انكشف عنه بدا، أي زال وانكشف وهدى كل مسلك، يعني لون الشيب، فإنه يهدي صاحبه الى كل مسلك من الرشد والخير وشبه زوال سواد الشباب عن بياض المشيب بارتفاع الضباب عن ضوء الشمس. وقال الشاعر في قصيدة يمدح بها سيف الدولة لما ظفر ببني كلاب: ولو غير الأمير غزا كلاباً ثناه عن شموسهم ضبابُ يقول العكبري عن هذا البيت: المعنى: انه كنى بالشموس عن النساء، وبالضباب بالدفع عنهن، لأن الضباب يستر الشمس، ويحول عن النظر إليها. لقد أشار الشاعر في بيته الأول من أبياته الثلاثة السابقة الى الندى والطل، وقد ورد في لسان العرب لابن منظور: الطل الصفار القطر الدائم، وهو أرسخ المطر، ندى: ابن سيدة: الطل أخف المطر وأضعفه ثم الرذاذ ثم البَغش، وقيل: هو الندى، وقيل فوق الندى، وقيل: فوق الندى ودون المطر، وجمعه طلال، وذكر أبوالطيب في بيتيه الثاني والثالث الضباب، وبيّن ان الضباب يحجب ضوء الشمس، وهذا حقيقة لا غبار عليها. عندما تسطع أشعة الشمس على سطوح المسطحات المائية، فإنها ترفع درجة حرارة سطح الماء، ويؤدي ارتفاع الحرارة بالإضافة الى اندفاع الرياح وحركة الأمواج الى تبخر كميات كبيرة من مياه البحار والمحيطات,, ولكن الأملاح والشوائب تبقى في الماء دون تبخر, وسرعان ما يستوعب الهواء بخار الماء ويحمله الى الطبقات العليا في الجو، ونظرا لأن درجات الحرارة الجوية تتناقص كلما ارتفعنا عن مستوى البحر، فإن بخار الماء المتصاعد ما يلبث ان يتكاثف مكونا أنواعاً شتى من السحب وتحمل الرياح هذه السحب إلى أماكن متفرقة بإذن الله. قال ابوالطيب مشيرا الى هذه الحقيقة العلمية مباشرة: كالبحر يقذف للقريب جواهراً جوداً ويبعث للبعيد سحائبا وقال أبوالطيب في قصيدة يودع بها محمد بن طغج: إذا السحاب زفته الريح مرتفعا فلا عدا الرملة البيضاء من بلد يقول العكبري في شرح هذا البيت: زفته: حركته وساقته، زفاه يزفيه زفيانا، وعدا: جاوز الرملة من بلاد الشام، وهي بلاد الممدوح، والمعنى: إذا ارسل الله سحابا فلا جاوز بلادكم، دعا لهم بالسقيا والخصب والبركة، حباً لهم. لقد بيّن لنا شاعرنا في بيته هذا حقيقة علمية اخرى فيما يتعلق بالسحب حيث أشار ان الرياح هي التي تحرك السحب وتسوقها من مكان إلى آخر. وعندما تصل الغيوم الى طبقات الجو الباردة، تتكاثف ذرات البخار وتصبح ثقيلة الوزن، فلا يستطيع الهواء حملها، وهنا تحدث عملية هطول المطر، ويوجد عدة أنواع من السحب، فهناك سحب خفيفة وهي على طبقة الرهج والرهج: السحاب الرقيق كأنه غبار ذات لون رمادي منبسطة في رقعة واسعة من السماء، وهناك أيضا سحب ركامية متراكمة بعضها فوق بعض، ولونها أبيض، وسحب أخرى شبيهة بالصوف المنفوش وسحب ممطرة ذات لون رمادي,. وتسقط الأمطار من السحب بسبب جاذبية الأرض، وقد تسقط الأمطار بصورة هادئة، أو قد يصاحبها أعاصير وبرق ورعد، وقد تسقط على هيئة نقط مائية أو ثلوج او برَد. والبرق الذي نشاهده عبارة عن شرارة كهربائية مشتدة هائلة تحدث بين سحابة وأخرى، أو بين السحب والأرض، ويمكن للطاقة الناتجة عن البرق في السماء ان تدمر طائرة مارة عبرها، ولكنها لا تسبب ضررا على الأرض، ولكن عندما يحدث ان يضرب البرق سطح الأرض فإنه يمكن ان يسبب الهلاك للكائنات الحية والإنسان، ويسبب تلفا للممتلكات ويشعل