مما لاشك فيه أن الفن الروائي أحد أركان المشهد الثقافي والادبي والمعرفي لأي امة من الامم بل واحد معايير تقدمها ورقيها. ان فن الرواية بوصفه العام فن مخاتل يغري الكثيرين للولوج في عالمه الفسيح حتى وان لن يكونوا قادرين على امتلاك الادوات الضرورية لجعل عملهم ذلك عملا ادبيا ذا قيمة عالية. ان مشهدنا الثقافي وخطاباتنا الادبية والمعرفية تعيش لحظة تحول سيعمق اثرها في المجتمع وتفاعلها مع الآخر والعالم من منظور جديد. ولعل اهم ما يمكن ان يسترعي الانتباه على خارطة ثقافتنا المحلية هو هذا الفن السردي الجميل.. وهو فن الرواية فقد بدأ باستقطاب انظار الجماهير، ولفت انتباه النقاد، فاتجهت بوصلة الاهتمام الى هذا العمل الحكائي الشيق. ان مشهدنا الثقافي والادبي والمعرفي قد سجل حضورا عربيا وعالميا جيدا. لكننا ان نظرنا وبنظرة فاحصة الى مشهدنا الثقافي والادبي فاننا لا نجد العمل الروائي قد احتل مساحة كبيرة فيها بل ان بالامكان القول: إن فن الرواية لدينا لا يزال في بدايات مغامراته. من هنا وتأسيسا على ماسبق حملنا الى عدد من المهتمين بعض التساؤلات الجوهرية حول مشروع الرواية المحلية وكانت الاجابة من كل من: الاستاذ ابراهيم الناصر الحميدان، الاستاذ خالد احمد اليوسف، والاستاذ حسين المناصرة. حيث جاءت اجاباتهم على هذا النحو: ابراهيم الناصر كان اول المداخلين على هذه الاسئلة هو الروائي الاستاذ ابراهيم الناصر الحميدان حيث قال: ان اسباب تأخر ظهور فن الرواية لدينا بصورة واسعة اجتماعية بالدرجة الاولى لكون الفن السردي يعتمد على كشف جوانب مختلفة وحساسة في الهم الاجتماعي مثل بوح المشاعر والقاء الضوء على الصراع الفردي والاحتكاك الاجتماعي داخل الاسرة ومابين افرادها وهو ما يعني التفاصيل اليومية المعاشة ونحن كمجتمع محافظ لا نرتاح لكشف مثل هذه المشاعر ونحاول التكتم على ما يجري فيما بيننا من مناوشات الامر الذي يتعارض مع توجه هذا الفن ومع ذلك فقد اخذ مجتمعنا يتجاوز ذلك الى حد ما عن الانزعاج من طرق تلك الجوانب بعد ان استوعب التجربة الحياتية من مختلف دلالاتها واصبح لا يغيره اكتشاف عمق ما توحي به لانتشار الوعي ولهذا رأينا الكثير من الادباء يتجهون الى هذا الفن رغم الصعوبات التي اشرنا اليها ويحاولون بوسائل مختلفة من الالتفاف حول ما يتعذر التعرض له تارة بالرمز واخرى بالايحاء اما عن الحلول المقترحة فهي كثيرة من بينها اقناع المجتمع بنشر المزيد من الوعي بأن الرواية لا تستهدف التشهير بقدر ما تعني تجاوز الاخطاء الاجتماعية التي نحاول اخفاءها بتجنب تحليلها والقاء الضوء عليها كما ان رصد جوائز تقديرية لتحفيز الموهوبين على طرقها من بين عوامل التشجيع للاسهام في ابراز فن روائي متميز في بلادنا بما له من خصوصية ثرية تضاف الى تجارب الشعوب الاخرى التي تعيش مثل هذه المرحلة باعتبارها من تأثير التحولات الحضارية التي لابد من وجودها في كل مجتمع انساني حديث التطور علما بأن الكثير من الروايات المحلية التي نقرؤها ليست في مستوى هذا الفن الجميل ولا تلتزم بشروطه مطلقا. خالداليوسف أما الاستاذ خالد اليوسف فقد جاءت مداخلته على هذا النحو يقول: ان من الطبيعي جدا ان الرواية لدينا تالية في ترتيبها للشعر والقصة القصيرة حيث الظروف التعليمية والثقافية لم تساعد على نمائها بالشكل السريع ولم يغامر في كتابتها الا من هيئ له الخروج خارج الوطن إما دارسا وإما عاملا وإما لثقافته العالية اما الذين داخل البلاد فيكفي نظرة سريعة على اعمالهم تطلعنا على مدى الالتباس في مفهوم العمل الروائي لديهم ومع هذا فاننا ندعو لهم بالرحمة والمغفرة لانهم اسسوا هذا الفن حيث جعلنا الآن مع بداية الالفية الثالثة نفاخر بأن الرواية تجاوزت رقما )160( عملا والمخطوط يتجاوز )50( عملا. ان الوعي الفني لطريقة الكتابة الروائية بدأ واضحا في كل نتاجنا والمنافسة قادمة لنا. وبالتأكيد فان لعاداتنا وتقاليدنا دورا كبيرا في تأخر السرد عموما. وليس الرواية فقط حتى اصبح من سمات اعمالنا عدم ذكر الاسماء الدالة للاشخاص والمكان. الرمز اهتممنا به كثيرا بطريقة سليمة او خاطئة. لم نغامر كثيرا او ندخل في التجريب الفني. كل جيل يأتي يرفض سابقه ويدعي التجديد حتى تجاوزت القصة القصيرة هذه الاشكالات وبدأت بالتطور وتفوقت وعكست للمتلقي المحلي والعربي الواقع الاجتماعي والثقافي وساهم كتابها في إلغاء الفكرة السالف ذكرها. ولكن الرواية لها واقع آخر ويتأكد كثيرا في الاعمال الناجحة التي هربت من الالتقاء والتصادم مع واقعنا وعاداتنا اما تكون الاحداث والشخصيات خارج الوطن. الانتماء الى الرمز المكاني والزماني والشخصي. الكتابة تحت توقيع مختصر او رمزي. الكتابة مع محدودية الطبع والتوزيع التشبث بالسيرة الجماعية او الذاتية خوفا من الآخر. كل هذه تلف اعمالنا الروائية لان المجتمع ما زال يرفض ان نكتب عن الحي والحارة عن العادات والموروثات عن السلبيات والايجابيات بل انه يحاكمك .. نعم انه سوف يتحول الى ادانة لك اذا لماذا نكتبها؟ بل لماذا اضع نفسي في موضع انا في غنى عنه؟ من هنا اقول تبدأ المشكلة. اما عن الحلول فنحن لا نملك حلولا فقط نريد تفهما اجتماعيا وثقافيا واعلاميا. الرواية علامة على رقي المجتمع ووعيه لدور الادب في الحياة العامة. الرواية جزء من التاريخ المعاصر ويدخل فيها علوم اخرى. ان المحفزات التقديرية تأتي في نظري في الاعلام الذي يحتفي بالعمل الروائي حين يحوله الى عمل مشاهد ويساهم في انتشاره في كل الاوساط لكي تبحث عنه وتقرأه. حسين المناصرة اما الاستاذ حسين المناصرة فقد استعمل حديثه قائلا: في ضوء مفهوم الرواية الشامل والمنفتح الى حد ما اعتقد ان سجل الرواية )البيلوغرافي( في المملكة كاد يصل او وصل الى حدود )200( رواية مع تحفظ كما اشرت بخصوص مصطلح )رواية( هي خليط بين الفني وغير الفني بين السيري والتسجيل التاريخي والادبي، والسردي الجيد، والحكاتي، والشعري. لذلك لا يمكن ان نعد هذا الكم من الناحية الشكلية )الببلوجرافية( كماً محدوداً لكنه في حقيقته او في واقعه كم محدود في سياق مفهوم الرواية الفنية بوصفها اصطلاحا سرديا يكتسب مشروعيته من جمالياته الفنية على اساس معايير في الرواية كما استقرت في النقد السردي المعاصر. في ظل هذا التطور سنجد القائمة التي تحتوي على )200( رواية ستتقلص تلقائيا الى حدود خمسين رواية على الاكثر يمكن اعتبارها حصيلة الفن الروائي الجيد في المملكة مما يعني في المحصلة النهائية ان هذا الكم لا يتسق مع تاريخ المشهد الثقافي المحلي خلال القرن العشرين. زمن الرواية العربية، او بوصف الرواية من خلال ما تردد على ألسنة النقاد )ديوان العرب في القرن العشرين( كما انه لا يتسق مع المشهد الروائي المتطور في بعض الدول العربية، وبالتالي كأن المشهد الروائي في المملكة لم يقدم الا رواية واحدة جيدة كل عامين علما بأن بعض الدول العربية كمصر يمكن ان تقدم عشر روايات مهمة في عام واحد بل ان المشهد الثقافي المحلي غني بما انتج فيه من الشعر او القصة القصيرة او المقالة الادبية وهو في المقابل غير غني قبل التسعينات على الاقل بفن الرواية اذ يمكن ان نعتبر سنوات التسعينات كانت افضل حالا مما مضى. وفي الوقت نفسه لاتعني حصيلة ل250 رواية جيدة وصفا هامشيا او الندرة وقلة في العمل الروائي المحلي بقدر كون المشهد المحلي بحاجة الى ان يكون فيه على سبيل المثال 150 رواية جيدة في ببليوغرافيا شاملة قد تصل الى 500 رواية وحينئذ بامكاننا ان نصف المشهد الثقافي المحلي بأنه مشهد حي، وغني بفن الرواية، مما يجعله في مستوى الرواية العربية في اوضاعها الاقليمية الجيدة. وبكل تأكيد فان هناك اسباباً عديدة حالت ضد سيادة فن الرواية في المشهد الثقافي المحلي، وقد عالج النقاد هذه الاشكالية وهي في ظني تعود الى