لقد تطرق شاعرنا أبوالطيب المتنبي إلى الأرض وماعليها من تضاريس مختلفة، وأحوال مناخية متنوعة، وبيئات مختلفة، وكائنات حية نباتية وحيوانية, إضافة إلى ماذكره من أسماء لمجموعة من الجبال، والأمكنة والمياه، والمدن والاقاليم، والأنهار والبحار,, إلى غير ذلك من التراكيب الطبيعية المتنوعة، مثل الزلازل والبراكين، والأعاصير، والأمطار والرياح والصواعق. وقبل أن نتتبع شاعرنا المتنبي لتقصي بعض مما أشار إليه من جغرافية الأرض نعطي فكرة علمية مبسطة عن ذلك. تقول لنا الكتب العلمية الجغرافية والجيولوجية والفلكية: إن الكرة الأرضية تبدو للناظر لها من الفضاء أنها على هيئة كتلة متماسكة كروية الشكل وتتكون هذه الكرة من مجموعة من الأغلفة هي: النواة الداخلية، والتي تشكل الجزء المركزي للأرض، وهي عبارة عن مواد معدنية صلبة, وتعادل هذه النواة 1% تقريباً من حجم الكرة الارضية، ووزنها يساوي تقريباً3% من وزن الكرة الارضية والنواة الخارجية، وهي تكسو النواة الداخلية من الخارج، أي أنها عبارة عن غلاف يحيط بالنواة الداخلية، وهي مكونة من مواد سائلة القوام، يعتقد أنها عبارة عن سبيكة من معدن الحديد والنيكل , وتقدر النواة الخارجية بحوالي 15% من حجم الأرض، أما وزنها فهو حوالي 29% من وزن الأرض, والوشاح، ويأتي خارجياً بعد النواة الخارجية، ويعرف (الوشاح) أيضاً باسم الغشاء أو الحجاب، وهو يحيط بنواة الأرض الخارجية، وهو عبارة عن مواد صلبة تتكون من خليط من الصخور النارية فوق القاعدية، مع فلز الحديد, والقشرة الارضية، وتأتي فوق الوشاح، وهي تشمل أرضية القارات، وأرضية المحيطات, ويعتقد أن أغلبية صخورها جاءت من صخور نارية, وتتكون القشرة الارضية من طبقتين هما: طبقة السيال التي تشكل أرضية القارات، وصخورها مكونة من معادن ذات نسبة عالية من معدني السليكا والألمنيوم، وأهم صخورها الجرانيت, أما الطبقة الأخرى فهي طبقة السيماء التي تشكل أرضية المحيطات، وصخورها مكونة من معادن تحتوي على نسبة عالية من السليكا والمغنسيوم، وأهم صخورها البازلت, ويتراوح سمك القشرة الارضية بين سنتيمترات قليلة إلى عدة أمتار. وقد قسمت صخور القشرة الأرضية إلى ثلاثة أنواع هي: 1 صخور نارية: تكونت من الصهير الذي اندفع من باطن الأرض، وهي نوعان هما: صخور متداخلة: وهي عبارة عن الصهير الذي خرج من باطن الأرض عبر الشقوق والفراغات,, ولم يصل إلى سطح الأرض, ومن أمثلتها الجرانيت, وصخور بركانية، وهي عبارة عن الصهير الذي خرج من باطن الأرض، ووصل إلى السطح على هيئة براكين، وحمم بركانية وتجمد بسرعة، ومن أمثلتها البازلت, 2 صخور رسوبية: وهي إما ناتجة عن تفتت وتفكك الصخور المختلفة عن طريق التجربة، أو النحت، ثم ترسبت بواسطة الرياح او المياه أو الجليد، في أماكن مختلفة على شكل طبقات رسوبية، أو ناتجة عن هياكل الكائنات الحية التي ترسبت مكونة صخوراً ذات نشاة عضوية، ومن أمثلتها الحجر الرملي والحجر الجيري, 3 صخور متحولة: وهي صخور كانت في الاصل نارية أو رسوبية وتحولت نتيجة لتعرضها لضغوط شديدة وحرارة عالية غيرت من طبيعتها الأساسية. ويحيط بالكرة ثلاثة أغلفة هي: 1 الغلاف المائي: ويوجد الماء في الطبيعة على ثلاث حالات هي: السائلة، والصلبة، والغازية, وللماء القدرة على الحركة والتشكل حسب المكان الذي يوجد فيه,,, وكما هو معروف فإن المسطحات المائية تغطي حوالي 70% من وجه الأرض وأن غالبية هذه المسطحات عبارة عن مياه مالحة، وهي المصدر الأساسي للمياه العذبة في جوف الأرض وعلى سطحها. 2 الغلاف الجوي: ويتكون الغلاف الجوي المحيط بالكرة الارضية من غازات مختلفة، ويمثل النيتروجين نسبة 78% من مجموع هذه الغازات، وغاز الأوكسجين حوالي 21% من حجم هذا الغلاف, أما بقية الغلاف الجوي فإن معظمه يتألف من بخار الماء وثاني أكسيد الكربون. إضافة لذلك فإنه يوجد في الغلاف الجوي كميات كبيرة من الجسيمات الصلبة العالقة، وهي عبارة عن ذرات دقيقة من الغبار، والأتربة والبكتيريا ، والأملاح، والدخان المتصاعد من مصادر مختلفة. 3 الغلاف الحيوي: ويشمل جميع الكائنات الحية التي تعيش في كل من الغلاف الصخري والغلاف المائي, ويؤدي هذا الغلاف دوراً رئيسياً في التغيرات المختلفة على سطح الأرض نتيجة تفاعلاته البيولوجية (الاحيائية) المختلفة. بعدما ألقينا نظرة علمية مبسطة على أغلفة الكرة الارضية نلقي نظرة مبسطة أيضاً عن أنواع مايطلق عليه التضاريس الموجودة على اليابسة من سطح الأرض وهي: الجبال: وقد قسمت الجبال من حيث نشأتها إلى جبال بركانية، وجبال التوائية، وجبال انكسارية، وجبال تعرية, ويوجد بعض السلاسل الجبلية المشهورة المعروفة في العالم, الهضاب: وهي مناطق يابسة مرتفعة عن سطح البحر، ولكن ارتفاعها غالباً مايكون تدريجياً، كما تكون متسعة، ومن الهضاب المعروفة لنا هضبة نجد بالمملكة العربية السعودية,,, التلال: وتوجد التلال بشكل واسع في جميع نواحي الارض,,, والتلال على عدة أنواع، فهناك التلال الرملية التي يطلق عليها اسم كثبان، وهناك تلال صخرية، وتلال حصوية، وتلال طينية، وقد تكون التلال خليطاً من هذا وذاك, السهول: وهي عبارة عن مناطق مستوية السطح قليلة التضرس, والسهول نوعان: سهول ساحلية وسهول داخلية, ومن أمثلة السهول سهل تهامة، وسهول الاحساء في المملكة العربية السعودية, المنخفضات: وهي نوعان: نوع ينخفض عن مستوى سطح البحر، ونوع آخر يكون منخفضاً بالنسبة للمناطق المحيطة به, وتتكون المنخفضات لعدة أسباب,,,. قال أبوالطيب في قصيدة يمدح بها ابن العميد: كأنَّا أرادت شُكرنا الأرضُ عندَهُ فَلَم يُخلِنا جَوّ هَبَطناهُ من رِفدِ يقول العكبري في شرح هذا البيت: الجو: المتسع من الارض, وقيل: الجو: مااتسع من الأودية, والمعنى: يقول: كل موضع نزلناه في طريقنا إليه أصبنا به ماء وكلأ، فكأن الارض أرادت شكرنا عنده تقرباً إليه. لقد أشار شاعرنا في بيته هذا إلى الأرض بصورة عامة، وإلى واحد من تضاريسها، وهو الوادي المتسع. وقال الشاعر في قصيدة يمدح بها محمد بن عبيد الله العلوي: في مثل ظهرِ المِجَنّ مُتَّصِل بِمِثّلِ بَطنِ المِجَنِّ قَردَدُها مُر تميات بنا إلى ابنِ عُبَيد الله غِيطانُها وفَدفدُها يقول العكبري عن البيت الأول: المجِن: الترس, والقردد: أرض فيها نجاد ووهاد. وقال أبو الفتح: شبه الأرض