كنت أعتقد أن التطبيل لنظرية ذروة إنتاج البترول قد توقف بسبب ثبوت فشل هذه النظرية عملياً ونظرياً وتاريخياً, وبسبب خطرها الكبير على الاقتصاد السعودي والعالمي على المدى المتوسط بسبب تنبؤاتها الخاطئة بقرب نضوب البترول وقرب دخول العالم في نفق مظلم خالٍ من الطاقة البترولية. ولكنني تفاجأت مؤخراً بقراءة مقال نشر في إحدى الصحف السعودية يعيد التطبيل لهذه النظرية المفلسة والتمجيد لمبتدعيها والجمعية التي تتبناها مع رغبة الكاتب بالترحم وقراءة الفاتحة على روح من مات منهم وفي مقدمتهم قائدهم الروحي ماثيو سيمونز. للمعلومية: ظهرت هذه النظرية للوجود بعد آثار أزمة النفط عام 1973م عندما أوقف الملك فيصل رحمه الله تصدير البترول تضامناً مع الدول العربية في حربها مع دولة العدو الصهيوني حيث طرح الغرب نظرية تتنبأ بالإنتاج المستقبلي للبترول تستخدم نظرية إحصائية غير علمية وضعها الجيولوجي الأمريكي كينق هيوبرت في الخمسينات من القرن الماضي، مفادها أن إنتاج الزيت العالمي سيتبع منحنى على شكل ناقوس، وسيبلغ ذروته عندما يتم إنتاج نصف الاحتياطيات العالمية من الزيت ومن ثم ينحدر الإنتاج بشكل شديد يصعب على الدول المنتجة تلبية الطلب العالمي. تطورت هذه الفكرة إلى أن أصبح لها جمعية عام 2000 م أسسها بعض العاملين في البنوك الدولية المُمولة لمشاريع النفط يطلق عليها اسم آسبو تتحدث عن قرب نضوب البترول وقرب انخفاض الإنتاج العالمي للبترول. تبنت هذه الجمعية فكرة التشكيك في الاحتياطيات المعلنة من قبل الدول والشركات المنتجة للبترول وتنبأت أن تاريخ وصول إنتاج البترول العالمي إلى الذروة سوف يكون عام 2010 م الذي لم يحدث فبدأت التحدث عن عام 2021م كعام وصول العالم لذروة الإنتاج البترولي. لا أحد يخالف هذه الجمعية كون البترول سلعة ناضبة وسوف تنتهي في المستقبل, وأن الإنتاج العالمي سيصل إلى الذروة يوماً ما, ولكن ما نختلف عليه هو تحديد هذا التاريخ ونظرية الانحدار الشديد في الإنتاج بعد الوصول إلى إليه. فدعونا ننظر إلى الحقائق والأرقام التي تدحض هذه النظرية الفاشلة: تشير تقارير احتياطيات البترول العالمية (انظر إلى الرسم البياني المرفق) إلى ارتفاع احتياطيات العالم البترولية خلال ال30 سنة الماضية من 667 إلى 1333 بليون برميل بالرغم من ارتفاع إنتاج البترول العالمي خلال هذه الفترة إلى إنتاج إجمالي أكثر من 757 بليون برميل. بمعنى آخر, استطاعت صناعة البترول العالمية (حتى الآن) إنتاج أكثر من 100% من احتياطياتها لعام 1980م واكتشاف ضعفها من خلال الجهود الجبارة التي قادتها شركات النفط الوطنية والعالمية لتطوير تقنية صناعة وهندسة البترول والتنقيب مما أدى إلى اكتشاف حقول جديدة وزيادة نسبة استخلاص البترول من الحقول المنتجة والحقول الجديدة. هذه الأرقام المعلنة من قبل بعض المنظمات والشركات الدولية تدحض هذه النظرية وتضع المطبلين لها في نفس النفق المظلم الذي ابتدعوه اعتمادا على نظرية أكل عليها الدهر وشرب, فأصبحوا مفلسين يلعبون بورقة التشكيك بهذه الأرقام بدون أي براهين. إن عملية تقييم احتياطيات البترول وعملية الإنتاج تتبع قوانين فيزيائية معروفة لدى مهندسي البترول والتنقيب, يتم محاكاتها بدقة متناهية بواسطة كمبيوترات فائقة السرعة واعتماداً على نتائج حقيقية لاختبارات أجريت على الآبار الاستكشافية لحقول البترول. فالمقارنة بين هذه الطريقة العلمية الصحيحة وهذه النظرية المفلسة غير وارد على الإطلاق, حيث إن نسبة الخطأ في تحديد تاريخ ذروة البترول اعتمادا على هذه النظرية المفلسة قد تصل إلى 100% مقارنةً بالطريقة العلمية المستخدمة من قبل شركات البترول العالمية. فالمضحك والدليل على هذا: أن تاريخ الوصول إلى ذروة الإنتاج المعلن من قبل جمعية أسبو أصبح تاريخاً متحركاً يزيد كل سنة اعتمادا على معلومات جديدة واكتشافات نفطية جديدة. لقد سبق لي الكتابة عن فشل هذه النظرية في عدة مقالات وقلت حينها إنني لا أشكك في حب هؤلاء الكتاب لهذا الوطن وحرصهم على الحفاظ على ثرواته النفطية واستقرار اقتصاده القائم على هذه الثروة النفطية وحرصهم على بقائها للأجيال القادمة, ولكنهم مجتهدون خاطئون بسبب عدم خبرتهم وبعدهم عن تخصصات هندسة البترول والتنقيب الضروريين لأي فتوى في هذا المجال. وإن كان هدفهم الحفاظ على الثروات النفطية للأجيال القادمة, فيجب طرح هذا الهدف الإستراتيجي بطريقة صحيحة ومباشرة, فمبدأ وقرار زيادة الإنتاج من عدمه يعتبر قرارا سياسيا واقتصاديا بحتا ليس له علاقة بهذه النظرية الخاطئة وهذه الجمعية المفلسة.