفترة من الزمن. والحياة تجارب ومدرسة (الحياة) غالية جدا، وشريفة بنت فهد تخرجت من مدرسة الحياة التي يقولون عنا انها اكبر الجامعات. وتخرجها من هذه الجامعة جاء نتيجة تجارب مريرة وحياة قاسية عاشت ايامها ولياليها لحظة بلحظة ويوما بيوم) (الرواية ص 3) هذه المقدمة ان صح لنا أن نسميها مقدمة تشتمل على حقائق لا ينكرها احد، وهذه سنة الحياة منذ الازل، وبما ان الكاتبة تحيط بهذه الحقائق احاطة جيدة، فالاولى بها ان تنتج لنا عملا يتسم بالمعالجة النفسية الجادة لحالة بطلتها، وان كانت ضعيفة كما صورتها، وليس في ذلك من نقص يحسب على الكاتب، فالتجربة موجودة، والجو الروائي متوفر، وما بقي الا الصياغة الفنية، وهذه مسؤولية الكاتب، فالحياة مليئة بالخامات، مثلها مثل بقية الخامات الطبيعية يحولها الصانع الى مادة صالحة للاستعمال، فكم من فكرة جيدة لم توفق في من يصيغها صياغة جيدة تجذب اليها صاحب الرغبة فيه، كما ان هناك فكرة بسيطة جدا وممكن ان تحدث لأي انسان مهما كان وضعه او قدراته العقلية او الجسدية، لكنها وجدت الصائغ البارع الذي اوتي موهبة عظيمة استطاع ان يحولها الى عمل فني رائع. والفن لا يكون مؤدلجا جاهزا في ذهن صاحبه سلفا، فيقوم بتفريغه في الورق على شكل مدرسي واسلوب انشائي يخلو من التداعي المنطقي، وهذا هو السر العظيم في الابداع كل جزء يجلب الجزء الذي يليه، لا يحتاج الى مقدمات، فالمقدمة تعني ان العمل مكتمل لا يحتاج الى تقديم او تأخير. والرواية ذلك العالم العجيب، تبدأ بفكرة بسيطة جدا ثم تأخذ في التعقيد حتى تصل الى القمة (العقدة) ثم تتسلسل في النزول، وكل انسان له في الحياة قصة او قل قصص، لكن المشكلة تكمن في الصيغة التي نستطيع ان نقول عنها انها صيغة روائية، وهناك المحاولات الكثيرة في عالم الرواية في العالم العربي وغير العربي، منها ما حاز نجاحا كبيرا ومنها ما دون ذلك بقليل او كثير. وبما انني لا افرق في الابداع بين الجنسين، وارفض التجنيس الادبي والفكري بشكل عام، الا ان ذلك لا يمنع من وجود بعض الامور الدقيقة،فالمرأة اعلم بشؤون المرأة من الرجل، وهو امر دقيق للغاية، لكننا لا نقيد المرأة في شأن خاص لا يحتمل بناء رواية. وهذا البناء الخاص عند الدكتورة، امل شطاء، (غدا انسى، لا عاش قلبي) مختلف عنه عند عائشة زاهر احمد، (بسمة في بحيرات الدموع) التي لا يختلف بناؤها عن بناء هذ الرواية، كلا الكاتبتين سردت الحدث كما هو دون الغوص في اعماق الشخصية، لم تتعد الواحدة منهن السرد التاريخي باسلوب الحزن والضعف، ذلك الضعف الذي وصمت به المرأة في كل العصور، وهذا مذهب دأب عليه الكثير من الكتاب والمفكرين باقوال ليس لها نصيب من الصحة، لكن الكثير من الكاتبات العربيات تجاوزن هذه المقولات واثبتن انهن قادرات على ما يمكن ان يقوم به الرجل، ذلك العملاق الذي لا يقهر. ولا اريد ان اردد ماسبق ان قلته في بداية الحديث، لكنني سأدلل على ذلك ببعض الروايات النسائية في بداية النهضة العربية، فقد كتبت بنت الشاطئ (عائشة عبدالرحمن) الرواية مبكرة قبل ان تأخذها البحوث العلمية، واجمل ما كتبت رثاؤها لزوجها الشيخ، امين الخولي، في كتابها (على الجسر) وكان بكاء عاطفيا يتسم بمعالجة الروح الانسانية، ولم ننس انها انثى، لكنها لم تلن بالرغم من ان عواطفها كانت مخترقة (انظر، احمد كمال زكي، مجلة الهلال، عدد ابريل 1974) والمرأة اعرف بشؤون المرأة من الرجل، وهذا لا يعني ان الرجل يعرف عن المرأة والعكس صحيح، ولكن هناك بعض من