الإمامة في الصلاة أمانة ثقيل حملها، شريف بين العباد الصالحين مقامها، معين على الخير أداؤها، عظيم عند الله عز وجل ثوابها. فرضها الله جلا وعلا على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في السماء، وتصدرها الرسل والأنبياء، وشرُف بمقامها القراء والعلماء والفقهاء، ولعلو رتبتها، ورفيع منزلتها اختار الشارع أهلها خيارا، واصطفى لمقامها من المؤمنين ابرارا، وفاضل الشرع بين المتقدمين إليها، واقرع بين المتنافسين عليها، وفي صحيح الإمام مسلم عن أبي مسعود الانصاري رضي الله عنه يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلماً وفي رواية سناً,, الحديث. ومن لوازم الإمامة ومقتضياتها التقدم في الشيء، والقدوة في الامر، وإصلاح الشأن وهي موجبة على الإمام تحمل المأمومين، والصبر على المتبوعين، والنصح للمسلمين، والتوافق مع خواص أهل المسجد، وتأليف قلوب عامة جماعته، والتعرف على رواده، ويوجب عليه انشراح صدره، وسرور خاطره، وانبساط نفسه مع تعليم الجاهل، وتذكير الغافل، ونصح المقصر، وإرشاد المسترشد، والاجتهاد في التبليغ، والإحسان في العبادة، والإتقان في اداء المسؤولية. ومن لازم المأمومين وواجبهم الإعانة على الخير، والسرور بالمشاركة في العمل الصالح وخاصة فيما فيه خير ومصلحة للمسجد وأهله، واتفاق الكلمة، أو تقارب الرأي، ومحبة النفوس، وتآلف القلوب وولاية المؤمنين قال تعالى والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض . والاجتهاد في إحياء المسجد وعمارته بالطاعة والذكر من قراءة القرآن، وسماع الذكر، وحضور الخير، وأداء السنن والنوافل لمن لا يتهيأ له أداؤها في البيت، والشوق والتلذذ بطول التلاوة لكلام الرب عز وجل، والإخبات في الركوع والسجود، وعدم الملل الكاذب بالانشغال بالباطل، او الدنيا الفانية، او اللهو الحرام. والإمامة الاصل فيها طلب مزيد العبادة والديانة، وابتغاء ماعند الله عز وجل والدار الآخرة، ونفع العباد، ونصح الخلق، وليس من مقاصدها الشرعية تحقيق الامور الدنيوية او طلب المكافآت المادية. والسلف الصالح رحمهم الله عنوا يتحصيلها، والتقدم لها، وكان لهم فيها سمات تقية ظاهرة، وصفات إيمانية ذاكية، احتساباً للأجر والثواب، وجد واجتهاد واهتمام، وخشوع وخشية وطول قيام، ومبادرة للصلاة حين دخول أوقاتها، ومكث مبارك في انتظار إقامتها، وتلاوة وذكر واستغفار تهيئة لكمالها وتوفية لنقصها. والصلاة نهج الانبياء والصالحين قال تعالى عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي وتقبل دعاء ونهج ابنه اسماعيل ذلكم النهج الكريم فقال تعالى في وصفه واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا . ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم يُوصي أمته بها وهو في آخر حياته ويقول: الصلاة الصلاة وما ملكت ايمانكم . والصلاة راحة الانبياء والمرسلين، ونعيم وسرور العُباد المتقين وفي الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزيه امر نادي بلال ينادي بالصلاة ويقول: ارحنا بها يابلال. وإقامة الصلاة وفق السنة النبوية باعتدال وكمال، وخشوع وتمام، دعوة وموعظة وسبب للخير والمعروف، والبعد عن الشكر والمكروه. وغالب حال الائمة في الصلاة التعجل والاسراع، وفي القراءة التخفيف والتكرار، والطمأنينة والخشوع والاعتدال هدي نبوي، ومنهج سلفي يحرص الإمام في غالب حاله، وأكمل أحواله على تطبيقه ويفرح المأموم بتحقيقه. وثاني الوسائل الدعوية في رسالة إمام المسجد القدوة في السمت والمظهر، وفي الحضور المبكر والانصراف المتأخر، وفي الحرص على التلاوة والنوافل، والعناية بالمواظبة والانضباط، وحسن الخلق وكمال الأدب، وفي النفع أو الشفع في الخير والمعروف. والأمر الثالث العناية الفائقة بخطبة الجمعة إعداداً وأسلوباً، ووحدة في الموضوع، وتنويعاً في إيراد النصوص والآثار، ودقة في الفهم والاستنباط، واقتفاء لمنهج السلف الصالحين، مراعاة لمستويات وأحوال الحاضرين. والرابع من الأمور المهمة في واجبات الإمام الداعية التفاعل النشط، والإيجابية المستمرة في الحضور الدعوي في مسجده من موعظة صادقة، وقراءة نافعة، ومحاضرة قيمة، ودروس مفيدة، وعرض نشرات علمية موثقة، او فتاوى معتبرة، او لقاءات خيرة، أو دورات توجيهية أو علمية متخصصة، أو التنسيق في تنظيم محاضرة أو دروس أو إعداد مسابقة علمية مناسبة، او توزيع كتيبات ورسائل توجيهية مفيدة. والميدان الخامس في مجالات الإمام الداعية على مائدة القرآن، وظلال السنة بترتيب الدراسة المهيئة والمنتظمة لتحفيظ القرآن، ومتون الأحاديث، لصغار السن وكباره، وللطلاب والعامة، كل فيما يناسبه من الكتب والمنهج ولا سيما في تعليم العامة تلاوة الفاتحة وقصار السور، وبيان معانيها. وقد يكون لتحقيق هذا الهدف بطريق أيسر، ووسيلة أسهل، وبعمل أنجح، اجتماع عدد من أئمة المساجد في حي أو أحياء متقاربة لاختيار احد مساجدهم المناسبة موقعاً وخدمات وتخصيصه مكاناً للدراسة، ونقل الطلاب في وسائل مناسبة من المساجد الأخرى، ويتولى القيام بمهمة الإشراف على الدراسة جميع أئمة المساجد المختارة في الحي، وإسهامهم جميعاً في إنجاح المشروع مادياً وعلمياً وإدارياً. والأئمة نحسبهم جميعا مجتهدون في الخير، حريصون على النفع والإفادة ولكن من المعروف بالقطع واليقين تفاوت ائمة المساجد علماً وفقها، ونشاطاً وضعفاً، وعناية واهتماماً، وهذا التفاوت يوجب النظر في أمور منها: 1 توقي الفتوى، والحذر من القول على الله بغير علم، لأن أئمة المساجد مقاصد الناس، وموارد المستفتين، فيحذر الإمام من هلكته، ولا يتكلم إلا بما يتيقن علمه، ويقطع صوابه. 2 الإسهام في واجب الدعوة، والعناية بإحياء رسالة المسجد، بما يناسب أهله ومن حوله بالقدر المستطاع، ويبعد عن السلبية القاصرة والمتعدية أداء للأمانة، وتعاوناً على الخير، ونصحاً للدين وأهله. 3 اتخاذ الوسائل المناسبة في منع الإزعاج في المساجد او اصطحاب الاطفال غير المميزين ممن لايفهم الخطاب ولايرد الجواب. 4 التعاون في تهيئة المسجد ونظافته، وتجديد فرشه، وصيانة آلاته، لأن هذا مما يُعين على الطاعة، والخشوع في الصلاة، والرغبة في المكث في المساجد. والوزارة لها جهود متضافرة ومناشط متتابعة في كل فروعها الثلاثة عشر من دورات للأئمة، واجتهاد في الاختيار والترشيح وتوجيهات وتعاميم، وعناية متميزة بتحقيق المقاصد الشرعية، وهي نحسبها ترحب بكل تعاون جاد، وإسهام خير. ولمعالي الوزير وفقه الله اهتمامه الأعظم، وعنايته القصوى في الرقي بقطاع الدعوة والمساجد، ورعايته لمناشطها في كل مناطق المملكة. والأمل معقود بعد الله عز وجل في تحقيق مزيد من التعاون المثمر، والإسهام المبارك في قطاع الدعوة والمساجد، بوقف جار أجره، أو علم نافع أثره، أو رأي مفيد طرحه.