يوم الأحد 24/1/1431ه ودعنا شيخ جليل وداعية جمع بين السيرة العطرة وجاذبية الدعوة إلى الله بابتسامته وحنو قلبه المجبول بداهة وفطرة على حب الناس. جميع الناس الذين أراد لهم الخير وجد في ذلك طوال سني حياته التي شغلها بالدعوة والذكر والنصح والتوجيه بالحكمة والموعظة الحسنة تفرد بنرجسية دعوية مبسطة وواعية مع الصغير والكبير والوافد حتى أولئك الذين في الهجر والقرى والبراري وبطون الأودية يصلهم ويتواصل معهم، ولك أن تعرف بأنه وعلى مدى أكثر من أربعين سنة لم يصل صلاة الجمعة في الزلفي بلداً بل كان يتنقل إلى القرى والهجر ليصلي بالناس ويخطب بهم أوقف نفسه لذلك دون أن يكل أو يمل أو يتوانى على الرغم من تقدم سنه ظل محافظاً على تواصله واتصاله وكأنه مدرسة دعوية متنقلة وهو كذلك إذ يندر أن تجد من يلتزم بذلك وأن تجد له القبول والمحبة والدعاء. عبدالكريم اليوسف المسعود عرفته أول ما عرفته وعمري آنذاك عشر سنوات عندما رغب والدي - رحمه الله - أن نلتحق أنا واخوتي في حلق القرآن الكريم في مسجد العليوية بالزلفي أثناء قضائنا وقت الإجازة الصيفية فكان ذلك الشيخ الوقور ممسكاً ب(الخيزرانة) بيد والتي أبطنها تحت سجادته التي كان يجلس عليها عند دخولنا إليه وممسكاً ب(المهفة) بيده الأخرى، وكان الجو قائظاً شديد الحرارة، ولا أنسى كلمات والدي رحمه الله عنه عندما دوت كلماته (الله الله بالعيال ترى لك اللحم ولنا العظام) ولا أنسى مكافأته وتشجيعه لي عندما حفظت سورة الإنسان عندما قدم لي حلاوة (برميت) كان لها وقع في نفسي ومن ثم أخذت أحرص على أن أصلي في مسجده الذي كان رحمه الله يعتمد التأخير في الإقامة كي يجمع كل من فاتته الصلاة مع الجماعة ليصلي بهم في جماعة من فئة الشباب. إنه بقية من تأسي السلف الصالح لا تسمع منه إلا لساناً رطباً بذكر الله والدار الآخرة، لساناً رطباً بتلاوة القرآن وحفظه وهو شغله الشاغل الذي اشتغل به وأنعم به من شغل لمن سدده الله ووفقه. عبدالكريم اليوسف المسعود الثمرة الشهية لعقيدة الإيمان التي أحياها في قلبه على مدى أكثر من تسعين عاماً لتكون منبت خير وطاعة وصلاح وهداية وفلاح. هو من يرق ويبكي عندما يقرأ القرآن أو يسمعه. لم أجد له مبغضاً أو كارهاً عاف كاف ومثل حي في الدعوة إلى الله وفي التوعية والإرشاد والتعليم لأبناء البادية أمور دينهم. سألته ذات يوم لماذا تذهب إلى القرى والهجر والبوادي وفي ذلك مشقة وعناء فأجاب بثقة وابتسامة أنهم بأمس الحاجة إلى التعليم والدعوة والنصح وأجد في ذلك متعة وأنساً وأسأل الله القبول والثبات. رحم الله الشيخ الجليل عبدالكريم اليوسف رحمة واسعة وجمعنا معه في دار كرامته. (إنا لله وإنا إليه راجعون)