اسباب جوهرية يمكن اختزالها في: التخوف عن الكتاب من العقاب الاجتماعي خاصة وان الروايات تفسر في كثير من الاحايين على انها سير ذاتية لكتابها ولذلك هرب بعض الروائيين الى البيئات خارج المملكة. احتفالية الرواية بواقعية الحياة والأحداث على عكس القصيدة والقصة القصيرة اللتين تنحازان احياناً كثيرة الى المجرد والغموض لهذا نجد ميلا واضحا اليها، دون الميل الى الرواية ذات الصلة المباشرة مع الواقع، حيث تكون الكتابة في المجرد الغامض اكثر سهولة من التعامل مع الواقعي الذي قد يحيل الكاتب الى الدائرة التسجيلية التي لا يتقبلها )غروره( الحداثي. الخجل الذي تربى عليه الكاتب في البيئة المحلية حيث تقاليد الاسر الصارمة والاجواء العامة المحافظة، مما يجعل الكتاب يعزفون عن المغامرة في كتابة الرواية، او انهم يكتبونها ولا يتجرؤون على نشرها وذلك بسبب كون الرواية ذات صلة حميمة بما يخجل اجتماعيا وخاصة في مجال العلاقات العاطفية التي تعد من ابرز ملامح الرواية عموما. معظم الكتاب في المملكة من الذين اشتغلوا في الصحافة او من الذين قاموا بأعباء المشهد الثقافي في الصحافة ولانه ليس بامكانهم ان يكونوا صحفيين وان يكونوا روائيين في الوقت نفسه بحكم ان الرواية تحتاج الى وقت طويل وتفرغ لكتابتها فقد آخر ان يكونوا صحفيين ومشتغلين في الوقت نفسه بكتابة المقالة والقصة القصيرة والشعر اي الفنون التي لا تحتاج الى زمن محتد لتفريخها. بالطبع يوجد هناك اسباب اخرى لكن ما ذكرته سالفا يعد من وجهة نظري جوهريا في غياب فن الرواية المحلية الفاعلة قبل التسعينات لان التسعينات كما اظن انشأت رواية جديدة في المملكة وبالتالي بدأت الصراعات حول مفهوم الرواية فتعد هذه الفترة غنية بالرواية السيرية والادبية وبالرواية الجديدة رغم ان هذا التصور قد لا يرضي الكثير من النقاد لكن هذا هو الواقع وعلينا ان نؤمن به. وسأورد مثالا بسيطا على تطور الرواية في التسعينات وهو مثال نادي القصة بجمعية الثقافة والفنون حيث يجتمع في النادي مجموعة من الساردين معظمهم اصدروا مؤخرا رواية او على وشك ان يصدروها فمن الذين اصدروا خلال عام 1999 2000 ابراهيم الناصر، سلطان القحطاني، احمد الدويحي، محمد ابو حمراء، ومن الذين سيصدرون قريبا حسين علي حسين وعبد الحفيظ الشمري ويمكن ان يعمم على بقية المنتديات والاسماء الثقافية. ولاشك ان طبيعة المجتمع في المملكة والثقافة السائدة لعبتا دورا حاسما في تعميق اشكالية غياب الرواية وهذا احد الاسباب التي جعلت الروائيين كما ذكرت يهربون الى البيئات في الخارج بوصفها تحرر الكتاب من اية مساءلات توجه ضدهم لأن الواقع زرع داخل المبدعين رقباء لا رقيباً واحداً فقط. يضاف الى ذلك ان من يغامرون ويكتبون يطبعون في الخارج وفي الغالب لا يصل انتاجهم الا الى ايدي المثقفين فيكون هذا الانتاج بمنأى عن الرقابة الاجتماعية. اما حلول هذه الاشكالية فأعتقد انه لا يوجد هناك حلول جاهزة توضع من اجل تشجيع كتابة الرواية لان الكتابة الجيدة تتولد في ذاتها والكاتب الجيد لابد ان يتفاعل كتابته بأي شكل تفرضه، انما تبقى هناك مسألة مهمة وهي الاهتمام بصاحب التجربة الروائية الجيدة التي تصدر ليساهم هذا الاهتمام اكان من المؤسسات الثقافية الرسمية ام الخاصة في ولادة المزيد من الاعمال الروائية لذلك اعتقد ان الادباء مهما كانت اعمالهم هم الاقل حظا في التكريم الثقافي. وربما يعد كتاب الرواية الاقل حظا من غيرهم فالقاص او الشاعر من الممكن ان ينشر نصوصه ويتقاضى مكافأة ثم ينشرها على حسابه او على حساب مؤسسة ما لكن من يغامر من المؤسسات في نشر رواية جريئة قد تجلب المشكلات واذا نشرها الكاتب على حسابه فمن يشتري رواية تحتاج الى زمن طويل لقراءتها. المسألة غاية في التعقيد في ظل نوع الاشكاليات وتعقدها في وجه الرواية الادبية!! لكن روايات الاثارة تلاقي رواجا بطريقة او بأخرى.