بدأ الأمير بدر بن عبدالعزيز حياته المهنية قبل أكثر من نصف قرن تنقَّل خلالها بين العديد من المناصب، منها موقعه القيادي في وزارة المواصلات (النقل حالياً)، ولكن توليه منصب نائب رئيس الحرس الوطني كان المحطة الأبرز في تاريخه الوظيفي، وهو المنصب الذي ظهرت فيه مواهب الأمير الإدارية في دعمه ومساندته لأخيه الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي ظل محافظاً على علاقته المباشرة بالحرس الوطني حتى بعد توليه - حفظه الله - مقاليد السلطة في البلاد خلفاً للملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - عام 1426ه، وذلك للعلاقة المتينة التي تربط الملك عبدالله بالحرس الوطني رمز الفروسية والأصالة والحكمة في البلاد، وأحد الحصون القوية للأمن الوطني. كان يمكن أن يكون خبر إعفاء الأمير بدر من منصبه مثار لغط، إلا أن الأمير الجليل لم يترك الفرصة للمشككين، إذ لم يكن طلب الإعفاء عادياً، بل تقاطرت منها عبارات المهنية والإنسانية والوفاء التي تتفق مع شخصية وأحاسيس ملك الإنسانية، وكانت هذه الرسالة بمثابة الحجر الذي ألقم أفواه المتربصين ويبَّس الحبر في أقلامهم للنيل من قرارات الكبار، لم يسمح الطلب بإمكانه تأويله بحسب الأهواء وعلى غير وجهته السليمة.. لأن الأمير «البدر» كان شفَّافاً لا يتعالى على الواقع أو يتحرج من ذكر الحقيقة كما هي مجردة بلا رتوش وبلا مواربة، لقد اعترف لأخيه أنه لا يستطيع مواصلة العمل وقال في رسالته البيضاء: اليوم يا سيدي - حفظكم الله - وبكل الحب الذي يجمعنا أستعطف مقامكم الكريم إعفائي من منصبي «لظروفي الصحية التي تعلمونها».. إنها كلمات القيادي المخلص الذي آثر أن يترك المجال لغيره لإدارة جهاز حساس ومهم بحجم الحرس الوطني، فالمسألة هنا تتعلق بالوطن الكبير الذي أعطاه الأمير بدر ذوب نفسه وشبابه وصحته، وقد عبر عن ذلك في تلك الرسالة العميقة بقوله «سيدي: تعلمون - حفظكم الله - بأنني أفنيت عمري طاعة لله ثم لكم، خدمة لديني ثم مليكي ووطني».. إلى أن قال: «ولتعلم يا سيدي وشقيقي ومليكي بأنني خادمك بالأمس وخادمك اليوم ما حييت»! لقد آثر الأمير بدر الذي ظل يعمل طوال نصف قرن بصمت وحكمة العقلاء.. آثر أن يواصل عطاءه الوطني وإخلاصه بطريقة أخرى أعمق وأجدى نفعاً عندما أدرك أن مواصلة عمله لن تكون بالعائد نفسه في حال تركه المجال لقيادات شابة ليست غريبة عن هذا الجهاز الناجح، المتمثلة في شخصية الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز. لقد مررنا بدرس إداري غاية في الأهمية والأصالة، بدءاً بإقدام الأمير بدر بن عبدالعزيز بكل شجاعة على طلب الإعفاء، مروراً بالطريقة التي اختارها ليقنع ملك الإنسانية بها، وصولاً إلى الموافقة الملكية على الطلب، ثم اختيار الشاب الفارس متعب ابن القائد الفارس حفيد آخر الفرسان العرب ليواصل المسيرة والقيام على شئون الحرس الوطني. سوف تكون رسالة الأمير بدر الوثيقة الإدارية الوطنية الأبرز في تاريخ الحرس الوطني التي يجب أن تعلَّق على كل زوايا الوطن لأنها كشفت سر إعفاء «البدر» من منصبه!