شددت أستاذة الأدب في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الدكتورة هيفاء الفريح، على أن كتاب «البخلاء» يعد المنطلق الذي شكَّل صفات شخصيات الجاحظ في ذلك الكتاب مثل التشاؤم وسوء الظن، والصراع بين الشهوة والبخل، وتفضيل المال على الولد، وغيرها من الصفات المتولدة من شعور الخوف الذي يسكن البخيل خشية فقد المال أو نقص دراهم معدودة منه. جاء ذلك في ورقة بعنوان «تيمة الخوف وتشكيلها لشخصيات بخلاء الجاحظ» قدمتها مساء الأربعاء الماضي، في الملتقى الثقافي، الذي يشرف عليه الناقد الدكتور سعد البازعي، في جمعية الثقافة والفنون بالرياض. واستعرضت الباحثة خلال اللقاء، كتاب «البخلاء»، وحللت طريقة الجاحظ الراصدة للبخلاء، وتقديمه لهم، من خلال استعراض قصص عدد من مشاهير البخلاء من العرب وغيرهم، نافية أن يكون تأليف الجاحظ للكتاب موجهاً للفرس، مشيرة إلى أن البخل لم يقتصر عليهم، وإن كان قد خص أهل مرو. وقالت إن البخل أصبح علماً يدرس كما عند المسجديين، موضحة أن البخلاء لا يخجلون من إظهار بخلهم، لكن يسيطر عليهم الخوف من التبذير وإتلاف المال. وقالت الفريح إن بقاء شخصيات الجاحظ في مخيلة قارئها ناتج عن اشتغال الكاتب بلغة الجسد وبآليات التواصل الاجتماعي والتفاعل التخاطبي بين البخلاء وجميع من لهم بهم علاقة ما؛ لذلك اتسم وصفه بالتعدد «تعدد النماذج» رغم أن الموضوع الذي انطلق منه واحد، وهو الخوف، مضيفة أن الجاحظ لم يهجُ البخلاء أو ينتقدهم، بل يرصد ظاهرة اجتماعية، معترفة أنها تأثرت به وتعلمت الاقتصاد منه، بعد أن كانت مسرفة. وبينت أن الجاحظ لا يبالي بأي شيء، حتى المقدَّس. وعرجت الفريح في حديثها على فنيّة الجاحظ في براعة تشكيل الخوف متبدياً في سلوكيات وملامح بخلائه عبر رصد إيماءاتهم وملامح وجوههم لحظة تغيرها عندما تبتلى بضيف أو متسوّل؛ مستشهدة بأكثر من نادرة مثل نوادر معاذة العنبرية وأبي علي الأسواري وأبي جعفر الطرسوسي. ثم حللت كيفية تقديم الجاحظ لها باختزال شديد مركز على اقتناص حركة أو كلمة أو حتى إشارة صدرت من بخيل بما ينبئ عن مهارة الجاحظ في رسم الشخصية للحدّ الذي فاوت في ردود أفعال الشخصيات مما يدل على أن شعور الخوف متفاوت حسب الشيء الذي سيفقده البخيل. وأشارت إلى أن لدى الجاحظ تحيزاً أنثوياً، مشددة على أن المرأة مغيبة منذ زمن في الكتابات العربية.