المعاناة هي توأم الإنسان بل هي لصيقته منذ إبصاره نور الحياة، لذا فهو في سعي دائب لمقاومة كافة أشكال الابتلاءات، حتى يتغلب عليها أو تتغلب هي عليه، وكلما رمى خلف ظهره عناء، طرق باب حياته عناء آخر حتى يقضي أحدهما على الآخر. وبما أن الحياة سلسلة ابتلاءات ؛فالسعيد هو من قنع بما قسمه الله تعالى له فيها، وسعى لها السعي الحميد في حدود طاقاته وإمكانيات مفردات حياته، ولكن يظل الإنسان في حاجة لدعم أخيه الإنسان، ولاسيما وقد أوضح لنا الرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم- بأن:{أحب الناس إلى لله تعالى أنفعهم للناس}. فكيف إذا كان هذا الدعم احتسابا لصالح إنسان مسلم، وكيف إذا كان هذا المسلم من أبناء الوطن حيث الأقربون أولى بالمعروف، لذا فإني سأطرح معاناة شريحة اجتماعية مهمة، تصلني بعض قصص معاناتهم عبر البريد الالكتروني بصفة مستمرة، وأقصد هنا معاناة الفقر، ولا أعني أي فقر فالفقر نسبي، ولا أكبر من فقر القلب وإفقار الروح. وأركز هنا على (الفقر الشديد لدى الشباب المعيل)، لأن الشاب هو الذي تنتظره المسؤوليات المتعددة، فكيف سيؤديها وهي فوق طاقته، وقد لاحظت أن الشكاوي الصادقة التي تصلني التي تظن بي خيرا واقتدارا، وأسأل الله سبحانه أن أكون كذلك، معظمها من شباب صغار أثقلت ظهورهم المسئوليات العائلية، وغلف مستقبلهم ضباب الإحباط. وأبرز همومهم هي البطالة المؤلمة المهينة، حتى رضي أغلبهم بالأعمال المتعبة ذات الأجور المتدنية بعد أن يئسوا مما هو أفضل من ذلك، فالشاب ولاسيما إن كان معيلا فهو في هم مستمر، وحيرة لا تنتهي، وقد ثبت بأن هناك أعدادا كبيرة من الشباب السعوديين يعملون برواتب زهيدة تتراوح بين ألف إلى ألفي ريال في الشهر الكامل، وهذا أمر بات ملحوظا في العديد من المؤسسات الحكومية والأهلية. ومن ضمن الرسائل المؤلمة الطريفة - على سبيل الأنموذج لا الحصر- تلك التي وصلتني من أحد الشباب يشكو معاناته المادية والاجتماعية التي لا تنتهي بسبب أنه يعيل زوجته ووالدته وأخواته، براتب شهري لا يتجاوز 2500 ريال فقط، في عمله الذي يأخذ معظم وقته، وقد حاول بكل جهده إيجاد دخل إضافي فلم يستطع، لذا لم يجد أمامه إلا الاستغفار مائة مرة كل يوم، ثم الكتابة لي لعلي أحرك ساكنا. إنها ليست نقل معاناة خاصة بل هي مشكلة عامة تتكرر في كل مكان، وسط الغلاء المتزايد في كل شيء، لذا فلا بد من الحلول العملية الناجحة لإنقاذ الشباب من الفاقة المادية التي قد تدفع بعضا منهم إلى ما لا تحمد عقباه منعكسا شره على الجميع، وفي اعتقادي أن إنقاذ الشباب من العوز المادي هو إنقاذ للأسرة برمتها، فهم المسئولون عن رعاية عائلاتهم. إن الدولة - سددها الله - تطرح حلولا بناءة ومشاريع إيجابية في كثير من الأحايين، لمقاومة الفقر الذي قال عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه لو كان الفقر رجلا لقتلته، وبما أن الفقر ليس رجلا يقتل فنرتاح منه بل هو وحش فاتك يغتال الرجال والنساء معا، فإنه ينبغي على كل مسئول أن يتمم رعاية نبتات الأمانة التي بين يديه والتي سلمت له من قبل ولي الأمر، ويوزع ثمراتها على أبناء المجتمع الذين هم رعيته المسئول عنهم، فلو تحقق ذلك باستمرارية وعدالة لما بقي فقير في وطننا المعطاء المغدق. [email protected]