بظهر المجن، لما كانت خالية من النبات، وظهر المجن المجن ناتىء، وبطنه لاطىء، فهو كالصعود والحدور, والمعنى: يريد أنه يسبقها ( يسبق الريح بناقته) في مفازة مثل ظهر المجن، متصل قرددها بمثل بطن المجن، فأرضها الصلبة تتصل بمفازة أخرى مثل بطن المجن, ويقول العكبري عن البيت الآخر: الغيطان: جمع غائط، وهو المطمئن من الأرض, والفدفد: الأرض الغليظة المرتفعة, والمعنى: يريد لاتزال هذه المفاوز ترمينا إلى الممدوح، بقطعنا إياها بالسير، فكأنها تلقينا إليه. لقد أشار الشاعر في بيتيه السابقين إلى تنوع التضاريس الارضية، فهناك مناطق مرتفعة، ومناطق صلبة، فالسالك لسطح الأرض يكون مرة في صعود ومرة أخرى في حدور. وقال شاعرنا المتنبي في قصيدة يهجو بها كافوراً: أمَّا الأحِبَّةُ فالبَيدَاءُ دُونَهُمُ فَلَيتَ دُونَكَ بيداً دُونَها بيدُ يقول العكبري في شرح هذا البيت: البيداء: الفلاة، جمعها: بيد، لأنها تبيد من يسلكها, والمعنى: يريد أن العيد لم يسرّ بقدومه، لأنه يتأسف على أحبته, يقول: أما أحبتي فعلى البعد مني، فليتك ياعيد (ذكر العيد في البيت السابق لهذا البيت) كنت بعيداً، وكان بيني وبينك من البعد ضعف مابيني وبين الأحبة. لقد أشار شاعرنا في بيته هذا إلى المناطق الصحراوية الممتدة المتسعة من الأرض. وقال الشاعر في قصيدة يمدح بها سيف الدولة لما أوقع بالأعراب: يُوَسِّطُهُ المفاوزَ كُلَّ يَوم طِلابُ الطالبينَ لا الانتظار يقول العكبري عن هذا البيت: المفاوز: جمع مفازة، وهي الفلاة المهلكة، وإنما سميت مفازة تفاؤلاً, والمعنى: يقول: إنما ينزله ( يقصد سيف الدولة) المفاوز طلب أعدائه لا انتظار من يلحقه ويخافه، وذلك أن الخائف ينزل المفاوز خوفاً ممن يلحقه، وهذا ينزلها طلباً لمن يهرب منه إليها. وقال أبو الطيب في قصيدة يمدح بها ابن العميد: ومبثُوثَةً لا تُتَّقى بطليعَةٍ ولا يُحتمَى مِنها بِغَورِ ولانَجدِ يقول العكبري عن هذا البيت: المبثوثة: الغارة التي تشن, والغور: ماانخفض من الأرض, والنجد: ماارتفع, والمعنى, يقول: هذه الكتائب لايحتمى منها، ولاتتقى بطليعة: وهو الذي يرقب العدو، وينذر به أهله، ولايحتمي منها بمنخفض من الأرض ولابعال. لقد أشار أبو الطيب في بيته هذا وبصورة مباشرة إلى الغور، وهو المنخفض من الأرض، وإلى النجد، وهو المرتفع منها، وهو الهضبة. وقال الشاعر في قصيدة يمدح بها علي بن ابراهيم التنوخي: لَولاكَ لَم أنزكِ البُحَيرَةَ وال فَورُ دَفيء وماؤها شَبِمُ يقول العكبري في شرح هذا البيت: البحيرة: هي بحيرة طبرية، موضع بالشام, وبحيرة: تصغير بحرة، وهي الواسعة، وليست تصغير بحر، لأن البحر مذكر, والغور: موضع بالشام، وكل ما انخفض من الارض يسمىغوراً (ربما أنه هنا غور الأردن), والشبم: البارد, والمعنى: يقول: لولاك (يقصد الممدوح) لم أنزك البحيرة وماؤها بارد في الحر، والغور بلدك دفيء، فلولاك ماجئت الغور، لأنه حار. لقد فرق أبو الطيب في بيته هذا بين درجات الحرارة بالنسبة للمواقع، فالبحيرة موقعها أعلى من الغور فلذلك فهي أبرد. وقال أبو الطيب في قصيدة يذكر بها مسيره في الوادي: عَدُوّي كُلُّ شَيءٍ فِيكَ حتى