في هدوء عم أرجاء ذلك المكان الذي هو أطهر ما تقام به الصلاة بحضور صفوة من الناس في قلوب بدأت تحاكي غياب موقصها، وأي دموع ستعيد لنا تلك الأيام بروعة وجوده.. في شمس أذن الله أن تختفي ذلك اليوم بكل ما تحمله من سطوع ضوئها وجمال نورها.. في نهار أصبح كسكون الليل بالحزن يشكي فراق شيخنا المغفور له وعليه رحمة الله عبدالكريم عبدالمحسن اليوسف المسعود.. رحل إلى الله وترك سيرة معطرة زكية بالإيمان والحياة الربانية وزهد في دنيا ملأتها الشبهات.. بدأ حياته - رحمه الله - بطلب العيش حيث عمل بالحرازة، وكان مثال التواضع ولين الجانب.. يعامل من حوله بقول الرسول - عليه الصلاة والسلام - حين قال: (وازهد فيما عند الناس يحبك الناس)، أروع قاعدة كسب فيها محبة الآخرين له. ودرس القرآن على يد الشيخ محمد العمر - رحمه الله -، وكان يحرص على أن يتدبره في حال دراسته ويعمل به ونلمس ذلك من خلال أخلاقه. بعد ذلك عمل بالتدريس في مسجد العليوية فترة من الزمن. ومنذ أن بلغ وهو مستمر في الدعوة إلى الله حتى وفاته حيث قلما يصلي صلاة الجمعة في محافظته لإلقاء كلمات وعظية بعد الصلاة في المدن والقرى ولم يقتصر نشاطه على ما ذكر فقط فقد كان يلقي المحاضرات ويعمر المجالس الخاصة والعامة التي يحضرها بالقراءة والتعليق بالإضافة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أصبح صفة ملازمة له. يعطر كل مجلس يرتاده بكلماته وقصائده الوعظية حيث نذر - رحمه الله - أن يتكلم في كل مجلس داعياً إلى الله محذراً من أصحاب البدع ومخالفة أهل السنة والجماعة، وداعياً إلى طاعة ولي الأمر والشكر لله على نعمه (نعمة الأمن والعيش). ومكث إماماً أكثر من 40 سنة.. مسجده يزدحم بالمصلين غالب الأوقات لتأخره في إقامة الصلاة. المسجد الذي جمع البعيد والقريب والأجر الذي يحصل عليه بكثرة المصلين معه.. كان في رمضان يشهد مسجده إفطاراً يجتمع فيه المحتاجون والضعفاء للأفطار والعشاء.. يقابلهم بابتسامته الصادقة وخدمته للإخوان من خارج المملكة.. أحبه الجميع بخلقه الذي جاد به البديع؛ فأحسن الصنيع.. رحم الله الإمام أحمد بن حنبل حين قال: (موعدكم يوم الجنائز).. تذكرت هذه المقولة عندما شاهدت جامع الملك عبدالعزيز يكتظ بالمصلين الذين أتوا من المحافظات والقرى المجاورة لمحافظة الزلفي وكذلك امتلأت المقبرة بالمشيعين.. فكل مَن يحبه الله يحبه الجميع حتى في آخر لحظة من سويعات عمره.. ما أعظمها من روح طاهرة اشتاقت لها الجنان.. وفُرشت له الدروب بالخيرات الحسان.. شيخنا عبدالكريم رحل.. لكن ذكره بالخير سيظل .. عاش حياته جد وعمل.. يكافح بصبر لا يمل.. إلى جنة الخلد يا شيخنا الوقور.. في رحمة الله العزيز الغفور. سليمان عبدالعزيز السيف