الحرائق، والبرق الذي يحدث على الأرض يتكون من واحدة أو أكثر من الشحنات المفرغة والتي تسمى بالضربات القوية الفجائية strokes، والضوء القوي المشع الذي نشاهده في ومضة الضوء يسمى بالضربة القوية المرتدة وتنطلق الضربة الراجعة بسرعة مماثلة لسرعة الضوء تقريبا 2990792 كيلومترا في الثانية وهي تطلق شحنة مقدارها حوالي مائة مليون فولت من الكهرباء، وتكون درجة الحرارة في الهواء الذي في طريقها عالية جدا تصل الى 33000 درجة مئوية، والرعد الذي نسمعه هو عبارة عن تمدد عنيف للهواء بسبب البرق، وتختلف أطوال الضوء المنبعث عن البرق فالضوء الناتج من البرق بين السحب والأرض قد يصل طوله الى 14 كيلومترا، أما طول ضوء البرق بين السحب فقد يصل طوله الى أكثر من 140 كيلومترا. انه من المعروف علميا ان كل الأشياء من حولنا مكونة من ذرات والذرات في حالتها العادية متعادلة كهربائيا ولكنها يمكن أن تكون موجبة او سالبة إذا هي فقدت أو اكتسبت إلكترونات، ومن المعلوم ان الشحنات الموجبة والسالبة تنجذب لبعضها البعض، وهذه الشحنات هي التي تشكل التيار الكهربائي الذي يحدث الومضة، لذا فالبرق هو الومضة التي تنتج عن الحركة السريعة للجسيمات المشحونة كهربائيا خلال سحابة مرعدة، أو بين هذه السحابة والأرض، أو بينها وبين الهواء أو بينها وبين سحابة أخرى، ولا يعرف بالضبط كيف تصبح السحب المرعدة المكفهرة مشحونة كهربائيا، ولكن يعتقد ان الشحنات تنتج عن التصادم بين السحابة ونقيطات الماء المرتفعة وحبيبات الثلج الصغيرة مع البرد وتكتسب الجسيمات الأخرى الثقيلة الساقطة، وعندما تتصادم هذه المكونات في السحابة فإن الجسيمات الأثقل تكتسب شحنة سالبة، والجسيمات الأخف شحنة موجبة، وتسقط الجسيمات سالبة الشحنة إلى قاع السحابة بينما ترتفع أغلب الجسيمات الموجبة إلى أعلى، ويحدث البرق عندما تتجه الجسيمات الموجبة باتجاه السالبة، او باتجاه شحنة معاكسة لها على الأرض، وهنا تحدث الومضة الكهربائية، ويحدث البرق في أشكال مختلفة، فالومضة الواحدة من البرق غالبا ما تكون مختلفة المظهر، وهذا يعتمد على مكانها في السحابة, والأشكال الرئيسية للبرق هي البرق المتشعب والبرق على هيئة شريحة والبرق الشريطي والبرق العقدي أو السلسلي. بتقدم العلم عرف الإنسان ان صوت الرعد الناتج عن التمدد العنيف للهواء الذي سخن بواسطة البرق، حيث يسخن الهواء مباشرة عندما تمر الشحنة الكهربائية خلاله، وتسبب الحرارة الناتجة عن ذلك لجزيئات الهواء التمدد والتطاير والتشتت في مختلف الاتجاهات، وهذا الجزيئات المتشتتة تبحث عن حيز أكبر، ولذا فهي تصطدم بشدة بطبقات الهواء الباردة محدثة موجة هوائية عظيمة هي التي تعطينا صوت الرعد، وكما يلاحظ فإن للرعد أصواتا مختلفة، فمثلا صوت الرعد العميق الملعلع الصاخب يكون ناتجا عن موجة هواء مكونة بجزء جسم البرق، أما صوت الرعد الذي يشبه الفرقعة الحادة فينتج عندما يكون جسم أو جذع البرق متشعبا للخارج الى عدة فروع، أما صوت الرعد الشبيه بالضجيج فإنه ينتج من الجزء المركزي للبرق، ويصل البرق الى مسامعنا بعد ان نكون قد رأينا البرق، والسبب في ذلك ان الضوء يسير بسرعة تصل الى 2990792 كيلومترا في الثانية أو على كل حال بلحظته بينما الصوت يسير بمعدل يصل الى 335 مترا في الثانية. قال أبوالطيب المتنبي في قصيدة يمدح بها سيف الدولة: لعيني كل يوم منك حظٌّ تحير منه في أمر عجاب حمالة ذا الحسام على حسام وموقع ذا السحاب على سحاب تجف الأرض من هذا الرباب وتحلق ما كساها من ثياب وما ينفك منك الدهر رطبا ولا ينفك غيثك في انسكاب تسايرك السواري والغوادي مسايرة الأحباء الطراب يقول العكبري في شرح البيت الأول: المعنى: يقول: كل يوم ترى عيني منك شيئا عجيبا تتحير منه, ويقول العكبري عن البيت الثاني: الحمالة: التي يحمل بها السيف، وهي المحمل أيضا, والمعنى: يريد سيفا حمل سيفا، وسحاب يمطر على سحاب، هذا هو العُجاب، فالحسام الأول هو السيف، والثاني هو سيف الدولة، فكيف يحمل سيف سيفا، وكيف يمطر سحاب سحابا, هذا هو العجب العجيب، ويقول العكبري عن البيت الثالث: الرَّباب بالفتح : السحاب الأبيض، وقيل: قد يكون الأبيض والأسود، الواحدة ربابة, وبه سميت المرأة ربابا، والمعنى: يقول انك افضل من السحاب، لأن الأرض تجف من ماء السحاب، وتصير ثيابها التي انبتها الغيث خُلقاناً باليات عند هيجه، وعطاؤك يبقى ويذكر، وأراد: تجف الأرض من مطر هذا السحاب ولكنه حذف المضاف، ويقول العكبري عن البيت الرابع: يريد برطوبة الدهر: لينه وسهولته والمعنى: يطيب عيش أهل الأرض ويلين، فكأن الدهر يلين ويطيب لهم وينقاد ويجوز ان يكون اراد ابوالطيب: أن ماء الغيث ينقطع، وعطاؤك دائم لا ينقطع، وذكرك لا ينقطع بما تعطي وبما تجعل بعدك في سبيل الله من الأوقاف وغيرها، ويقول العكبري عن البيت الخامس: السواري: السحب السارية في الليل دون النهار، لأن السرى مخصوص بالليل، والغوادي: ما غدا من السحب، والأحباء: جمع حبيب، والطراب: جمع الواحد: طرب وطروب، للذي يطرب ويحركه الشوق، والمعنى: يريد ان هذه السحب تسايرك كما يساير الحبيب حبيبه، لتتعلم من جودك. وقال المتنبي في قصيدة يمدح بها سيف الدولة ويذكر بناء مرعش: نذم السحاب الغر في فعلها به ونعرض عنها كلما طلعت عتبا يقول العكبري في شرح هذا البيت: الغر: البيض، والمعنى: نذم السحاب لأنها محت آثار الربع وغيرته، وإذا طلعت عليه أعرضنا عنها عتبا عليها لاخلافها الرسوم والأطلال وخص الغر لأنها كثيرة الماء. وقال الشاعر في قصيدة يمدح فيها بدر بن عمار. إنما بدر بن عمار سحاب هطل فيه ثواب وعقاب يقول العكبري عن هذا البيت: المعنى: يريد ان السحاب فيها الماء والبرد والصواعق، وهذا فيه خير لأوليائه وعقاب لأعدائه. وقال أبوالطيب في قصيدة يمدح بها علي بن أحمد المري الخراساني: ومن الخير بطء سيبك عني أسرع السحب في المسير الجهام يقول العكبري عن هذا البيت: البطء: اسم من الابطاء، وهو التأخر، والسيب: العطاء والجهام: السحاب الذي لا ماء فيه، والمعنى: بطء سيبك عني محمود غير مذموم، والسحاب إذا قل ماؤه وصف بسرعة السير. وقال شاعرنا المتنبي في قصيدة يمدح بها الحسين بن اسحاق التنوخي: فتى كالسحاب الجون يخشى ويرتجى يرجى الحيا منها، وتخشى الصواعق يقول العكبري في شرح هذا البيت: الجون: الأبيض، والحيا: المطر لأنه يحيي الأرض, والصواعق: جمع صاعقة، والمعنى: يقول: هو مهيب مرجو، كالسحاب يرجى مطره، وتخشى صواعقه، فهو يرجى نفعه، ويخشى ضرره. وقال الشاعر في قصيدة يمدح بها عبيدالله بن خرسان: ولا سقيت الثرى والمزن مخلفه دمعا ينشفه من لوعةٍ نَفَسِي يقول العكبري عن هذا البيت: المزن: جمع مزنة، وهي السحابة البيضاء، ومنه: انزلتموه من المزن ومخلفة: يريد غير ماطرة، من اخلاف الوعد، والمعنى: يريد: ولولا هذه المحبوبة ذكرها في البيت السابق لهذا البيت ما سقيت الثرى، يريد: الأرض وثراها، والسحاب غير ماطرة، من اخلاف الوعد، وهذا جائز لأن الأشهر التي يكون فيها المطر معروفة، فإذا انقطع المطر في بعضها فتصير اخلافا من الانواء، يصف حرارة وجده، وانه ينشف دمعه من شدة لهبه وحرقه إذا جرى على الأرض. لقد أشار ابوالطيب في أبياته العشرة السابقة الى انواع مختلفة من السحب، فذكر الرباب، والسواري، والغوادي، والسحاب الغرّ، والجهام، والجون، والمزن، وبين ان بعض السحب تكون ممطرة وقد ينتج عنها صواعق وسحب غير ممطرة. وقد ورد في لسان العرب لابن منظور: الرَّباب بالفتح: سحاب أبيض، وقيل هو السحاب واحده ربابة، وقيل: هو السحاب المتعلق الذي تراه كأنه دون السحاب, قال ابوعبيدة: الربابة بالفتح: السحابة التي ركب بعضها بعضا، وجمعها رباب، وبها سميت المرأة الرباب، والسارية من السحاب التي تجئ ليلا، وفي مكان آخر: السحابة التي تسري ليلا، وجمعها السواري، ابن سيدة: والسارية السحابة التي بين الغادية والرائحة، والغادية: السحابة تنشأ غدوة، وقيل لابنة الخس: ما احسن شيء؟ قالت: أثر غادية في إثر سارية في ميثاء رابية، وقيل: الغادية السحابة تنشأ فتمطر غدوة، وجمعها غواد، وقيل: الغادية: سحابة تنشأ صباحا، والجهام بالفتح: السحاب الذي لا ماء فيه، وقيل: الذي هراق ماءه مع الريح، والمزن: السحاب عامة، وقيل السحاب ذو الماء واحدته مزنة، وقيل: المزنة السحابة البيضاء والجمع مزن، والبرد حب المزن. وقال أبوالطيب في قصيدة يمدح بها مساور بن محمد الرومي: شمنا وما حجب السماء بروقه وحرا يجود وما مرته الريح يقول العكبري في شرح هذا البيت: نقول: شمت البرق: إذا نظرت إلى سحابة أين تمطر، وشمت مخايل الشيء: إذا تطلعت نحوها ببصرك، وحرى: أي حقيق وخليق، ومرته استدرته، والمعنى: يقول شمنا بروقه: أي رجونا عطاءه، ولم تحجب بروقه السماء، لأنه ليس بغيم فيسترها، وإنما يريد مخايل عطائه، وهو خليق بأن يجود ولم تمره الريح وهذا يريد تفضيله على السحاب، لأن السحاب لا يجود حتى تستدره الريح، ويحجب حسن السماء، وهذا يجود ولا يحجب السماء ولم تمره الريح. وقال المتنبي في قصيدة يمدح بها عبدالواحد بن العباس بن أبي الأصبع: زجل يريك الجو نارا والملا كالبحر والتلعات روضا ممرعا يقول العكبري عن هذا البيت: زجل: يسمع له زجل، وهو صوت الرعد, والملا: المتسع من الأرض، والتلعات: جمع تلعة، وهي ما ارتفع من الارض والممرع: المخصب، والمعنى: يقول هذا السحاب له صوت برعده، ويملأ الجو ببرقه، حتى يُرى نارا، ويملأ المتسع من الارض بالماء، حتى يصير كالبحر، ويمرع التلاع: أي يخصبها، ويطلع عليها النبات، لأنه يعم العالي والمنخفض لكثرة سيله. وقال الشاعر في قصيدة يمدح بها علي بن احمد الخراساني: غمام علينا ممطر ليس يقشع ولا البرق فيه خلبا حين يلمع يقول العكبري عن هذا البيت: أقشع: أقلع وتفرق، والممطر، الماطر، والخلب: الذي لا مطر فيه، والمعنى: يقول: هو غمام ممطر علينا