يقف على باب مبنى هيئة حقوق الإنسان حارس سعودي يعمل ستة أيام في الأسبوع على مدى ثماني ساعات يوميا بأجر شهري 2200 ريال أي حوالي 10 ريالات في الساعة، أي أقل قيمة من سعر كأس قهوة سوداء (وهذا الحارس محظوظ لأن غيره من الحراسات يعمل بأقل من 1800 ريال). وخارج المبنى وقف سائق التاكسي الأجنبي الذي سلب من المواطن مهنة محلية صرفة، فأصبحت أرزاق المواطنين المحليين نهبة لملاك شركات الليموزين. فالتاكسي عمل من لا عمل له وهو ملجأ رزق المطرود من عمله والعاطل الموعود والمضطر المنكوب. وقد جمعني منذ مدة لقاء على غير موعد مع معالي رئيس هيئة حقوق الإنسان وشرح لي صعوبات التعامل مع الثقافة السائدة وفهم الناس لدور الهيئة حيث خلُص - متفائلاً أو متشائما، لا أدري- بأن الهيئة لا يمكنها أن تعمل كما يجب حتى تتغير الثقافة العامة. ولا أعتقد أن معاليه يقصد أنه سينتظر حتى تصبح ثقافتنا مُدركة لمعنى حقوق الإنسان، فهذا يحتاج إلى أجيال عدة. فلم لا تجد هيئة حقوق الإنسان لنفسها عملا، إذ لم تستطع أن تجد لها عملا يفهمه المجتمع في الوقت الحاضر، فتساهم في بناء ثقافة عمل إنسانية، فتُحيي على الأقل قوانين ومبادرات إنسانية اجتماعية قُتلت بدم بارد ودُفنت بصمت مريب على أيدي جشعين أنانيين من بعض المسكوت عنهم من الذين لا يهمهم من الوطن إلا الاقتيات عليه وعلى وظائف ورواتب أبنائه الضعفاء. أخبرني من لا أشك في صدقه من الفضلاء أنه كان أحد أعضاء لجنة وضع نظام الحراسات، وأن النظام قد صُمم على أن يكون الحارس سعوديا وألا يقل راتبه الشهري عن 5000 ريال سعودي. وعند تطبيق النظام، حضرت خصوصية المجتمع السعودي، فتدهور راتب الحارس حتى وصل في بعض الشركات الأمنية إلى 1200 ريال شهريا. وأما هدف سعودة التاكسي فقد بذلت جهود كثيرة لتحقيقه، أجهضت كلها على أيدي الجشعين وبمباركة من المحبطين والاتكاليين والأفلاطونيين. تحقيق الحد الأدنى من الأجور للطبقة الفقيرة من المجتمع هو حق من حقوق الإنسان، كما أنه يصب في صالح الهيئة ويخدم أهدافها الإنسانية النبيلة ويساهم في بناء الثقافة الإنسانية الراقية في المجتمع السعودي والتي يتطلع إليها معالي رئيس الهيئة لكي ينطلق في طموحاته التي يحلم بها. حقوق الإنسان فكر إنساني راق، جديد على ثقافة البلاد، فلا نريد من هيئة حقوق الإنسان أن تقف جامدة كالوقوف السلبي للخطاب الديني تجاه ثقافة العمل التي تتأسس وتتشكل الآن في بلادنا فبناء هذه الثقافة مسئولية جماعية مشتركة كلٍ يجب عليه أن يرمي بها بسهم. أنا أؤمن بالصعوبات التي تواجهها الهيئة ولكن أؤمن أن الهيئة تستطيع تحقيق بعض النجاحات السريعة والملموسة لكي تؤسس لها موقع قدم صدق في المجتمع السعودي، يعينها على مهامها الإنسانية. وفي تصحيح وضع الحراسات والتاكسي مجال مأمول نجاحه، فقد مهد لها الطريق من قبل قوانين ومحاولات عدة وضعها وقام بها مسئولون مخلصون لهذه البلاد. ثقافة العامل السعودي الرخيص، ثقافة تسللت إلينا مع استقدامنا للعمالة الرخيصة من الدول الفقيرة والمتأخرة اقتصادياً واجتماعياً والتي تنعدم فيها حقوق الإنسان. تلك دول بدأنا نحذو حذوها في ضعف تكافلها الاجتماعي وفي انخفاض وسوء إنتاجيتها وفي ضحالة ثقافتها بشكل عام. فهذا من ذاك، فمن كانت تلك الدول قدوته كان حصادها حصاده. إن مما سكت عنه إن عدم الاكتراث بالحاجات الإنسانية للمواطن التي تنوعت وكثُرت في عصرنا الحالي والتي تتطلب حدا أدنى من الدخل، هو في حقيقته إهمال لإنسانية الإنسان وبخسه في حقه أن يعيش كريما على أرض وطنه. ومتى لم يكترث المجتمع لأفراده لم يكترث أفراده له.