يعتبر الوسواس القهري من أمراض اضطرابات القلق الشديد، وهو عبارة عن فكرة مسيطرة وملحة تسلطية تستحوذ على المريض ولا يستطيع منعها أو مقاومتها، مع أنه يعلم تماما أنها فكرة سخيفة وغير منطقية ومن بنات أفكاره، وقد يستجيب بفعل منها بترديد هذه الفكرة أو الأفعال، مما يرهق المريض ويجعله في إعاقة حقيقية عن حياته الطبيعية، والقاعدة الطبية النفسية تقول إن المرض لا يكون مرضا إلا إذا أضر أو أعاق صاحبه أو غيره. وتعتبر نسبة انتشار الوسواس القهري متساوية بين الذكور والإناث وهو يصيب ما بين 2- 3% من إيناس، ولا يمكن اعتبار الفكرة أنها وسواسية إلا إذا تحققت لها عدة شروط منها.. أن يشعر المريض بأن الفكرة تحشر نفسها في وعيه وتفرض نفسها على تفكيره رغما عنه، وتنشأ من رأسه هو وليست من مؤثر خارجي، وأن المريض يوقن بأن هذه الفكرة غير معقولة وغير صحيحة وأنها سخيفة والمريض دائما يحاول جاهدا مقاومة الفكرة وعدم الاستسلام لها، وأخيرا إحساس المريض بسيطرة هذه الفكرة وقسوتها القهرية عليه، فكلما قاومها زادت إلحاحا عليه، فيقع قي دوامة من التكرار الذي لا ينتهي، وبالتالي تعيقه عن أداء حياته اليومية بشكل طبيعي. والوسواس القهري يأتي في صورة أفكار أو اندفاعات أو صور أو أفعال وغالبا لا يشعر المريض بأنه مدفوع إلى تأديتها استجابة لهذا الوسواس، ولكنه يدرك بأنها زائدة عن الحد أو غير معقولة أو تعيقه عن حياته العادية الطبيعية وسأذكر هنا أمثلة للوسواس القهري من خلال شكوى المرضى كالآتي: - في الإناث قبل الزواج مثلا.. هناك وسواس أنها ليست عذراء وليست بكرا وأن غشاء البكارة قد أصابه ضرر، وهذه الفكرة تسيطر عليها ولا تستطيع منعها مهما قاومتها، مع أنه لم يمسسها أي رجل، وأنها صاحبة خلق ودين ولا تخالط الرجال أبدا. - وسواس الوضوء.. وفيه يشك المريض بأن وضوءه لم يتم بشكل صحيح، وأن الماء لم يصل إلى اليد أو القدم بشكل صحيح وبأنه لم يحسن الوضوء، فيتكرر ويكرر بشكل مرضي يعود ليتوضأ من المغرب إلى العشاء ولم ينته أو من الظهر إلى العصر ولم ينته. - وسواس الصلاة.. وهي تنقسم إلى مراحل، منها وسواس في النية، فيكرر النية بصورة مبالغ فيها، فيجلس نصف ساعة في النية وفي تكبيرة الإحرام في قول الله اكبر، فيرفع صوته ويعيدها ليسمع نفسه ويتأكد أنها قيلت بشكل صحيح، ويعيد ويكرر ولا يرتاح إلا إذا أعادها، ويكرر هذه الفعلة مرات ومرات ويتأخر كثيرا بالساعات، وكذا في التشهد يشك بأنه لم يقولها بشكل صحيح ويعيد ويكرر ثم يشكك فيها مرة أخرى، ويعيد ويكرر. - وسواس القتل.. مثلا سأذبح ابنتي وسأقتل زوجتي وسأقتل ابني، وسوف أؤذي ابني أو ابنتي، ويخاف أو تخاف من وجود السكين أمامه أو أمامها في المطبخ مثلا. - وسواس الأفكار الدينية.. فيما يتعلق بالمريض المسلم تأتي له أفكارا كأنه كافر أو أن صلاته غير مقبولة أو أنه يسب الرسول أو الذات الإلهية، أو من خلق الله، أو أنه ملحد أو أنه طلق زوجته. - وسواس الحسد.. فتتسلط عليه فكرة (أنا أحسد الآخرين) أو (أنتم ستحسدونني قولوا ما شاء الله) ولا يرتاح إلا إذا رد عليه من يوجه له الحديث بما يريد. - وسواس الترتيب، ووسواس النظافة، ووسواس غسل اليدين، ووسواس التلوث والنجاسة، ووسواس المال، ووسواس الصحة، وسواس الجنس، ووسواس التأكد من إغلاق النوافذ والأبواب. وختاما نريد أن نوضح للقارئ العزيز بأن هناك فروقا واختلافات جوهرية بين الوسواس القهري كمرض وبين وسواس الشيطان وبين وسوسة النفس العادية.. وهي التي لا تسبب للمريض أي قلق أو إزعاج، قال تعالى (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) صدق الله العظيم، وفي المقالة القادمة بإذن الله سنوضح هذه الفروق والاختلافات.