بالتأكيد أنك شاهدت يوما إعلانا (طويلا عريضا) في الطرقات والشوارع لطفل تدمع عيناه، أو طفل بثياب رثة، أو طفل رضيع تحمله أمه في الشمس، أو طفلا منزويا في مكان ما بات بلا عشاء، ولكن الشيء غير المؤكد أنك لم تتساءل عن زج هذا الطفل في بوستر إعلاني أهدرت فيه كرامته وضيعت فيه حقوقه واستغلت فيه سنه الصغيرة بهدف (استجلاب العطف) ولفت النظر لهدف الإعلان الذي عادة ما يطلب تبرعا سخيا من الموسرين. قد لا تعي الجمعيات الخيرية تحديدا وهي (تجمع المال) من خلال طفل رث الثياب يملأ صفحة الإعلان، أنها أضرت -من غير لا تدري- بالطفل صاحب الصورة أو خدشت قيمة الطفولة أو رسخت هذا النوع من الإعلانات ما أصبح عادة في كل إعلان خيري تكرر في اليوم ألف مرة، حتى بدا الأطفال في إعلاناتهم في مكانة لا تليق بهم وفي موقع لا يحق لها قانونا أن تفعل ذلك. إن النمطية التي تسير عليها الإعلانات ذات الصور الطفولية التي تستدر العطف، وتكرارها بصورة فجة، لا تخلو من عدة أمور: أولا أنها انعكاس لمجتمعات عربية تثيرها العاطفة أكثر مما يثيرها منطق الإعلان، وثانيا غياب تلك الجهات عن الإبداع والتطوير وأخيرا عدم الوعي بحقوق الطفل ومعنى الطفولة. وفي المقابل نرى الإعلان التجاري يحفظ حق الطفل ماليا ومعنويا من خلال عقود مبرمة بين الجهة التجارية وبين القيِّم على الطفل، فيما نرى في الجانب الآخر أن الإعلان التجاري يظهر الطفل بشكل جميل وصورة بصرية إبداعية، ما يجعل الطفل أكثر تألقا وجمالا وأملا. أما في الإعلان الخيري، فالأمر جداً مختلف: لا مكانة لائقة بالطفل، فما ذنب الطفل الذي تكرر صورته في الإعلان الخيري على مر الزمان؟ إننا بحاجة إلى نقلة نوعية في الأعمال (الإعلانية) للجمعيات الخيرية تحفظ للأطفال كيانهم وترفع من قدرهم وتعزز مكانتهم، لا تعني كلمة (الخيري) الموافقة على كل شيء: طيبة وثقة ومحبة، فهناك أمور تتعلق بالحقوق والكرامة نحتاج أن نتوقف عندها طويلا لتكون ثقافة (الحقوق) منتشرة في ردهات الجمعيات الخيرية كلها. تجمع المواثيق الدولية والمعاهدات العالمية على المحافظة على كرامة الأطفال والبعد عن استغلالهم بأي صورة كانت، وتسعى الدول المتقدمة إلى سن قوانين فعالة ضد أي إهدار لحقوق الأطفال، ذلك أن الأطفال لا يقدرون قيمة الموقف الذي يتم استغلالهم فيه ولا يستطيعون الربط بين (المقدمات والنتائج). [email protected]