بالأموال دائما فلا يقطع عطاءه عنا، وليس هو كالغمام الذي يمطر مرة وينقشع اخرى، وإذا رجونا بلغنا منه أوفى ما نرجو وإذا وعد انجز الوعد, وضرب الغمام والبرق مثلا، ولما جعله غماما، جعل له المطر، وجعل برقه صادقا بموعده. وقال الشاعر في قصيدة يمدح بها سيف الدولة: فأبلغ حاسدي عليك أني كبا برق يحاول بي لحاقا يقول العكبري عن هذا البيت: المعنى: يقول: البرق إذا حاول لحاقي كبا لوجهه، أي عثر وسقط، فأبلغ من يحسدني عليك أني السابق الذي لا يدرك، والمقدم الذي لا يلحق فإذا كان البرق لا يلحق بي فمن يلحق بي؟. وقال ابوالطيب في قصيدة يمدح بها سعيد بن عبدالله الانطاكي: تهدى البوارق أخلاف المياه لكم وللمحب من التذكار نيرانا يقول العكبري عن هذا البيت: البوارق: جمع بارقة، وهي التي تكون في السحاب، والأخلاف: الضروع، واستعار لها اخلافا، لأنها تغدو النبات، كما تغدو الأم بالإرضاع ولدها، والمعنى: يقول: هذه البوارق إذا برقت بشرتكم بالقطر، فهي تهدي إليكم الماء، وتنبت لكم الكلأ، وتهدي لمن يحبكم نيران الشوق بتذكركم، لأنها تلمع من نحوكم الذي ارتحلتم اليه فيتجدد عندها الشوق، والعرب تذكر مواضيعها وديارها بلمع البرق، وهو في أشعارها. وقال شاعرنا المتنبي في قصيدة يذكر بها حماه التي كانت تغشاه بمصر: فقد أرد المياه بغير هاد سوى عدي لها برق الغمام يقول العكبري في شرح هذا البيت: قال ابن السكيت: العرب إذا أعدت للسحابة مائة برقة، لم تشك في أنها ماطرة قد سقت فتتبعها على الثقة بالمطر، وقال الخطيب: قال ابن الاعرابي في النوادر: العرب كانوا إذا لاح البرق عدوا سبعين برقة، فإذا كملت وثقوا بأنه برق ماطر، فرحلوا يطلبون موضع الغيث، والمعنى: يقول: لا احتاج في ورود الماء إلى دليل يدلني، سوى ان أعد برق الغمام، فأتبعه كعادة العرب في عدها بروق الغمام, وقال الشاعر في قصيدة يصف بها فرسا تأخر الكلأ عنه: كأنها من لونه في بارق باق على البوغاء والشقائق يقول العكبري في شرح هذا البيت: البارق: السحاب فيه البرق، والبوغاء: التراب. والشقائق: جمع شقيقة، وهي الأرض فيها رمل وحصى, والمعنى: شبه غرته غرة الفرس بالبرق، وجسده بالسحاب, يقول: كأنها الغرة برق في سحاب، وهو باق على السير في الحزن والسهل، أي صبور على الشدة. لقد أشار الشاعر في أبياته السبعة السابقة الى البرق، ففي البيت الأول استخدم ظاهرة البرق ووميضه في مدح ممدوحه ونعت كرمه، لأن حدوث البرق في السحب علامة على نزول الغيث، وفي البيت الثاني ربط بين البرق والرعد ونزول المطر، وشبه أبوالطيب في بيته الثالث ممدوحه بالغمام الممطر، الذي برقه لا يكذب، وهذا يعني لنا ان البرق قد يحدث في بعض السحب، ولا يزال المطر، وبيّن الشاعر في بيته الرابع السرعة الهائلة للبرق، واستخدم ذلك في مدح نفسه حيث ان البرق مع سرعته الفائقة لا يقدر ان يلحق به، وأشار في بيته الخامس ان وميض البرق يبشر بسقوط الغيث إضافة لتذكير العاشق بمحبوبته إذا كان اللمعان صار من الجهة التي هو فيها كعادة الأعراب، وذكر في بيته السادس طريقة معروفة عند الأعراب، والتي يمكن ان تكون حقيقة، وهي عدد ومضات البرق ليعرفوا ان السحاب ممطر، أما في البيت السابع فقد استخدم الشاعر لمعان البرق وبياضه ليصف بها غرة الوجه جواده. يتبع