منذ تأسيس المملكة العربية السعودية على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه وهذه البلاد المباركة تعنى بشؤون مواطنيها وقضاياهم، وتقدم لهم العون والمساعدة وتتبنى مشكلاتهم. ومن القضايا التي استقطبت اهتمام هذه البلاد قيادة وحكومة، صحة الفرد، حيث شهدت الخدمات الصحية في المملكة توسعات عديدة في مختلف النواحي الوقائية والعلاجية، فظهرت إلى حيز الوجود في فترة وجيزة المستشفيات العامة، والمستشفيات الجامعية والمستشفيات التخصصية، ومراكز الأبحاث المزودة بأحدث الأجهزة والمعدات المدعمة بأفضل الكوادر الطبية والفنية، حتى غدت الرعاية الطبية المقدمة في المملكة تضاهي ما يتمتع به مواطنو أكثر الدول تقدما. ولا غرو فالتطور الحاصل في الخدمات الصحية لم يقتصر مردوده على المواطن السعودي أو المقيم في ربى المملكة فحسب، بل إنه تجاوز ذلك البعد إلى تطور أعمق في المفهوم والغايات، فأصبحت الرياض اليوم عاصمة للتداوي يقصدها يوميا العشرات من المرضى من مختلف بقاع الأرض، فتشملهم مستشفياتها برعايتها الصحية المتميزة، مما أكسبها شهرة عالمية، وكان عطاؤها محل إشادة وتقدير. ولعل من أبرز ثمار هذه النهضة الصحية هو ما تيسر لي مشاهدته بأم العين وشاهده الحضور يوم الأربعاء الفائت، حين تشرفت بحضور حفل افتتاح مدينة الملك عبدالعزيز الطبية التابعة للحرس الوطني الذي رعاه صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني. فهذا الصرح الشامخ يثلج الصدور، وهو مفخرة لكل مواطن بصفة عامة وللعاملين في القطاع الخاص بصفة خاصة، ويؤكد ما سبق الإشارة إليه وهو ان الرياض هي بدون شك عاصمة الطب في العالم العربي. ان هذه المدينة المتطورة تعد بحق نقلة نوعية أخرى لرفع مستوى الخدمات الصحية في المملكة بما تحتويه من مراكز طبية متعددة لا تخدم فقط منسوبي الحرس الوطني وعوائلهم، ولكنها تشمل كل مواطن ممن يحتاج إلى بعض التخصصات الدقيقة وهي صفحة أخرى جديدة من صفحات الإنجازات الإنسانية التي يقوم بها صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله، وتتويج للجهود الصادقة التي تبذلها كافة الأطراف المعنية وفي مقدمتها الحرس الوطني، وتأكيد للنهج الراسخ لهذه البلاد الطاهرة وقيادتها الرشيدة، والمتمثلة في إعطاء المواطن كامل الرعاية والاهتمام وتأمين أفضل الظروف المعيشية والصحية والعيش السليم له. وليس بغريب على سمو الأمير عبدالله يحفظه الله القيام بمثل هذه الرعاية والاهتمام، فهو دائما وأبدا سباق إلى بذل كافة الجهود وتوفير كل الامكانات المادية والمعنوية من أجل تلبية احتياجات المواطن في كل مكان، وما توجيهات سموه بألا تقتصر خدمات هذه المدينة على أفراد الحرس الوطني بل تشمل كافة المواطنين إلا دليل على إيمانه بأن المواطن هو ركيزه التنمية، وأن صرح الوطن لا تصنعه إلا سواعد أبنائه القوية. وما دمنا بصدد الحديث عن هذا الإنجاز الرائع فإن الضرورة تقتضي منا جميعا إعادة النظر في المنظومة الصحية الشاملة في المملكة من منظور الحرص على الاستفادة الكاملة من كافة الامكانات والمعدات التخصصية العالية التقنية والموارد المتوفرة الآن في كافة القطاعات الحكومية. لقد آن الأوان لأن نفكر جديا في السياسة الصحية الوطنية السائدة في المملكة ومراجعة بعض الأنماط المتبعة حاليا في طريقة تقديم الخدمات الصحية، وبما يؤمن توفير الطرق الملائمة لتنسيق وتكامل الأنشطة بين الجهات الصحية المتعددة بقطاعيها العام والخاص. ومن منطلق الاستخدام الأمثل للموارد ولأهمية التنسيق بين كافة القطاعات، أصبح من الضرورة الإسراع إلى تشكيل مجلس لتنسيق الخدمات الصحية للإشراف على إنشاء الأقسام المتخصصة وتوفير الأجهزة العالية التقنية في كافة القطاعات، وذلك لأن الحاجة تدعو حقا لمراجعة أنشطة الجهات الصحية المختلفة في المملكة لضمان وجود آلية لترشيد التكاليف في الرعاية الصحية وتحديد الفئات المستفيدة من خدمات كل قطاع بحيث يكون هناك استخدام كامل لكل المعدات والأجهزة المتخصصة الباهظة التكاليف. إن التكامل والتنسيق سيمكن تلك الجهات من الاستخدام المشترك لبعض الموارد وتجنب الازدواجية والإسراف في الموارد والخدمات وضمان عائدات ملائمة من التنمية والاستثمار في المجال الصحي، وينطبق ذلك الشيء أيضا على الكوادر الطبية ذات المستويات العالية في المستشفيات والمراكز التخصصية وما من شأنه الحد من روح المنافسة في إهدار الموارد بين القطاعات الصحية، لتكون الفائدة أكثر وأشمل ويكون كل مرفق صحي مركزا مرجعيا يكسب العاملين فيه مزيدا من الخبرة، ويكون أرضا خصبة لتدريب العاملين في القطاع الصحي بصفة عامة، ولذلك التخصص بصفة خاصة، وهذا مطلب مهم ووطني ونحن نعيش في زمن تتسارع وتتنافس فيه الأمم على الإنجاز والابتكار. هذه بعض الملاحظات التي راودتني ووددت طرحها للنقاش وأنا في غمرة الفرح والابتهاج بافتتاح هذا الصرح الطبي المتميز. وأسأل الله أن يديم علينا نعمة الأمن والإيمان تحت ظل قيادة حكومة مولاي خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده وسمو النائب الثاني وأسأل الله أن يوفق القائمين على هذه الخدمات في الحرس الوطني للاستفادة المثلى من هذه المرافق الجبارة. والله ولي التوفيق.