لَخلتُ الأكم مُوعَزَةَ الصُّدوُرِ يقول العكبري عن هذا البيت: الأكم: جمع أكمة, وجمع الأكم: آكام: وهي الموضع المطمئن إلى الارض يكون فيه الشجر والبيت, والمعنى: أن كل شيء يعاديه حتى خشي أن الأكمة التي هي لاتعقل تعاديه. وقال الشاعر في قصيدة يمدح بها سيف الدولة ويرثي ابن عمه تغلب: تَحمِلُ أغمادُها الفِدَاءَ لَهُم فانتَقَدُوا لضَّربَ كالأَخاديدِ يقول العكبري في شرح هذا البيت: الأخاديد: جمع أخدود، وهو الشق في الارض ومنه قتل أصحاب الأخدود , والمعنى: يريد أن السيوف تحمل لهم الفداء، وأضمر السيوف لدلالة الأغماد عليها، فجعل السيف في الغمد فداء الأسير، لأنه استنقذ به, وسمى الضرب بها انتقاداً، كما تنتقد الدراهم والدنانير, والمعنى: أخذوا فداء ضرباً يرثر فيهم تأثير الأخدود في الأرض، وهذه استعارة، يريد ضمن لهم فداء أبي وائل الورق والدنانير، فلم يقعوا على شيء سوى الضرب بالسيوف. لقد أشار أبو الطيب في بيته هذا إلى نوع آخر من بنيات الأرض، وهي الأخاديد التي تنشأ من هبوط سطح الأرض بفعل الصدوع. قال أبو الطيب في قصيدة يمدح بها سيف الدولة لما أوقع بالأعراب: تُثِيرُ عَلى سَلَميَةَ مُسبَطِراً تناكرُ تَحتَهُ لَولا الشِّعارُ عَجاجاً تَعثُرُ العِقبانُ فِيِه كأنَّ الجَوَّ وَعثٌ أو خَبَارُ يقول العكبري في شرح البيت الأول: المسبطرّ: العجاج الممتد الساطع, والشِّعار: العلامة التي يتعارفون بها, والمعنى: يقول: خيلك (خيل سيف الدولة) تثير على هذا المكان وهو سَلَمية عجاهاً ممتداً ينكر الجيش تحته بعضهم بعضاً، لولا العلامة التي يتعارفون بها إذا اختلطوا بغير جنسهم، فلولا العلامة لما عرف بعضهم بعضاً من العجاج. ويقول العكبري عن البيت الآخر: العِقبان: جمع عقاب، وهي من الجوارح الصيادة، والوعث من الأرض: السهل الكثير الرمل، وهو ماتغيب القوائم فيه لسهولته, والخبار: الأرض اللينة, وجمع الوعث: أوعاث ووعوث, والمعنى: يريد:أن العقبان التي مع الجيش تعثر في الغبار لكثرة ماارتفع من الغبار إلى الجوّ، كأن الطير تعثر فيه لكثافته وكثرته. لقد أشار الشاعر في بيتيه السابقين إلى ارتفاع الغبار في الجو نتيجة للحركة التي سببت ذلك، إضافة إلى إشارته إلى الرمل اللين على الأرض، وإلى الأرض اللينة الأخرى. وقال شاعرنا المتنبي في قصيدة يمدح بها سيف الدولة: وَمَن أمرَ الحُصُونَ فَما عَصَتَهُ أطاعَتهُ الحُزُونَةُ والسهول يقول العكبري عن هذا البيت: الحصون: جمع حصن، وهو ماتحصن به الإنسان. والحزن: ضد السهل، وهو ماخشُن من الأرض وصَعُب, والمعنى: يقول من أطاعته الحصون الممتنعة فافتتحها، والقلاع المستعصية فملكها، أطاعه لامحالة حزون الطرق وسهولها، وتمكن له قريبها وبعيدها, والمعنى : يريد: من أطاعه الصَّعب الشديد، لم يصعب عليه شيء. لقد بين الشاعر في بيته هذا أنه يوجد على اليابسة مناطق سهلة يسهل قطعها ومناطق وعرة صعبة يصعب سلوكها أو الوصول إليها, واستخدم أبو الطيب هذا التفاوت في التضاريس لمدح سيف الدولة، فسيف الدولة أطاعه الصعب الشديد فما بالك بالسهل الهين. وقال الشاعر في قصيدة يمدح بها سيف الدولة لما استبطأ مدحه: وَعِندي لَكَ الشُّرَّدُ السَّائِراَ تُ لايَختَصِصنَ من الأرض داراً قَوَافٍ إذا سِرنَ عن مِقوَلي وثَبنَ الجِبالَ وَخُضنَ البِحارَا يقول العكبري في شرح البيت الأول: الشرّد: جمع شَروُد, يريد: القصائد، وجعلها شرداً لأنها لاتستقر بموضع, والمعنى: يقول: له عندي قصائد سائرات في البلاد لايختص مُقامهن بموضع واحد؛ بل تسير بها الركبان في الآفاق بمدحك, ويقول العكبري عن البيت الآخر: المعنى: هذا البيت يفسر ماقبله، ويروى: وَهُنَّ إذا سرن عن مقولي وثبن: أي جزن الجبال وقطعنها، وإنما قال وثبن: لارتفاع الجبال وطولها. وقال الشاعر في قصيدة يمدح بها علي بن أحمد الأنطاكي: وكم مِن جبالٍ جُبتُ تَشهَدُ أنَّنِي الجبالُ وبَحر شاهِدٍ أنَّنِي البَحرُ يقول العكبري عن هذا البيت: المعنى: يقول: كم جبال قطعتها سيراً تشهد لي بالوقار والحلم، وبحر يشهد لي بالجود. يقول أبوالطيب في بيته الأول من أبياته الثلاثة السابقة: قصائدي لاتستقر في موضع معين من الأرض، فإذا انطلقت من لساني كما يقول في بيته الثاني تثب الجبال وتخوض البحار, ويقول في بيته الثالث: تشهد لي الجبال التي قطعتها مشياً بالوقار والحلم، ويشهد لي البحر على اتساعه بالكرم، وهنا نلاحظ عبقرية شاعرنا في استخدامه لتضاريس الأرض، من ارتفاع وانخفاض، وأغلفة ارضية، ومافيها من صعوبة وسهولة في مدح نفسه ووصف لعظمة شعره، وهذا يدل علىمعرفة الشاعر بتنوع تضاريس وأغلفة الكرة الأرضية. وقال المتنبي في قصيدة يمدح بها سيف الدولة: وما الجِبالُ لِنَصرانٍ بحامِيَةٍ وَلَو تَنَصَّرَ فِيها الأعصَمُ الصَّدَعُ يقو العكبري في شرح هذا البيت: نصران ونصراني: واحد، ونصرانية تأنيثه، وهم قوم منتسبون إلى ناصرة؛ قيل: هي مدينة، وقيل هي موضع، والأعصم: الوعل الذي في إحدى يديه بياض وفي رجليه، والصَّدَع: الوعل بين الوعلين، لابالمسن ولا بالصغير, والمعنى: يقول: النصارى اعتصامهم بجبالهم، وهي لاتعصمهم ولا تحميهم، ولو أن أوعالها تنصرت واحتمت بها منه (من سيف الدولة)، لم تحمها ولم تمنعها منه. لقد أشار شاعرنا في بيته هذا إلى ارتفاع الجبال وصعوبة تسلقها واجتيازها . ومع هذا فهي لاتصعب على سيف الدولة حتى يصل إلى أعدائه, إضافة لذلك فقد بين أن بعض الحيوان يكون موطنه قمم الجبال الشاهقة. وقال أبوالطيب في قصيدة قالها في صباه يمدح بها علي بن أحمد الخرساني: وَلَو حُمِّلَت صُمّ الجِبالِ الذَّي بنا غَدَاةَ افتَرَقنا أوشَكَت تتصَدَّعُ يقول العكبري عن هذا البيت: أوشكت: قاربت، والوشيك: القريب السريع, والمعنى: يقول: قد حملنا من الفراق مالو كُلِّفَته الجبال لقاربت أن تتصدع. لقد أشار الشاعر في بيته هذا إلى صلابة بعض الجبال، وإلى إمكانية تصدعها وتفتتها لأي سبب من الأسباب، براكين، زلازل، انهيارات. وقال الشاعر المتنبي في قصيدة يمدح بها أحمد بن الحسين القاضي المالكي: أديَبُ رَسَت للعِلمِ في أرضِ صَدرِهِ جِبالٌ، جبالُ الارضِ في جَنبِها قُفُّ يقول العكبري في شرح هذا البيت: القُف: الغليظ من الارض، لايبلغ أن يكون جبلاً, ورست: ثبتت, والمعنى: أنه استعار لعلمه (علم الممدوح) اسم الجبال، لكثرة علمه وزيادته