حقا لقد وفقت دارة الملك عبدالعزيز رحمه الله تعالى أيما توفيق وهي تلج دائرة التاريخ لتسلط الضوء على المشهد الحضاري والفكري لبلادنا الغالية من خلال اقامتها ندوة الرحلات الى شبه الجزيرة العربية التي تأتي امتدادا جميلا لبرامجها الفاعلة ونشاطاتها المثمرة. هنا,, في أرض شبه الجزيرة,, كان للتاريخ حضور سجل صفحات مضيئة في كتاب الحضارة,, ورصد خطوات العطاء الانساني الفذ الذي يجلي كفاح الرجال وتضحيات الأبطال,, فكانت الأمجاد التي رسمت الطريق للأحفاد. أجل,, هنا,, مهبط الوحي,, منبع النور,, مصدر الرسالة,, بل وموطن الحضارات ومقصد البعثات ومدار الرحلات,, ولا غرو فعلى هذه الأرض الطاهرة تدفقت أنهار الهدى وتفجرت ينابيع الحق,, وشلالات التقوى. هنا,, على هذه الرمال الزكية سارت قوافل الحضارة,, زرعت بذور العلم,, رسمت خرائط المعرفة,, تلاقت مواكب الباحثين,, وانتظمت جهود الدارسين. اليك,, يا ديارنا العزيزة أتيت أحمل أشواقي وارتباطي,, أتغنى بالأمجاد,, أتأمل رسوم الشموخ في جبينك البهي,, عفوا,, يا رعاك الله,, يا شبه الجزيرة,, أيتها الأرض الغنية المكتنزة بجذور العطاء التي تغذيها أيادي الرجال. دعونا نسافر في موكب الماضي البعيد,, نتوغل في أعماق التاريخ المجيد,, لنقرأ حكايات البذل ونرى دوائر الكفاح,, ونتلمس الحقائق التاريخية المضيئة والمنجزات الحضارية القيمة التي جعلت الباحثين الأجانب يتجهون اليها بالدراسة والتنقيب محاولين الكشف عن مضامينها والاطلاع على أسرارها في رحلاتهم المتواصلة التي حولت الرحلات الى مصدر مهم من مصادر التاريخ ذي بضاعة فكرية حضارية مهمة. لقد وجد أولئك الدارسون في المضامين التاريخية لشبه الجزيرة محتويات علمية وفكرية جديرة بالبحث تعكس الطابع الحياتي لإنسان هذه البلاد المباركة. نعم,, من حقنا أن نحتفي بالمنجزات الحضارية والعطاءات الفكرية التي تحققت على أرض هذا الوطن المعطاء الذي لم يزل يشمخ فيه النخيل وتسمق الجبال وتثمر الآمال,, وحينما نغوص في أعماق التاريخ لن نجد صعوبة في رصد التجارب الحضارية وقراءة المعطيات الفكرية لشبه الجزيرة لتغدو رصيدا جزلا يخدم تاريخها المجيد,حقا لقد وفقت دارة الملك عبدالعزيز وهي تتصدى لجانب حيوي مهم يرتبط بتاريخ جزيرتنا الغالية في محاولة جادة لتأصيل أحداثه والكشف عن ظواهر وتقويم خرائطه ورصد مكنونه,, ان من شأن تلك الندوة أن تصحح كثيرا من الوثائق التاريخية وتعيد قراءة ملامحها وتفسر دوائرها بل وترد الاساءات,, وتدفع المغالطات التي وقعت من بعض الباحثين من الغرب. فما أروع أن يلقى الضوء على هذا التاريخ المحفوف بالشموخ والنبل وفق رؤية متزنة ومنهج علمي يتحرى الدقة ويفتش عن المصداقية ويجري في فلك الانصاف,, نعم ليس من السهولة ابراز الأبعاد التاريخية لشبه الجزيرة في عقود مضت وذلك عمل شاق,, قيم,, غير انه جدير بالبحث والدراسة,, بل وتقويم الوثائق التي قدمها الرحالة الأجانب مع اختلاف جهودهم وتباين نواياهم. لقد فتحت الندوة قناة مهمة وبنت جسرا يربط بين الماضي الأصيل والحاضر الجميل لهذه الأرض العابقة برائحة الايمان,, وبنكهة الشموخ,, وهو توجه صائب من شأنه الرد على أي اساءة لهذا الدين الحنيف من بعض أدباء الغرب وتصحيح أي مغالطة تمس تاريخ شبه الجزيرة التي ظلت بحمد الله تعالى محتفظة بخصوصيتها الدينية الصافية وبملامحها العربية الشماء,, وبتاريخها المشبع بقصص البطولة وحكايات الرجولة. وجميل أن نقف وقفة تقدير واجلال لك أيتها الدرة وأنت تقفين على ضفاف التاريخ وأمام بوابة الفكر والحضارة لإنسان هذه الأرض الطيبة المليئة بالخيرات تقلبين صفحات مشرقة في سفر الأمجاد,, تثيرين اسئلة الانتماء وتقدمين تعريفا واعيا للمنجز الحضاري الذي نما وترعرع فوق أرضنا الكريمة منذ انبثاق فجر العقيدة,, لتظل شبه الجزيرة وطنا عامرا بالعطاء,, معبأ بالشموخ,, ومساحة مزروعة ببذور الحضارة,, ما زلنا نحمل تاريخه المجيد في قلوبنا,, نكتبه قصيدة فريدة في حناجرنا,, نحتفي بتراثه الأصيل,, وعطائه النبيل,, وتلك وقفات في أدب الرحلات,, التي وجدت في شبه الجزيرة ميدانا خصبا للدراسة والبحث والتنقيب,,ولا عجب فهناك تاريخ يكتب,, وأمجاد تسجل,, ومعارف ترصد,, ومواقف تهطل فوق الشفاه شعرا,, وعلى الأوراق حبرا,, وها هي مملكتنا الغالية تحمل آمالنا,, وتحقق تطلعاتنا في منظومة التنمية الشاملة. محمد بن عبدالعزيز الموسى بريدة