لا نريد صدقة بل أجراً كريماً على عمل). حكمة وحقيقة مؤلمة ألقاها على سمعي، واخترقت فؤادي، أبٌ لم يستجب لتوسلات ابنته الصغيرة التي اشتهت آيسكريم بأربعة ريالات. توسلت إلى الرجل ليقبل الآيسكريم هدية مني فرفض وقال: لا نريد صدقات، نريد أجوراً كريمة على عملنا، راتبي 1800 ريال وماذا تفعل الألفين والثلاثة. إن مجتمعا يقبل بأن يعجز أب عامل عن شراء الآيسكريم لابنته بينما يدعو تجاره إلى الصدقة على العاطل، هو مجتمع قد انقلبت موازينه ويسير في النفق المؤدي إلى البطالة والاتكالية. نعم، لا نريد تاجراً تقياً ينفق فضل ماله على الصدقات والتبرعات، بل تاجراً أميناً قوياً ينفق فضل ماله على أبناء وطنه العاملين عنده، فالأقربون أولى بالمعروف. قال عليه السلام «من سيدكم يا بني سلمة؟» قلنا: الجد بن قيس، على أنا نبخله. قال: «أي داء أدوى من البخل! بل سيدكم عمرو بن الجموح» فيا سيدي التاجر الصالح الغيور على دينه ووطنه الذي أعطاه الكثير، نحسبك والله حسيبك أنك من التجار الصالحين الكثيرة صدقاتهم ذي الطول في الخير ونفع الوطن: لم لا تُجدد مفهوم الصدقة وعمل الخير فتجعل جزءاً منها في وضع حد أدنى لأجور السعوديين الذين يعملون عندك في الشركات غير المساهمة. كن أنت يا سيدي (فالتاجر المنفق هو سيد قومه) من يسن السنة الحسنة في مجتمع العمل السعودي وأعلن على الملأ أنك لن تقبل بأن يتوظف عندك أي سعودي بأقل من 5000 ريال ويشمل ذلك الشركات التي تتعاقد معها، كشركات الأمن والحراسة التي تعطي الحراسات من 1200- 1800 ريال، واحتسب في نيتك سراً ارتفاع كلفة العقود ونحو ذلك من الصدقات ومن زكاة أموالك التي لا تدخل ضمن الوعاء الزكوي المستحق لخزينة البلاد. يا سيدي، هناك في بلاد الفرنجة البعيدة مجتمعات قد تجاوزت احتمالية استغلال أبنائها في عمالة رخيصة لأنها تؤمن بإنسانية مواطنيها وتدرك أن العمالة الوطنية الرخيصة تُنتج مُنتجاً سيئاً وتخلق مجتمعاً مشتتاً تنعدم فيه روح التكافل وتسود فيه روح الأنانية والتحاسد. بل لم يكتف الغربي غير المسلم بذلك بل إن مجتمعاته تقاطع بضائع المنتجين إن علموا أنه يوظف عمالة رخيصة في بلاد تقع وراء بحارهم. وهناك يُقبل أفراد ذلك المجتمع الغربي الإنساني على شراء البضائع المرتفعة الكلفة إن نجح التاجر عندهم في بناء سمعة له بأنه لا يستغل العمالة الرخيصة الضائعة حقوقها في بلاد خارج حدود بلادهم. {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ}، يا سيدي التاجر الصالح إن تفعل فتكن من الأوائل الذين يسنون هذه السنة الحسنة فو الله ليخلدن اسمك في الدنيا والآخرة، وستذكرك الأجيال والوطن بالمحامد والثناء وستزيد الإنتاجية عندك، وسيقبل المواطنون على الشراء من بضاعتك وستعمل على تأسيس ثقافة عمل سعودية ستنافس مستقبلاً ثقافة العمل في سويسرا وألمانيا وأمريكا. يا سيدي هي لبنة تضعها أساساً لهذه الثقافة تتبعها لبنات من تجار صادقين سرعان ما يقلدهم المتأخرون لأنهم سيدركون أن الممتنع بعد ذلك سيصبح نكرة في المجتمع وينبذه المواطن، سواء أكان موظفاً أو زبوناً. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، إن مما سكت عنه أن هذه المبادرة قد عرضتها على تجار أحسبهم من أهل الفضل والكرم من أهل الحجاز ونجد ومن شرق البلاد وشمالها وجنوبها فوجدت لها صدى واعداً وحماسة مبشرة بخير، فإن حصل وفعلها تاجر أو اثنان وثلاثة فالله الله من مساندتهم بعد ذلك بالخطاب الديني والإعلامي بتشجيعهم والذود عنهم من اتهامات المتواكلين والعاجزين والجشعين من أجل أن نبني مجتمعاً متطوراً بعيداً عن ثقافة مجتمعات أدغال إفريقيا ومخاوف آسيا ومجاهل روسيا.