إن مهرجان الجنادرية السنوي الذي أطلق عليه فيما بعد عندما كبر واتضحت معالمه وأبعاده (مهرجان المملكة للتراث والثقافة) يرتبط ارتباطاً وثيقاً برئاسة الحرس الوطني هذه المؤسسة العسكرية التي ولدت ونمت وعظم شأنها على يد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وذلك قبل أن يتسنم -حفظه الله- سدة الحكم وكأنه حينئذ يستشرف آفاق المستقبل حيث جعل من ضمن اهتمامات هذه المؤسسة الخيرة الناحية الثقافية التي هي الأساس والمرتكز للارتقاء بالإنسان بفكره ووجدانه وليكون أقدر على التواصل البناء في محيطه الأسري والاجتماعي وفي التعامل مع الآخر وتلك إرهاصات تبلورت معالمها بما يتبناه ويدعو إليه عاهل المملكة العربية السعودية في إطار المجتمع السعودي لتعميق مفهوم الحوار بالإضافة إلى مبادراته المتعددة على المستوى العربي والإسلامي والدولي حتى عرف بملك الإنسانية. لذلك فإن مهرجان المملكة للثقافة والتراث الخامس والعشرين الذي تحل مناسبة أعماله هذا العام في العاصمة السعودية خلال شهر ربيع الثاني 1431ه الموافق مارس 2010م يشكل مولده قبل نيف وعشرين عاماً بدء انطلاقة معرفية لها ما بعدها من انبثاقات وتراكمات ثقافية معززة لشأن الوطن والمواطن إضافة إلى الجوانب الإنسانية وفق ما تحض عليه العقيدة الإسلامية السمحة التي تتسم بالوسطية والاعتدال بعيداً عن الشطط والتطرف والمغالاة.. ولعل خير مؤشر على هذا التوجه الطيب الذي يدل على الفتوح وعلى بعد النظر والتصميم للمضي قدماً مع الأخذ بالأسباب ويندرج في هذا التوجه ما يشتمل عليه المهرجان من نشاطات مختلفة تجمع الأصالة والمعاصرة بمعنى التواصل مع الماضي ومع الجذور وكذلك تبني كل ما ينبغي الأخذ به على درب المستقبل للتكامل مع الحضارة الإنسانية للاستفادة منها في المجالات التنموية بل والسعي الجاد للإضافة عليها على غرار ما صنعه السلف الصالح الذين دخلوا التاريخ من أوسع أبوابه فكانت لهم اليد الطولى في بناء الصرح الحضاري العربي والإسلامي الذي أخذت منه الحضارات الأخرى الشيء الكثير. إذن الحضارات هي أخذ وعطاء وهي في الوقت نفسه في حالة حيوية تكاملية إذا لم يعكر صفوها السياسات المشبوهة وأيدلوجيات الفكر المنحرف الذي يشعل فتيل كل ما يندرج في تأجيج ما يسمى صراع الحضارات.. وتلك أمانيهم ولكن مدبر الكون تبارك وتعالى هو المطلع على السرائر وعلى ما يبيت بليل.. وهو جل وعلا سواء طال الزمان أو قصر لا محالة ناصر خيرة خلقه على درب الحق والأمن والسلام لمصلحة الإنسانية الجمعاء، ( إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ).