الموت مصيبة، يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولانكتم شهادة الله إنا إذاً لمن الآثمين (المائدة 106). فكيف إذا كانت المصيبة مصيبة أمة في عالم من علمائها، وداعية من دعاتها، وإمام من أئمتها. بل وكيف إذا كانت المصيبة حلقة في سلسلة مصائب تتابعت على الأمة في أغلى كنوزها، وأثمن ثرواتها، وهم علماؤها. خلال عامين خسر المسلمون كوكبة من العلماء الأفذاذ، والدعاة المخلصين، وفي مقدمة تلك الكوكبة شيخ الجميع، ووالد الجميع، الإمام عبدالعزيز بن باز عليه رحمة الله . واليوم تودع الأمة شيخها الجليل، وعالمها المجاهد، فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين عليه رحمة الله الذي عرفته الأمة فأحبته، ووثقت به، واطمأنت لفتياه، والناس شهداء لله في أرضه. الشيخ الفقيد هو من هو في علمه، وفضله، وجهاده نحسبه كذلك والله حسيبه، ولا نزكي على الله أحداً ، ومنهجه في التعليم، والحرص على التبليغ تبليغا صحيحاً منهج متميز، لن ينساه تلاميذه الملازمون له، أو الحريصون على حضور دروسه في الحرم المكي الشريف، وفي غيره، فياله من صوت فقيد، صوت الحق، والأمر بالمعروف، والغيرة على حرمات الله، وعلى دينه,وحضوره المتميز في وسائل التبليغ النافعة، يعلم، ويفتي، ويعظ،ويوجه حضور لا ينسى، ولن ينسى. فغيابه خسارة عظيمة، ورزية كبرى. وحقا إنها لمصيبة من مصائب عظام، توالت على المسلمين عامة، وعلينا في هذه البلاد خاصة، ف إنا لله وإنا إليه راجعون . وإثر هذه المصيبة على الامة ان تحتسب شيخها الجليل عند الله، وأن تصبر، وتسأل الله الخلف، وأن تكثر الدعاء لشيخها وحبيبها رفع الله درجته، وأورثه الفردوس الأعلى، وأصلح عقبه فله علينا واجب عظيم جزاء ما قدم، وبذل، ونصح. وعلينا ألا نيأس، وأن نظن بالله خيراً، فهو أحكم الحاكمين، وله الحكمة البالغة، وإن له ما أعطى، وله ما أخذ، وكل شيء عنده بمقدار، ونسأله سبحانه ان يتغمد شيخنا بواسع رحمته، وأن يشمله بعظيم مغفرته، وأن يجبر مصابنا فيه، وأن يخلفه على الإسلام والمسلمين، فهوولي ذلك، والقادر عليه. وعلى العلماء الباقين الذين تقعد عليهم الأمة آمالها بعد الله عليهم أن يتقوا الله في أنفسهم، وفي الناس، فقد عظمت عليهم المسؤولية في تبليغ الدين، ومناصحة الولاة وحراسة الفضيلة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ومحاربة البدع، والوقوف في وجه أهل الشبهات والشهوات الذين لا يفترون عن تزيين الشر، ونشر الفساد. وعلى الشباب أن يحرصوا على ملازمة هؤلاء العلماء، والتواصل معهم، وتوقيرهم، والذب عن أعراضهم، ومؤازرتهم، ففي ذلك الخير، ونجاة السفينة بإذن الله . وعلى هؤلاء الناشئة الأخيار الذين اختاروا طريق العلم والدعوة أن يعدوا أنفسهم لحمل الأمانة، وذلك بالتزود بالعلم النافع، وإخلاص النية لله، والتأسي بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في منهجه، وخلقه، وشأنه كله، لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً (الأحزاب 21), ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين (فصلت 33). وهذه سنة الحياة الماضية، فطوبى لمن سعى في فكاك رقبته من النار كل نفس ذائقة الموت وإنما توفَّون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور (آل عمران 185). اسأله سبحانه أن يغفر لمن مات من علمائنا، وأئمتنا، وأن يجبر عزاءنا فيهم، وأن يوفق أحياءهم لما يحب ويرضى، وأن يزيدهم من البر والتقوى، ويسدد على طريق الخير خطاهم إنه سميع مجيب , والحمد لله رب العالمين. عبد الرحمن بن ناصر الداغري جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية