في أمسية وفاء جميلة اعتاد مهرجان الجنادرية منذ سنوات على تفعيلها كل عام، كرم المهرجان مساء أول أمس الأديب الاستاذ عبدالكريم الجهيمان كشخصية العام الثقافية السعودية ضمن ندوة تكريم أدارها الزميل الأستاذ ابراهيم بن عبدالرحمن التركي رئيس القسم الثقافي بالصحيفة، وشارك بها الاستاذ عبدالله بن ادريس رئيس النادي الأدبي بالرياض ود, معجب الزهراني ود, عبدالله العبدالمحسن والأستاذ عبدالرحمن السويداء والاستاذ محمد القشعمي. ألقى مدير الندوة الاستاذ ابراهيم التركي في البداية كلمة قال فيها: إذا سقطت شجرة في غابة ولم يرها أحد فلن يسمع لها صوت! منطق ساد في زمن العتمة ولايزال في زمن الإشراق منطلقاً من رؤية بثها أحد الفلاسفة السياسيين الاثينيين وهو بيركليس في مقولة متساوقة مع لغة الواقع التي تفترض صوتاً صاخباً للإعلام بعمل، أو التنويه عن إنجاز,,! إن بيركليس ينفي أي تميز حين يبقى داخل حدود ضيقة فلا يعرف به كثير من المتابعين، وإذن فسقوط الشجرة دون ان نحكم على ذلك سلباً أو إيجاباً لايمكن ان يعادل الإعلان عنها ، أو الإعلام بها، وفي الإطار نفسه فإن تحقيق التفوق العلمي والبحثي والإبداعي وما يشابهها لاقيمة له ما لم يبلغ الناس ويعرفوا عنه! الصامتون بهذه الرؤية لا مكان لهم في دنيا الضجيج التي تفترض تظاهرات قولية وفعلية مصاحبة لما يحدث بعيداً عن المدى الوادع الواعي بقيمه أو أهميته! ولعل هذا التوجه المعكوس سيجعلنا نحكم على نتاجات رديئة مثلاً بالأفضلية لأن أصحابها نجحوا بطرقهم في حشد أكف تصفق لها، بينما تتوارى إلى الخلف عطاءات مورقة لم تسعد بتطبيل وتهويل ، ومشكلة هذا التوجه تناسيه محكمة الزمن المحايدة التي ستصدر قراءتها ذات عدل لتتحقق المعادلة الناضجة في عدم إضافة أي رقم إلى الطرف المقابل فالواحد ليس اثنين ، ومحصلة جمعهما ثلاثة لا أربعة ولا عشرة ، والخلاصة النهائية رهن بالتوافق مع التجرد والتجريد . وفي زمن الشفافية لم تعد تخفى شجرة سقطت أو سمقت، ونجمة لاحت أو غابت، ومشروع امتد أو انكمش، وفكرة لَمَعَت أو لُمِّعَت! كان المفتتح لهذه المقالة عبارة (بيركليس) وقد سارت بنا نحو النفق وكان حقنا أن ننطلق معها إلى الأفق فالشجرة منطق والغابة موقع والسقوط فعل أو ردفعل ، ونحن حضوراً أوغياباً فاعلون إذا لم نمنع أو كذلك إذا لم نزرع ! هل نقف أمام هذه اللوحة أم نقرأ في خلفياتها حيث العمل الهادىء إيقاع متحرك، وحيث الملموس و المحسوس لغة من لغات أخرى تختفي وسط دوائر الدعاية ! إن الجودة شعار مهم للحكم على فاعلية العمل ولن يشفع للرداءة ان تغلف ب التمويه و التجميل فليس جميع ما يلمع ذهباً، و ماكل بيضاء شحمة ! ولن يكفي لتأكيد الريادة أن يحمل المرء شهادة أو يتسنم منصباً أو يحوز لقباً ، كما لا يعني الشكل مضموناً إلا بمقدار ما يبرز أمام ذلك كله من روح متوثبة للعمل باستقامة وثقة، ولا فرق هنا بين مفرد و مثنى و جمع أو بين هيئة و مسؤول وعاملين ! وجماع الموضوع عمل بضمير من أستاذ جدير يتقدم هذه الندوة المضيئة التي نحتفي خلالها به فيئاً وارفاً مد وأمد، وعاش قرابة القرن لم يهن، ولم يرتهن وها أنتم كما نحن في منتدى لتكريم الكريم أستاذ الجيل عبدالكريم بن عبدالعزيز الجهيمان! ( شاعرية الجهيمان) ثم بعد ذلك تحدث الأستاذ عبدالله بن ادريس حول (الجهيمان شاعراً) فذكر ان الجهيمان عرف لدىالناس عامة بأنه كاتب اجتماعي وعرف كذلك بأساطيره الشعبية، ولكنه لم يكن يعرف بأنه شاعر وبأن لديه ديوانا شعريا وحيدا يحمل عنوان (ذكريات من باريس) احتوى على بضعة عشر قصيدة مختلفة. وقد أسهب ابن ادريس في الحديث عن تجربة الجهيمان الشعرية من خلال قراءة (انطباعية) لبعض قصائد الديوان المتنوعة، وقد قرأ على الجمهور بعض القصائد التي حفل بها الديوان للتأكيد على شاعرية الجهيمان وتميزه في هذا الفن الأدبي بل اختتم حديثه بوصف الجهيمان (شاعر كبير)! ( الكتابة الإصلاحية ) أما د, معجب الزهراني فقد ركز حديثه حول الكتابة الإصلاحية لدى الجهيمان، واصفاً إياه بأنه ينتمي للجيل الثاني من المثقفين السعوديين الذين واصلوا تنمية الخطاب الإصلاحي الذي بدأه الجيل الأول في منطقة الحجاز وقد ساعد انتشار التعليم ونشوء مدن جديدة وتطور تقنية الاتصالات على تفعيل هذا الخطاب الإصلاحي، والجهيمان حينما كتب لاحقاً في الصحافة استطاع ان يفعل هذا الوعي باتصاله بالخطاب الإصلاحي في معظم أطروحاته الصحفية, ثم أشار د, الزهراني إلى السمات البارزة في كتابات الجهيمان وحددها في ثلاث نقاط: أولاً: كتابات الجهيمان تتسم بالبساطة والشفافية بالخطاب، وانه كان يتجه إلى القارىء العام ويتحاور معه وكان من الكتاب الذين لاينطلقون من فكرة محددة بل يطرح أفكاره ويتحاور بعدها مع القراء. ثانياً: في كتاباته عامة تلحظ أفكاراً بارزة وقوة في الطرح بشيء من العقلانية أو الجرأة العاقلة، وأزعم أن هذه سمة في كتابات الجهيمان عامة وهو مثقف إصلاحي مبدئي، أي قد يصمت عن بعض أفكاره ولكنه لايتنازل عنها أبداً. ثالثاً: تطور الوعي لدى الجهيمان، ففي جميع كتاباته كان يخاطب القارىء بشكل عام ولم ترتهن بمواقف قبلية أو مذهبية, واختتم د,الزهراني حديثه بالقول: أزعم ان سيرة الجهيمان تكشف عن مثقف اصلاحي نزيه يخدم ذاته والآخرين وقد اكتسب قيمة ثقافية عليا في المجتمع. (الأساطير الشعبية) أما ورقة د, عبدالله العبد المحسن فقد حاولت الاقتراب بشيء من (الخجل) من تجربة الجهيمان في كتاباته حول الموروث الشعبي وخصوصاً كتابة (الأساطير الشعبية) حيث لم يتعمق في إبراز هذه التجربة المهمة لدى الجهيمان بل ظل يدور في حديثه حول اهتمامات بسيطة مثل (دوافع الجهيمان في جمعه لمادة كتابه، ووصف انتاجه بالثراء والتنوع,,,)!أما أبرز ما حفلت به ورقة د, العبدالمحسن فهو ملاحظته الدقيقة إلى ان هناك الكثير من المصطلحات العصرية التي امتلأت بها قصص (أساطير شعبية) وهي بالطبع لا تتلاءم مع الزمن الماضي الذي تدور حوله القصص! (الأمثال الشعبية) وقد خصص الاستاذ عبدالرحمن السويداء ورقته للحديث عن اهتمام الجهيمان بجمع الأمثال الشعبية وحفظ هذا الموروث الشعبي لبلدنا، فذكر ان الجهيمان امضى جل عمره في جمع الأمثال الشعبية وشرحها والبحث في مراجعها ثم اخرجها في عدة كتب تحتوي على عشرة آلاف من الأمثال الشعبية. وأبرز السويداء أهمية هذا العمل الجبار في حفظ التراث الشعبي حيث ذكر أن ما قام به الجهيمان والعبودي وغيرهما في جمع الأمثال الشعبية هو حفظ لتاريخ شعب الجزيرة العربية فكل مثل من الأمثال الشعبية له قصة أو حادثة مشهورة جعلت هذا المثل يبقى متداولاً بين الناس إلى وقتنا الحاضر. وقد أكد السويداء ان هناك العديد من الباحثين في الموروث الشعبي الذين حصلوا على درجة الماجستير أو الدكتوراه كانت أحد أهم المصادر الذين عادوا إليها في أبحاثهم هي كتب الجهيمان في هذا المجال. وفي نهاية حديثه أورد السويداء بعض الأمثال الشعبية المعروفة وغير المعروفة للجمهور الحاضر. (الصحافة والتعليم) تعرض الاستاذ محمد القشعمي في ورقته إلى تجربة الجهيمان في مجال الصحافة والتعليم، حيث بدأ حديثه منذ البدايات الأولى للجهيمان في الدراسة وتنقله بين مكة والخرج وباريس ورحلاته الأوروبية المتعددة ثم عودته للعمل في وزارة المعارف، ثم انتقاله لوزارة المالية وأصدر من خلاله مجلة خاصة بالوزارة، ثم ذهابه إلى المنطقة الشرقية وإصداره لجريدة (أخبار الظهران) وهي أول صحيفة تصدر في المنطقة ثم عودته للرياض مرة أخرى ليكتب بعد ذلك في مجلة اليمامة وجريدة القصيم، ومن ثم يعمل مع الاستاذ عبدالله بن خميس في مجلة الجزيرة وكانت مهمته تتحدد في إجازة المواد الصحفية وتصحيحها وتهذيبها لجعلها صالحة للنشر. وقد روى القشعمي بعض القصص النادرة للجهيمان سواء ما كان يتعلق بها بتجربته في التعليم أو تجربته الأكثر ثراء في الصحافة. ثم اختتم القشعمي حديثه قائلاً: يمكن القول ان مقالات الجهيمان كانت تعبيراً صادقاً عن الواقع الذي كان يعيشه المجتمع آنذاك.