في قاعة الملك فيصل للمؤتمرات أقامت الجمعية السعودية للمعلوماتية الصحية في يوم الأحد 18-5-1431ه ولمدة ثلاثة أيام مؤتمرها الثالث حول الصحة الإلكترونية الذي تركزت موضوعاته هذه المرة..... .....على الإستراتيجيات الوطنية والمعلوماتية الصحية التطبيقية. ومنذ الوهلة الأولى يلاحظ من حضر حفل الافتتاح تلك الحفاوة التي حظي بها هذا المؤتمر سواء من قبل راعي المؤتمر الرئيس الفخري للجمعية سمو الأمير مقرن بن عبدالعزيز أو من كبار القادة التنفيذيين في الجهات الصحية وعلى رأسهم معالي وزير الصحة وعدد من وزراء الصحة في دول مجلس التعاون الخليجي أو من الخبراء والمختصين في مجال المعلوماتية الصحية من داخل وخارج المملكة. هذه الحفاوة وبرنامج المؤتمر يعكسان صورة القيمة المتنامية التي تحتلها تقنية المعلومات الحديثة في المجال الصحي، وهي أيضاً تثير تساؤلات لا يمكن الصدود عنها حول قيمة التقنية المعلوماتية بشكل عام - والصحية منها بشكل خاص - من منظور انساني. لعلكم كنتم تسمعون من صيغ المبالغة في الكلام ان فلاناً من الناس من القوة والتمكن بحيث يستطيع ان يدير الأمور بأصبعه. الآن - وبفضل التقنية الحديثة - لم يعد في شيء من هذا القبيل مبالغة، فإن أي فلان من الناس - مهما بلغ من الضعف والاستكانة - في مقدوره أن يدير كثيراً من الأمور بضغطة اصبع على زر أو أزرار في جهاز الكمبيوتر. يكفي ان تنظر الى جوالك أو شاشة حاسوبك لترى مصباح علاء الدين وقد خرج منه - بعد ضغطة على الزر- عفريت يقول (شبيك لبيك عبدك بين يديك) ثم اطلب ما تشاء: حجز غرفة فندق في لندن ، أو شراء كتاب صدر في لبنان ولم يصل بعد للسعودية، أو اتصالاً بالصوت والصورة مع ابنك الذي يدرس بكندا. تقنية المعلومات - وتوأمها تقنية الاتصالات - أصبحت طوع بنان الإنسان - حقيقة لا مجازاً -. على أن مطاوعة التقنية للإنسان ليست مصبوبة في قالب واحد، بل في قوالب تتشكل حسب علاقة الانسان بالتقنية. فهذا الإنسان قد يكون هو الصانع، ولكل صانع دوافعه الخاصة به: إما علمية أو مادية، اما لحاجته أم لحاجة غيره. ولكنه يطوع التقنية بخياله وإبداعه ومهارته وفقاً لتلك الدوافع والحاجات. وكلما اتم إنجاز شيء قاده خياله إلى إنجاز شيء أفضل أو أكثر قدرة. ولهذا تتسارع خطى التقدم التقني لأن كل إنجاز يفسح الطريق أمام إنجاز آخر قد يكون الأفضل تقنياً، لكن ليس بالضرورة الأكثر فائدة. ومن هنا يبدو لنا الصانع نهماً لا يشبع، فكأنه واحد من ذينك الاثنين اللذين لا يشبعان: طالب العلم وطالب المال. أما الإنسان الآخر فهو المستخدم. إنه ذلك الذي يشغل الآلة أو يستعملها أو يوجهها لتؤدي مهمة يطلبها. وهو على أي حال يستخدمها لخصائصها ومزاياها من حيث السرعة والدقة والاستيعاب وغير ذلك مما توفره تقنية المعلومات من مزايا وفوائد، ويروم من ورائها استثمار الوقت وإنجاز العمل والراحة وارضاء الزبون (المستفيد الأخير) وتوفير العمالة أو التنافس على اقتناء الأحدث والأسرع، وغير ذلك مما هو معروف. ولعل من أقرب الأمثلة لذلك في المجال الطبي استخدام تقنية المعلومات في محتبرات المستشفيات لإيصال نتائج التحليل أو في أقسام الأشعة لعرض صورة الأشعة، فيتلقى الطبيب كل ذلك جاهزاً فورياً على النهاية الطرفية بمكتبه لتعينه على اتخاذ القرار الطبي. وعلى الطرف الآخر - طرف المزود بالمعلومات - هناك جهاز التحاليل أو جهاز الأشعة المبرمج من قبل الصانع لمثل هذه الخدمة. فيما مضى من الأعوام كان المختص يسجل نتائج الفحص ثم يرسلها مع شخص آخر الى القسم الذي يوجد به الطبيب المعالج، فإذا أراد هذا الطبيب الاطلاع عليها استدعاها من ملف المريض الموجود في مكان ما في القسم. على ان المستخدمين ليسوا سواء، فإن مزايا التقنية تتطلب - لتحصيل الفائدة منها- أن يتلبس المستخدم بصفات مكافئة لخصائص التقنية، ولباس المستخدم هو من نسج البيئة التي يعيش فيها، ومنها بيئة العمل، فإما أن تكون بيئة العمل ايجابية ومنتجة وتسعى إلى تحسين نتائج العمل (الربح - رضا الزبون - الحصول الفوري على المعلومات اللازمة لاتخاذ القرار) باستخدام التقنية المعلوماتية وحفز العاملين على استخدامها، كما هو الحال في السياحة والبنوك وغيرها من القطاعات الاقتصادية الأهلية أو الحكومية، وإما ان يكون في بيئة المستخدم عامل إحباط يعمل على إعاقة الاستفادة من مزايا التقنية ويقاوم خصائص السرعة والدقة التي توفرها والتي يتحاشاها المستخدم الذي اعتاد على بيئة عمل يسود فيها بطء الروتين وضعف الإنتاجية وإضاعة الوقت، وربما يضاف لذلك خشيته من أن تكشف التقنية ضعف أدائه. ولعل بيئة العمل الإداري في المؤسسات الحكومية - ومنها الصحية - هي أكثر من يشكو من أثر هذه المقاومة. وفي غير بيئة العمل فإنه قد تظهر في البيئة الاجتماعية عوامل مثبطة لها تأثير سالب في استخدام التقنية، نورد منها الأمثلة التالية: - الثقافة الاستهلاكية التي تحصر الفائدة من التقنية في مجرد إشباع الرغبات والنوازع الذاتية (التسلية -التحادث - المباهاة - التملك - إرضاء الفضول - الركون للدعة والكسل...) - المبالغة في استخدام التقنية في غير منفعة، مما يصرف عن استخدامها فيما ينفع. مثال ذلك الإدمان على الإنترنت أو الأحاديث الطويلة التي لا تنتهي عبر الجوال. وسواء من هذا العامل المثبط أو من سابقه، فإن الخطر يكمن في أن تتحول التقنية إلى مستعبد لمستخدميها، تجعلهم لا يميزون بين الغث والسمين، وتضعف فيهم روح الجدية والسعي لاستغلال مزاياها في تطوير القدرات وتحسين ظروف الحياة. باختصار يمكن القول: إن بعض المستخدمين لا يقدرون إمكانات التقنية المعلوماتية ويختزلونها في سهولة الحصول على المتعة الاستهلاكية المؤقتة.