سعادة رئيس تحرير جريدة الجزيرة الغراء الأستاذ خالد المالك -حفظه الله-.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. قرأت ما كتبته الأخت ناهد سعيد باشطح في زاويتها «مسؤولية» في عدد الجزيرة 13872 يوم الثلاثاء 12-10-1431ه مقالها بعنوان «هل نستطيع أن نضحك بسلام».. والذي بينت فيه جدوى الضحك في معالجة الأمراض النفسية، وختمت المقال بمأخذها على الثقافة العربية أنها لا تؤمن بالضحك، وأن أمثالنا العامية تقول «الضحك من غير سبب قلة أدب» والعرب قديماً قالت: «من كثر مزحه قلت هيبته». وأحب أن أعلق على هذا المأخذ بأن الثقافة العربية والإسلامية عموماً على عكس ما وصفتها بها الأستاذة ناهد، فقد كانت تؤمن إيماناً قوياً بالضحك وجدواه على حياة الإنسان، بل وتحث عليه وترغب به، ويكفي أن الحديث المأثور يقول: «ابتسامتك في وجه أخيك صدقة»، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم مزاحاً ضحوك السن، وكانت العرب إذا أرادت أن تمدح أحداً وصفته بأنه «بسام» و»طلق المحيا» و»متهلل الوجه»، بل إن الحديث في هذا فائض يمكن أن يرجع فيه إلى مظانه من كتب الأدب العربي وعلى رأسها كتاب «البخلاء» للجاحظ. ولكن الذي جاء بأمثال عربية مثل التي ذكرتها الأستاذة ناهد في المقال، هو التزمت وضيق الخلق، والوقار الزائف الذي يصطنعه أولئك الشكاؤون المتذمرون دوماً والجادون جداً مقيتاً في طرح قضاياهم، وأولئك الذين أدخلوا على الثقافة الإسلامية والعربية ما عقد الحياة وضيقها من جميع جوانبها، وهم الذين همشوا أصحاب الفكاهة والنوادر وجعلوهم على هامش الحياة، سواء في ذلك المتشددون في الدين أو غيرهم. إن الحياة جميلة، ولقد زادت ثقافتها الإسلامية من خلال أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم وأحاديثه في الابتسامة ولطف المعشر وحسن الخلق من جمالها، وزادت ثقافتنا العربية كذلك من خلال كتب الأدب الضاحك والطرائف والنوادر من متعتها، بل إن العرب كانوا يدركون فائدتها النفسية على الإنسان كما يحدثنا الجاحظ بذلك. وأما الأمثال العامية، فإن الذي قال: «الضحك من غير سبب قلة أدب» هو الذي قال: «اضحك تضحك لك الدنيا»، وهو الذي قال: «ابتسم تبتسم لك الحياة»، على أن هذه الأمثال قيلت في ذم الضحك بسبب الإكثار والإفراط وعدم وجود ما يدعو إليه. إني أرجو مع الأخت ناهد أن نرى عيادات نفسية متقدمة تعالج المرضى النفسيين بالضحك، وتستثمر فيها قدرات أولئك الذين وهبتنا إياهم الحياة ليرسموا الابتسامة على شفاهنا وينتزعوا الضحك منّا انتزاعاً.