من أهم استراتيجيات الدول المستهلكة للطاقة وفي مقدمتها الدول الأعضاء في منظمة التنمية والتعاون والدول الصناعية الكبرى بما فيها الصين والهند تأمين إمدادات الطاقة وضمان استمرار تدفق مصادر الطاقة الداعمة لصناعاتها واقتصادياتها. فماذا تعني إستراتيجية أمن الطاقة وما هي المخاطر التي قد تأثر سلباً على هذه الإستراتيجية؟ وهل لأمن الطاقة بُعد إستراتيجي للدول المصدرة للبترول وفي مقدمتها الدول الأعضاء قي منظمة أوبك بما فيها دول الشرق الأوسط؟ الحقيقة أن مفهوم أمن الطاقة ظهر على السطح لأول مرة في بداية السبعينات من القرن الماضي عندما استخدم البترول كسلاح فعال وناجح في حرب 73 بين الدول العربية ودولة العدو الصهيوني وبدأت الدول الصناعية منذ ذلك الحين وضع إستراتيجية أمن الطاقة كأهم إستراتيجية وطنية تناقش على أعلى المستويات وتعطى أهمية قصوى من قبل حكوماتها المتعاقبة, ويصرف عليها ملايين الدولارات من خلال القيام بالدراسات والأبحاث ووضع وتنفيذ الخطط الداعمة لها. إن مفهوم أمن الطاقة بالنسبة لهذه الدول لا يعني فقط توفر كميات كافية من مصادر الطاقة بأسعار مناسبة على المدى البعيد (أكثر من 50 سنة), ولكن إمكانية الحصول على هذه الكميات من الطاقة بشكل آمن ومستمر بدون أي انقطاع مع إمكانية تعويض ما قد يتوقف لأسباب خارجة عن سيطرتها من خلال توفر سعة إنتاجية إضافية يمكن ضخها في السوق متى دعت إليه الحاجة. أما بالنسبة للدول المصدرة للبترول فهذا المفهوم يعني اكتشاف كميات جديدة من مصادر الطاقة المختلفة يضمن استمرار عملية التصدير على المدى البعيد, واستخدام التكنولوجيا المتطورة لزيادة الإنتاج وخفض تكلفة عمليات التنقيب والإنتاج, واستقرار أسواق مصادر الطاقة وعدم انخفاض أسعارها, وتوفر عوامل اقتصادية وسياسية عالمية تساعد على استمرار حاجة العالم لهذه المصادر, وتوفر سيولة مادية واستثمارات أجنبية لدعم عمليات التنقيب والتطوير الداعمة لإنتاجها. إن مفهوم أمن الطاقة يشمل الاستقرار الداخلي السياسي والأمني للبلاد المصدرة للبترول والذي يُعتبر من أهم العوامل المساعدة لأمن الطاقة, وأفضل مثال على ذلك ما يحدث بين الحين والآخر في نيجيريا والعراق من اضطرابات داخلية وعدم استقرار سياسي وأمني, الذي بدوره يؤثر سلباً على أمن الطاقة العالمي. كما أن الاستقرار الإقليمي للمناطق التي تتركز فيها عمليات إنتاج وتصدير مصادر الطاقة كمنطقة الشرق الأوسط وبحر قزوين وإفريقيا وأمريكا الجنوبية له الأهمية القصوى لدعم هذا المفهوم بما في ذلك البعد الجغرافي والمناطق التي تمر من خلالها إمدادات الطاقة. ولا ننسى كذلك البعد الأمني لعمليات نقل مصادر الطاقة من خلال أنابيب البترول والغاز المنتشرة في جميع القارات ومن خلال أيضاً ناقلات النفط والغاز المسال التي تجوب البحار والمحيطات وخطر القرصنة الذي ارتفعت معدلاتها في السنين القليلة الماضية. كما أن الاستقرار والنمو الاقتصادي للدول الرئيسية الصناعية المستهلكة لمصادر الطاقة يعتبر أحد العوامل الداعمة لهذا المفهوم والداعمة للنمو الاقتصادي للدول المصدرة للبترول, وما حدث في عام 2008م من كساد اقتصادي عالمي أكبر مثال على ذلك, حيث لم تزل آثاره السلبية على مفهوم أمن الطاقة وصناعة الطاقة العالمية حتى وقتنا الحاضر. كما أن هناك بُعد بيئي لمفهوم أمن الطاقة يجب على جميع الدول سواءً المنتجة أو المستهلكة وضعه في عين الحسبان في جميع خططها وذلك للحفاظ على البيئة والتخفيف من الآثار السلبية الناتجة عن إنتاج ونقل واستخدامات مصادر الطاقة المختلفة. فلا أمن للطاقة بدون بيئة صالحة لحياة الإنسان. من خلال هذه العوامل الكثيرة المؤثرة على مفهوم أمن الطاقة يتضح لنا أن هذا المفهوم له بُعد استراتيجي سياسي, أمني, اقتصادي, وبيئي للدول المنتجة والمستهلكة لمصادر الطاقة المختلفة على حد سواء. وأن مسؤولية أمن الطاقة لا تقع فقط على الدول المستهلكة بل تقع على عاتق الجميع لأن الكل إما مصدر للطاقة فهو مستفيد من بيعها, أو مستهلك للطاقة فهو مستفيد من استخداماتها الداعمة لاقتصاده.