على علم الناس، واستعار لصدره الأرض، لأن الجبال تكون عليها،ثم فضلها على جبال الأرض، فضل الجبال على القِفاف والمعنى: أن جبال الارض تصغر في جنب الجبال التي في صدره من العلم. لقد بين أبو الطيب أن الجبال رواسي للأرض، وأن هناك ارتفاعات معينة على سطح الكرة الأرضية لا تسمى جبالاً لصغر علوها عن سطح الأرض، واستخدم الشاعر هذا التفاوت في العلو والقصر في تضاريس الأرض في مدح ممدوحه. وقال الشاعر في قصيدة يمدح بها هارون الأوارجي: بَيني وبينَ أبِي عِليّ مِثلُهُ شُمُّ الجِبالِ ومِثلَهُنَّ رِجاءُ يقول العكبري عن هذا البيت: بيني وبينه، يريد الممدوح، جبال مرتفعة مثله في العلو والوقار، ورجاء عظيم كهذه الجبال, يشبهه في الحلم والوقار بالجبال, وجعل رجاءه عظيماً كالجبال. لقد أشار شاعرنا في هذا البيت إلى ارتفاع بعض الجبال وعلوها ورسوخها في الأرض، وجعل رجاءه من ممدوحه عظيماً كعظمة بعض الجبال, وقال أبو الطيب في قصيدة يمدح بها سيف الدولة فَماَ حَرَموا بالرَّكضِ خَيلَكَ رَاحةً ولكن كَفاها البَرُّ قطعَ الشَّوَاهِقِ يقول العكبري في شرح هذا البيت: الشواهق: جمع شاهق، وهو العالي من الجبال. والمعنى: يقول: ماعاقوك بما كُلِّفته من اقتحام الفلاة عليهم (على الأعراب) عن لذة، ولامنعوا بذلك خيلك عن راحة، ولا أخرجوك عن عادتك، ولاعدلوا بك عن طريقك, ولكن كفت فلواتهم خيلك اقتحام شواهق جبال الروم التي تركتها، وقعدت إلى هؤلاء الأعراب لأنك لو لم تقصد إليهم لقصدت الروم، فقد كفت البراري خيلك بالسير فيها، قطع جبال الروم. ورد في لسان العرب لابن منظور: الشاهق: الجبل المرتفع, وجبل شاهق: طويل عال، وقد شهق شهوقاً، وكل مارفع من بناء أو غيره وطال فهو شاهق وجبل شاهق: ممتنع طولاً, والبَر (بالفتح): خلاف البحر, والبرية: الصحراء نسبت إلى البر. لقد أشار الشاعر في بيته هذا إلى البر, وإلى الجبال الشاهقة، وهي جزء من تضاريس سطح الأرض، وبينهما تفاوت، ولشجاعة وقوة بأس سيف الدولة عنده القدرة والإقدام لتتبع أعدائه سواء كانوا في رؤوس الجبال الشاهقة، أو في الصحاري الشاسعة. وقال شاعرنا المتنبي في قصيدة يمدح بها الحسين بن إسحاق التنوخي: وَلَيلٌ دَجُوجِيٌ كأنَّا جَلَت لَنَا مُحَيَّاكَ فِيهِ فاهتَدَينا السَّمالِقُ يقول العكبري عن هذا البيت: الدَّجوجي: المظلم, وجلت: كشفت وأظهرت, ومنه: جَلَت العروس: أظهرت, والمحيا: الوجه: والسمالق: جمع سَملَق، وهي الأرض البعيدة, والمعنى: يقول: ربّ ليل مظلم سرنا فيه إلى قصدك، فأظهرت السمالق لنا غرّة وجهك، فاهتدينا إليك، فزالت ظلمته بنور وجهك. ورد في لسان العرب لابن منظور: السملق: الأرض المستوية، وقيل: القفر الذي لانبات فيه, والسملق: القاع المستوي الأملس والأجرد لا شجر فيه وهو القَرِق, وامرأة سملق: لا تلد، شبهت بالأرض التي لاتنبت. لقد بين أبو الطيب في بيته هذا نوعية معينة من تراكيب التضاريس الأرضية، وهي المنطقة الجرداء التي لانبت فيها، وهي تختلف عن الصحراء والتي قد ينبت النبت فيها في الفصل الممطر. وقال أبو الطيب في قصيدة يمدح بها سيف الدولة: ضاقَ الزَّمانُ وَوَجهُ الأرضِ عن ملكٍ ملء الزَّمانِ وَمِلءِ السَّهلِ والجَبَلِ يقول العكبري عن هذا البيت: المعنى: يريد: أن الممدوح لغرابة أفعاله، وانفراده في جميع أحواله، ومايتابعه من كثرة وقائعه، ويخلده من جليل مكارمه، وظفره في جميع مقاصده، يحمل الزمان من ذلك مالا يطيقه، ويكلفه ما لايعهده، فيضيق عن فخامة قدره، ويقصر عن جلالة مجده، وكذلك تضيق الأرض عما يحملها من جيوشه، ويسير فيها من جموعه، فقد ملأ الزمان بمكارمه ومجده، وملأ السهل والجبل بكتائبه وجمعه. وقال الشاعر في قصيدة يمدح بها سعيد بن عبدالله الكلابي المنبجي: 2 أنّكَحتُ صُمَّ حَصَاها خُفَّ يَعمَلةِ تَغَثشمَرَت بِي إليكَ السَّهلَ والجَبَلا يقول العكبري عن هذا البيت: الصمّ: الشداد الصلاب من كل شيء, واليعملة: الناقة القوية التي يعمل عليها في السير, والجمع: يعامل ويعملات, وتغشمرت: تعسفت. والسهل: ماسهل من الأرض، والجبل: الحزن، وهو ما صعب قطعه من الأرض, والمعنى: يقول: أوطأتُ ناقتي الحصى من هذه المفاوز، كما توطأ المرأة، أي جمعت بينهما وركبت ناقتي على غير قصد تارة سهلاً وتارة جبلاً، فلم تزل تَعسف بي حتى وصلت إليك. وقال الشاعر في قصيدة يمدح بها سيف الدولة: 3 ووكَّل الظنَّ بالأسرارِ فانكَشَفَت لَهُ ضمائِرُ أهلِ السَّهلِ والجَبَلِ يقول العكبري عن شرح هذا البيت: المعنى: يريد: أنه وكَّل صادق ظنه بما يطويه الناس، من أهل السهل والجبل دونه، فعلم ما أسروه، وانكشف له ما أضمروه، وكذلك الألمعي، وهو الحاذق بالأمور، يصيب بظنه، حتى كأنه مبصر لما غاب عنه، ويعلم بتقديره، حتى كأنه شاهد لما بعد منه. وقال الشاعر المتنبي في قصيدة يمدح بها علي بن منصور الحاجب 4 وَإذَا نَظرتَ إلى الجبال رأيتَها فَوقَ السُّهولِ عَواسِلاً وَقَواضِبا 5 وَإذَا نَظَرتَ إلى السُّهُولِ رأيتَها تَحتَ الجِبالِ فَوَارِساً وجَنِائبا يقول العكبري عن البيت الرابع: العواسل: الرماح الخطية المضطربة لطولها. والقواضب:السيوف القواطع, والسهول: جمع سهل، وهي الأرض اللينة, والمعنى: يريد أن جنوده (الممدوح) عمت السهل والجبل، فإذا نظرت إلى الجبال رأيتها رماحاً وسيوفاً, ويقول العكبري عن البيت الخامس: المعنى: يريد أن الناظر إلى السهول يراها فوارس وجنائب: أي قد ملئت بهما. ورد في لسان العرب لابن منظور: السهل: نقيض الحزن, ابن سيدة: السهل كل شيء إلى الين وقلة الخشونة, والجبل: اسم لكل وتد من أوتاد الأرض إذا عظم وطال من الأعلام والأطواد والشناخيب، وأما ماصغر وانفرد فهو من القنان والقُور والأكم,لقد تطرق شاعرنا أبو الطيب المتنبي في أبياته الخمسة السابقة إلى السهل والجبل ففي البيت الأول ذكر أن جيوش سيف الدولة كانت تملأ السهول والجبال، أما في بيته الثاني فقد بين أنه صعد الجبال وسار في السهول حتى وصل إلى ممدوحه, وفي بيته الثالث أشار إلى سكان الجبال وسكان السهول والذين يعرف سيف الدولة مايضمرونه نحوه، وهنا فقد بين أبو الطيب أن هناك أناسا موطنهم رؤوس الجبال، وآخرون مواطنهم ما لان وسهل من الأرض, أما في بيتيه الرابع والخامس فقد أشار إلى حقيقة علمية جغرافية وهي أن السهول توجد دائماً تحت سفوح الجبال. يتبع