الخصوصيات التي لابد منها، وان وجدت بعض الفروق في الظروف الاجتماعية القائمة في مجتمع عن الظروف القائمة في مجتمع آخر، فان ذلك لا يعني ان يكون ذلك من البناء الروائي العام، فالنسيج الروائي يتخد من الظروف العامة والخاصة مادة اساسية له، الروائي هو ذلك الصانع لتلك المادة، وما نسجته الكاتبة (بهية بو سبيت) في روايتها الوحيدة، نوع من هذا النسيج، لكنها لم تستطع ان تحكم هذا النسيج، بالرغم من وجود المادة الاساسية في العمل. فقصة الفتاة الضيفة التي اجبرت على الزواج من رجل يكبرها، يتحكم في مصيره اخ ظالم، وفي مصيرها هي، من الامور القديمة التي تجاوزها الزمن، لذلك جاء العمل خال من الحبكة القوية ذات البعد النفسي، بالرغم من المأساة التي يحتوي عليها البناء الروائي، وكأن الكاتبة تقدم لشيء سيحدث، ففي فصل بعنوان (رحيل الامل) تضع صورة الحادث بين الاحساء والقطيف في رحلة مدرسية امام عيني القارئ، لكنها صورة باهتة، كان بإمكان الكاتبة ان تصور تلك الاحداث في شكل اجمل من هذه الصورة المقدمة على الحدث. (الرواية، ص60) ان الكثير من الكتاب، لديه القدرة على تصوير الاحداث من داخل النص، اما ان يكون الحدث من خارج النص، فهذا هو الاسلوب القديم، اسلوب الحكايات الساذجة، والاحداث الفارغة من المضامين الفنية، وكان بإمكان الكاتبة ان تكون من مجموعة هذه الاحداث مجموعة من الروايات المنفصلة عن بعضها البعض، فإنها جمعتها في رواية واحدة، في تسلسل يجمعه المنطق حينا ويفرقه احيانا، وارتبطت العناوين ببعضها، وتنافرت عن بعضها احيانا كثيرة، ولم تعرف الرواية التبويب ولا المقدمات، والفن جدير بشرح نفسه، والعمل الجيد يقدم نفسه عن غيره من العلوم، لكنها محاولة من الكاتبة، في عالم الرواية، ذلك المركب غير السهل، واغلب الروايات في عالمنا العربي مجرد محاولات، وما دامت الموهبة موجودة، فكل شئ يأتي مع الممارسة. قد يوفق الكاتب في المرات القادمة اكثر من المرة الاولى، والكاتبة لها تجارب في عالم الكتابة قبل هذه المرة، لكن هذه هي المرة الاولى ا لتي تجرب فيها كتابة الرواية، وارجو ان ارى عملا روائيا جادا في المرات القادمة. صورة الرجل في الرواية النسائية. تحدثنا فيما مضى عن اشكالية الابداع العربي في الخطاب النسائي، حيث نجد ان هذا الخطاب كلما اراد ان يتقدم خطوة تراجع خطوتين، ولم يواكب النهضة الفكرية التي يمر بها الوطن العربي في توازنه مع مدخلات ومخرجات التعليم وتطور الاتصال الفضائي والانفتاح الفكري على الآخر من خلال الصورة الذهنية التي قدمتها الرواية العربية الحديثة بين كل من الجنسين، فتطور الفكر الضدي في اللغتين، الذكورية والانثوية، يفوق التطور الفكري التعاوني المنظم بين الجنسين. وقد وجدنا الكثير من الافكار التعسفية التي طرقتها المرأة وبعض الكتاب من الرجال النمطيين، تعمم بشكل لا يتفق ومعطيات العصر التي ترفض الحدود والحواجز العامة بين الجنسين، ويرددها البعض على انها من المسلمات الفكرية، في صراع يكاد يكون ابديا، حتى ان البعض يجهز اسلحة الدفاع قبل دخول المعركة، متخذا افكار بعض الكتاب والكاتبات، اصحاب المواقف النفسية، المعقدة، والمأخوذة من مواقف معينة تجاه الآخر، دليلا شبه قاطع لأقواله، بطريقة ارتجالية عمومية. فالمرأة في نظر هؤلاء مظلومة مهانة، تتصيد الفرص للانتقام من الرجل في الوقت المناسب، وغير المناسب، وفي كل الظروف، ولكل الرجال. فالرجل يسطو على المرأة بدافع اوبدون دافع، واحيانا يقضي منها ما يريد قضاءه ثم يقتلها، وهذه حالة مرضية، اراد البعض من الكاتبات تعميمها على الرجال، وان كان لا يقصد قلتها، الا انها تحاول الدفاع عن نفسها من ذلك الوحش الذي يريد النيل من كرامتها (هند صالح باغفار، البرأة المفقودة، بيروت 1977) ثم ترى هذه الكاتبة ان الرجال مغفلون، بما فيهم رجال الامن الذين لعبت الفتاة المتهمة بقتل زميلتها التي قتلها فتى اسمه (محيي) يريد النيل من شرفها، وهي تدافع عن نفسها بسكين اخذتها من المطبخ. هربت المتهمة من القاهرة الى محافظات مصر، تتلون بكل الالوان، ورجال الامن لم يكتشفوها!! هذه المواقف التي تتهم المرأة الرجل فيها حينا بالوحشية والذكاء وحينا آخر بالغباء وقلة الفطنة، في كل مرة من المرات تدخل مدينة ومحافظة باسم مستعار وشكل مختلف، وعندما تجد نفسها مكتشفة من رجال الامن تدبر خطة تهرب بها من تحت الا نظار. واذا عدنا الى مناقشة هذه القضايا من المنظور الفني الفكري، فسنجد محورا واحدا يقف عنده كل من الرجل والمرأة، متناسيا الدوافع والمسببات الى ما حدث ويحدث على الدوام، ذلك هو ما يقدم عليه كل من الطرفين، ويجهز نفسه له من البداية، ذلك هو ما يسمى (النظرية الفوقية) حيث نقف امام مجموعة من الاسئلة. من صاحب زمام القيادة؟ لمن الكلمة العليا؟ هل يتنازل طرف للآخر؟ ما نوع هذا التنازل؟ هل هو تنازل للتفاهم؟ ام تنازل للاستسلام؟ ما مدى التفاهم بين الطرفين؟ لماذا لا يعمل الطرفان لمصلحة طرف آخر؟ من هو الطرف الآخر؟. تساؤلات كثيرة تصادف الباحث في اشكالية البحث في الرواية العربية، تتلخص في موقف المرأة من الرجل، وكيفية تصوير المرأة للرجل في الرواية، على ان كل الرجال من الطبقة الانتهازية، على انهم ذئاب تبحث عن فرائسها من النساء. ان الضعف الذي تصم النساء الكاتبات به الشخصية النسوية يؤكد ما يذهب اليه البعض من الكتاب والكاتبات، فتصرف البطلة دائما في الاعمال الروائية لا يدل على انها تحاكم الامور بالمنطق العقلي كما ينبغي لها ان تكون، تحب في لحظات سريعة ثم تقلب ذلك الحب الى كره من نوع آخر، ليس بالكراهية التي تدعو اليها الظروف المعتادة والاسباب المنطقية، لكنها كراهية من النوع الذي يكون سببه الرئيسي الحقد المبطن بالثأر للكرامة المهدرة في لحظات الغضب والانتقام، تنجرف البطلة عند الكاتبة في حب سريع تهدف من ورائه الى الزواج من الشاب الذي تعرفت به عن طريق زميلتها، وتحت ظروف قاسية يتحمل الشاب نتائج خطئه، ويعود اليها معتذرا متأسفا لما حدث على ان يصلح ما بدر منه، لكنها تقابل ذلك الخطأ بعدم قبول الاعتذار، وتقطع علاقاتها التي لم تدم طويلا، وتقول له غدا سيكون الخميس. لأن يوم الخميس هو اليوم الذي تتم فيه مراسم الزواج. وليتها اكتفت بذلك، بل انها تصف الرجل العربي بالتخلف، فهو في نظرها ونظر الكثير لا يزال عبدا للتقاليد البالية القديمة حتى وإن كان يحمل الدرجات العلمية العالية من ارقى الجامعات العالمية.(غدا سيكون الخميس، هدى عبدالمحسن الرشيد، القاهرة، 1979م) وان كانت هدى الرشيد قد وصفت الرجل الشرقي على حد تعبيرها بالمتخلف عن ركب الحضارة ومعاملة المرأة بما يليق بها، كائنا حيا ذا شعور رقيق، فإن بطلتها تملك من الوعي الشيء الكثير، لكن البطلة عند غيرها في منتهى الضعف والهوان، تعيش بين المطرقة والسندان، تخرج من بيت اب ظالم او ضعيف تتحكم فيه وفيها زوجته من غير امها، الى بيت زوجها المكرهة على الزواج منه، فتخرج من الرمضاء الى النار، فبالقدر الذي تصور فيه الكاتبة جور الرجل تصور