وهي تلك الجزئيات النازلة من خلال تجاويف بشكل تراكمي بسيط أو مركب والتي نجدها عادة على أفاريز القباب ومبطنة للأقواس ومشكلة في بعض الأحيان تيجاناً للأعمدة، كما نجدها على شكل خطوط طولية على مستوى التقاء الجدران مع الأسقف. ونجدها تملأ الفراغ الهرمي الناشىء عن التقاء جدارين مع السقف وهذه المقرنصات افتراض عربي إسلامي خالص لا نجد لها جذوراً في أي بناء ديني أو مدني في الحضارات اليونانية والفارسية والبيزنطية ذات الأساليب التي كان لها تأثيرات متفاوتة في فن العمارة الإسلامية. وهذه المقرنصات ظلت دائماً عسيرة على فهم دارسي فن العمارة من غير المسلمين ولم يستطيعوا أن يكتشفوا منها إلا احتيالاً زخرفياً للحصول على تباين ضوئي والتلاعب بعنصري الظل والضوء في منطقة محدودة تتعرض لضوء ثابت. ولم تكن بالنسبة لهم إلا مشابهة لعملية الزخارف النافرة أو الكتابة المحفورة دون استخدام ألوان واستغلال الظلال الجزئية للنفور على السطوح المنخفضة والواقع أن الدارس المطلع على الحياة الفكرية للمسلمين يستطيع قراءة هذا الفن قراءة أخرى. فالمتتبع لأصول العمارة الإسلامية يرى فكرة ثابتة متكررة وهي فكرة الانتقال من القاعدة المربعة الى المثمن الى الدائرة، مع الانتقال العمودي المزامن لكل مرحلة والانتهاء بنقطة مركزية (رأس المئذنة، قرارالقبة). ولشعور الفنان المسلم باختلاف الطبيعة بين المربع البسيط والمثمن تعقيداً، والدائرة المنتمية الى أسرة هندسية اخرى. فإن لمس الحاجة إلى جزئية انتقالية تساعد العين على الانتقال غير المنطقي والحاد بين هذه العناصر. ووجد الحل في التشكيل المقرنص الذي سيؤمن الانتقال السليم بعد ان يكون قد شد جزءاً من الانتباه لتشكيلته. وهو نفس الاحتياج القائم لمعالجة التقاء الجدار مع السقف كسطحية جانبين قاسيين مع زاوية قائمة أو قائمة فراغية في حالة جدارين مع سقف. ووجد هذا الاحتياج في نقاط التقاء الأعمدة مع السقوف ووجد الإنسان المسلم الذي كان حريصاً على كسر الجمود وتخفيف حدة الالتقاء بين الخطوط المتعامدة على استخدام هذه المقرنصات في كل تلك المواضع. ولربما كان لهذه علاقة بسعة الأفق أو على الأقل الحرص على الانسجام والبعد عن نقاط التوتر الناشىء عن الزوايا المفاجئة أو عن الاصطدام بين الأفكار المختلفة والحرص على تقريب وجهات النظر والسعي الدائم الى الإقناع بالحجة والأسلوب اللبق والاعتماد على تسلل الأفكار والآليات المنظمة للعلاقة البنائية التراكمية للوصول الى الفكرة المنشودة. (التوحيد المطلق رأس المئذنة نقطة القرار في القبة) انطلاقا من الوصول الى اقرار المقدمات المنطقية (قصور المخلوق إعجاز الخالق وحدانية الخالق) وللتأكيد على عدم سطحية المقرنص وتحجيمه كعنصر زخرفي ضوئي. نجده دائما على زوايا جلود المصاحف دون أدائه لأي دور ضوئي. ونجده في كل عناصر الزخرفة ذات السطح الواحد، مؤديا نفس الدور وهو الجزئية الانتقالية بين عناصر هندسية متباعدة الطبيعة تمهيدا الى فكرة التوحيد المطلق المركزية. في النهاية هذه عجالة سريعة في دراسة جزئية فنية ابتدعها المسلمون كنتيجة تعبيرية عن فكر توحيدي يتجلى دائما في فنون المسلمين، واضحا جدا في احيان وغامضا لا يتأتى فهمه إلا للدارس المختص في أحيان أخرى ولكن يبقى موجودا ملموسا مباشرة. أو نحس بوجوده علي الأقل.