والجزيرة، عندما تطالعنا بين وقت وآخر بتخصيص عدد من صفحاتها لتبيان مآثر هؤلاء الرواد وجهودهم، ولإبراز ما أسهموا به من عطاء في النهضة الفكرية، فهي انما تسد ثغرة في نقص الجانب التوثيقي لحياتهم، وتقدم خدمة جليلة للباحثين والدارسين . ولقد سبق لي ان نشرت في عدد الجزيرة )8976( في 19/12/1417ه مقالا في الموضوع نفسه، دعوت في آخره الى تكريم الشيخ حفظه الله من قبل رعاية الشباب والثقافة، وهو ما تحقق بفضل الله عندما منح، وبمسعى من الرئيس العام لرعاية الشباب مشكورا، وسام الملك عبدالعزيز رحمه الله من الدرجة الاولى. ودعوت في المقال المذكور الى ان تحتفظ )الجزيرة( بحقها في تكريم الشيخ ايضا بحكم أنه أحد مؤسسيها وكتابها وأركانها، والجزيرة بهذه الصفحات تحقق جزءا من واجبها نحوه، وهو الذي عايش همومها، ورافق مسيرتها، وأسهم في تطويرها وبنائها. وأرجو ان يسمح لي القارئ الكريم في ان استعيد فقرات اخرى من المقال الذي ضمه كتابي : إعلام وأعلام )1420ه(، فالشيخ عثمان ، علم ومعلم، يرتبط اسمه برباط وثيق مع تاريخ التربية والتعليم في المملكة، تماما كما يذكر محمد بن مانع وطاهر الدباغ وصالح شطا وعبدالعزيز وحسن آل الشيخ وصالح بن صالح وعبدالله القرعاوي وعمر عبدالجبار وغيرهم كثير، من الرواد الافذاذ الذين اقترنت اسماؤهم بالنهضة التعليمية في بلادنا، على مختلف مناطقها وعهودها. ان مما يفتقر اليه مجتمعنا، وجود مؤلف او موسوعة واحدة تؤرخ لهؤلاء، وتجمع بين دفتيها سيرا متكاملة لرجال التربية والتعليم، فهي معلومات تنقص المكتبة السعودية، وتفتقر اليها الهيئات التعليمية. والشيخ عثمان وأمثاله، تاريخ يمشي على الارض، وهو اليوم من ابرز الشهود على رحلة تعليمية تمتد من اوائل الخمسينيات الهجرية في سدير والقصيم ثم في الرياض، وهو امتداد لتاريخ اخويه صالح وعبدالمحسن، اللذين بدآ التعليم الحديث في عنيزة منذ اواخر الاربعينيات الهجرية فتخرج هو على يديهما، كما تخرج معظم ابناء عنيزة من التربويين المتقاعدين والحاليين، فهو يلهج دائما بتأثره بمنهجهما ، وتأثيرهما عليه، ويروي قصصا جميلة عن بداياته برفقتهما، وعن زيارات جلالة الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه المتعددة الى عنيزة وانبهاره بأسلوبهما التربوي الحديث، وكيف ادت احدى تلك الزيارات الى اختيار الشيخ عثمان مديرا لمعهد الانجال بالرياض )مما رواه في سلسلة مذكراته: معلم بلا عصا المنشورة في مجلة المعرفة سنة 1417ه( وهو المعهد الذي يعرف حاليا باسم معهد العاصمة النموذجي. والشيخ عثمان مع ذلك، ليس رجل تربية وتعليم فحسب، وان كانت تلك السمة البارزة عليه، لكن له جهودا بارزة في مجال الصحافة والثقافة والادب، مما يشهد به تاريخ مؤسسة الجزيرة الصحفية، وله باع طويل في الشعر والبحوث الفقهية والندوات الثقافية، وله صالون ثقافي أسبوعي عامر في كل يوم اثنين، وأحسب ان كل ميدان يستحق فصلا مستقلا في رواية سيرته. وهو الحاضر في المناسبات العامة والخاصة، وفي الواجبات الاجتماعية والتي لا يتردد في شد الرحال الى البعيد منها حتى اليوم. والشيخ عثمان يبدع في اختيار عبارة الثناء لن يرى أحقيته فيها، ولا يتردد في قول صريح، أو رأي مخلص، يرى مناسبة التعبير عنه في وقته ومحله، ولديه مخزون كبير من الوفاء والكرم ومواقف الرجال. ان لقب «المربي الفاضل» الذي اعتاد المجتمع ان يطلقه على الشيخ عثمان الصالح، هو بحق اصدق تعبير عما يمكن ان توصف بها شخصيته. وهي دعوة مخلصة، يشارك فيها الآلاف من تلاميذه لتكريمه وامثاله من المربين الافاضل في جائزة سنوية تحمل اسم رائد التعليم الاول حفظه الله وجزاه الله عن العلم والتعليم خير الجزاء. والمرجو ان تسعى كل الهيئات التعليمية لتسجيل تاريخ المبرزين، ومن ألسنتهم او من رواية اقرانهم وتلاميذهم، ليس لان ذلك مما يخصهم ويمجد جهودهم ومن حقهم علينا فحسب، بل لانه جزء من تاريخ المعجزة التعليمية التي نفخر بها ضمن ما نفخر. د. عبدالرحمن الشبيلي