فيه ضعف المرأة وهوانها من خلال تسلط الرجل ،(عائشة زاهر احمد، بسمة من بحيرات الدموع، نادي جدة الادبي، 1977)وقد عرضنا الحديث عن تلك الرواية، وشبيهتها، رواية (امرأة على فوهة بركان، لبهية بو سبيت) واذا سلمنا بأن الرجل في المجتمع العربي، وفي الكثير من المجتمعات، هو السيد المطاع، فإن هذه السيادة ليست بالسيادة المطلقة، الجائرة في حق المرأة، التي بدورها تخلق النقمة في نفسها، لتطالب بحقوقها المسلوبة، وتنتقم في الوقت المناسب، كما ذكرنا سابقا. لكننا لا نؤيد ما تذهب اليه الكثير من الكاتبات من الوصف للرجل بالوحش، وتعميم هذه الصفة، ولانؤيد الوصف الضعيف للمرأة بأنها ذلك المخلوق الضعيف جدا، السهل الذي يمكن اي شخص من النيل منه. فهناك الرجال الفضلاء وهناك النساء الفاضلات، اللائي قمن بتربية الرجال، ووقفن خلفهم في الملمات والصعاب (وراء كل عظيم امرأة). ان تصوير جبروت بعض الرجال وارد ومقبول، لكن الاعتراض على التعميم الخاطئ، فالرجال مختلفون كما ان النساء مختلفات. ومن يدري، هل الخطأ من الرجل او من المرأة؟ لماذا لا نحترم رأي الجميع؟ ونوازن بين الامور، لنصل الى النتيجة المرغوب فيها بين الطرفين، لماذا يوصف الرجل، بأنه يحبل الحبائل للمرأة، لينال منها ما يشبع رغباته الجنسية؟ والمرأة تتصيد الرجل في الظروف التي تستطيع فيها اصطياده لتأخذ حقها المباح؟ ان المبررات التي توردها المرأة دليل على جور الرجل، لا تتعدى رد الفعل النفسي الذي تركته فيها الظروف الاسرية، والنشأة البيتية، وما يراه بعض الرجال في مجتمعه، فيعممه على الجميع، المرأة عنده متهمة، حتى وإن ثبتت براءتها، كل شيء فيها محرم في عرفه!.وهذه المشكلة سببت الشلل للمجتمع بين جبروت الرجل وغيرته وخوفه من المجتمع، وبين حقد المرأة على الكثير من التصرفات الهوجاء من بعض الرجال. الرجل يتذرع بالشرف، ويجد نفسه مسؤولا عنه، والشرف في الكثير من الاحيان بريء منه. الرجل يغفر له الكثير من التصرفات، والمرأة لا يغفر لها القليل. لكن كل ذلك لا يشفع للمبدعين من الجنسين في تصوير المجتمع على شاكلة واحدة، تقول احدى الكاتبات (ان الرجال على مختلف اعمارهم والوانهم سواء في الخبث والمكر والغدر..وانه لا امان مع رجل كائن من كان بدءاً بأبي وانتهاء بأي رجل علي وجه البسيطة) قماشة عبدالرحمن العليان، انثى العنكبوت، ص13،2000) لا نبرئ الرجل مما تقول المؤلفة في روايتها الرائعة، لكن نقف قليلا، لنسألها هذا السؤال: هل ما كتبته ينطبق قولا، وفعلا على كل الرجال؟. بالطبع، ستكون الاجابة بالنفي، فالنظرة احادية، والتعبير من طرف واحد، والحكم جائر. فهل يجوز لرجل القول مثلما قالت هذه المؤلفة عن المرأة؟.لن نصدق قول اي منهما، فالفروق الفردية موجودة بين الرجل والمرأة، وبين الرجل والرجل، وبين المرأة والمرأة. هذه الصورة المشوهة للرجل في الكتابات النسائية، هي نفس الكتابات المشوهة لبعض الكتابات العربية التي تقدم بها بعض الكتاب العرب عن المجتمعات العربية (د. مازن مطبقاني، الادب العربي، في الكتابات الاستشراقية المعاصرة) وقدموا فيها الصورة السلبية عن مجتمعاتهم، وتركوا الصور الايجابية، ولقيت تلك الكتابات القبول في العالم الذي يجهل تلك المجتمعات، لما احتوته تلك الكتابات من وجه الغرابة، صدقا او كذبا، والبعض منها يعد اليوم من حفريات الآثار، لا وجود له في عالم تطورت مفاهيمه من البدائية الى التحضر، واصبح اليوم ينكر العادات الضارة والمعتقدات الهمجية، كما انكرت الرواية الحديثة وجود مدلول (القوطية). والقوط، هم القوم الهمجيون الذين ارادوا تدمير الحضارة الرومانية في اوروبا (د. نبيل راغب، دليل الناقد الادبي) بينما البعض من كتابنا يدمر بقصد او بغير قصد حضارتنا ومنجزاتنا الحضارية، بأخذ القليل من السلبيات وتعميمها على كل شئ.(محمد شكري، امين المعلوف، احمد ابو دهمان، حنان الشيخ، وغيرهم). ان الكاتب الحق، هو الذي يوازن بين معطيات الحياة، على ان تقوم الرواية على نمط الحياة العامة وما فيها من الا يجابيات والسلبيات، لتنطبق على شرائح المجتمع كما هي في واقع الامر، فعهود الخيال الكاذب، وماوراء الطبيعة قد ولى عهده الى غير رجعة. ومهما يكن العمل جيدا، ومستوفيا لكل شروط الفن الروائية، فإن مثل هذا التحيز يفقده عنصر مهما للغاية، هو عنصر الصدق الفني، والصدق لا يكفي، كما ان الفن لا يكفي، ان لم يكن العمل حياديا، يروي الحقائق بصدق مع النفس. لم يكن اهمال والد الروائي العالمي (شارلز دكنز) قد سبب له النقمة على كل الرجال، بل اعطى الرجال الذين يستحقون الشكر مالهم من ذكر طيب، ووصف ما دون ذلك بما يليق بهم واذا علمنا انالرواية مجال للبوح الفكري والنفسي، ادركنا ما تكنه المرأة العربية في داخلها من هموم ومشاكل لا تستطيع البوح بها من خلال الحياة العادية، واستنطاق الماضي بلغة الحاضر، من خلال الحكاية، وتغليف الحدث الروائي بما تستطيع قوله في موقف لا تستطيع معه السكوت. د. عالي سرحان القرشي، نص المرأة، من الحكاية الى كتابة التأويل، المدى، دمشق، 2000م لكنها في الكثير من الكتابات لم تثبت على حال يخولها للمضي قدما في التوازن المطلوب بين الفئات الانسانية، تعامل الرجل بما يجب ان يكون عليه، انسانا بالدرجة الاولى، تتقاسم معه الحياة كما يجب ان تكون، فاذا اخطأ الرجل والمرأة في آن واحد، حملته الخطأ وبرأت نفسها منه، وقامت بتعميمه على كل الرجال، وانتقمت لنفسها بالانتحار، (ليلى الجهني، الفردوس اليباب، دار الجمل، المانيا،2000) بينما تعشق صفاء موسيقيا من خلال صورته في احدى المجلات الفنية عند بائع الاشرطة، وتقيم معه علاقة من خلال المراسلة، وتتصل به في بلاده اثناء وجود عائلتها هناك، لكنها بعد ان عقد معها الا مل في الزواج تختار رجلا آخر.(عفوا يا آدم، صفية عبدالحميد عنبر، القاهرة، 1988). بينما يقف بعض الكتاب في هذا الجانب مدعيا طرح الحياة العامة للمرأة امام انتهازية الرجل، والحقيقة ان الدارس لمثل هذه الرواية يجد ان الكاتب اضر بالمرأة قبل ان يدافع عنها،(جزء من حلم، عبدالله جفري، تهامة،1982م)، على ان النظرة الضيقة تبدو واضحة عند آخرين، فصورة الرجل الظالم للمرأة والضعفاء تجسد اعمال البعض على الطريقة القديمة القائمة على الهيمنة التي يتلوها تيار التوبة (طاهر عوض سلام، الصندوق المدفون، نادي جازان الادبي، 1980م). ان موقف المرأة من الرجل في الرواية السعودية موقف الند، بالرغم من الرباط الاسري القوي الذي يربط الطرفين، فلم تعبر المرأة عن الحياة الزوجية والاسرية بالشكل الذي يجب ان تكون عليه، بالقدر الذي عبرت به عن مشاكلها الخاصة، من جانب واحد، فالخطاب الثقافي في الرواية العربية عامة والرواية السعودية على وجه الخصوص، اتخذ الجانب السلبي في الرجل، ولا ينكر الباحث جور بعض الرجال، لكن يجب ان تكون الصورة متوازنة، بما يوجد عندنا ادباً متوازناً بين الرجل والمرأة بخلق فضاء روائي متكامل العناصر، يتخطى الممرات الضيقة القائمة على الخلاف الاسري الى فضاء روائي اوسع.