نظراً إلى كون الحرب الشاملة بمعناها الواسع (أي الحرب بين الدول العظمى) لم تعد وسيلة أو خياراً من وسائل وخيارات العلاقات الدولية بعد قيام حالة «توازن الرعب النووي»، بل استبعدت من قاموس التعامل بين الدول العظمى، باتت الأزمات الإقليمية والدولية الطبيعية أو المفتعلة الوسيلة أو الخيار الأكثر استخداماً في العلاقات الدولية، خصوصاً بين الدول العظمى التي ألغت خيار الحرب الشاملة، وأحلت محله خيارات أخرى، منها: الحروب المحدودة، الحروب العميلة أو الحروب بالوكالة، حروب التحرير الوطنية، والحروب الهامشية، وحروب الأدغال. على سبيل المثال لا الحصر واجه العالم أزمات خطيرة متواصلة منذ أزمة حصار برلين في عام 1948م، ومن ثم أزمة الصواريخ الكوبية في عام 1962م، مروراً بالحروب العربية الإسرائيلية (1948، 1956، 1967، 1973)، وإلى حرب الخليج الأولى والثانية، والحرب الأمريكية على أفغانستان والعراق، ومن بعدها أزمات إقليمية ودولية خطيرة خرجت منها أطراف الصراع بأوضاع ومكتسبات مختلفة غيّرت في موازين القوى والعلاقات الإقليمية والدولية. حالياً يواجه العالم العديد من الأزمات في مقدمتها أزمة الإرهاب على كافة المستويات المحلية والإقليمية والدولية، ومن ثم أزمة إيران النووية مع العالم، وأخيرا أزمة اليمن ومفتعلات الإرهاب فيها؛ لذلك باتت إدارة الأزمات هدفاً مستساغاً للحديث والحوار، ولربما الكتابة لكل من سمع عن مسمى المصطلح ومارس مجالاً من مجالات العلوم الاجتماعية، أو العلوم المرافقة لها. أزمة الإرهاب، بصفة عامة، سواء في أفغانستان أو في اليمن، تمثل التحدي الأكبر لكل الدول والمجتمعات الإنسانية؛ حيث تسببت في تغيير قواعد اللعبة الدولية والإقليمية وكل أساليبهما وأدواتهما وأخلاقياتهما على كافة المستويات، خصوصاً على المستوى الأمني. المهم في الأمر الراهن مناقشة أزمة اليمن مع الإرهاب والتطرف ومخاطر تصديرهما إلى الخارج، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي؛ فالأزمة التي بدأت بوضع ومستوى محلي توسعت لتصل إلى المستويين الإقليمي والدولي بعد أن وصلت شراذم تنظيم القاعدة إلى اليمن في محاولة يائسة لإيجاد وطن بديل لها فيه ومن ثم تواصلت وانتشرت بعد المحاولة الفاشلة لاغتيال سمو الأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية، أو المحاولة الفاشلة لتفجير الطائرة الأمريكية، وأخيراً الانفجارات الذاتية التي قتلت ثلاثة إرهابيين على حدود اليمن. اليمن يمتلك كل المواصفات البيئية والجغرافية والأخلاقية والعقدية الحاضنة للتطرف التي تساعد على بقاء تنظيم القاعدة بل وانتشاره، واليمن وإن كان بالفعل في حاجة ماسة إلى الدعم والتأييد والعون الخارجي، إلا أن تلك الحاجة لا بد أن تتوفر له تحت غطاء إقليمي لا بغطاء دولي، خصوصاً من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية التي يجب عليها، في حال وجود مصلحة سياسية وأمنية حقيقية لها لمحاربة الإرهاب، ألا تتدخل عسكرياً في اليمن وتبقي على تقديم الدعم والمساعدة المعلوماتية والعسكرية. لذا فإن إدارة أزمة الإرهاب في اليمن تتطلب تعاوناً محلياً وإقليمياً ودولياً، خصوصاً من الدول العربية المجاورة لليمن؛ لكونها الدول التي من المتوقع أن تكون الأكثر تضرراً في حال نجاح تنظيم القاعدة في تكرار النموذج الأفغاني فيه؛ ومن هنا فإن احتواء كل أطياف الشعب اليمني وتوظيفها لمحاربة التطرف والإرهاب بمنطق الاعتدال والوسطية بات يحتل صدارة إدارة الأزمة اليمنية لعزل التنظيم عن مصادر دعمه وتأييده بل حتى التعاطف معه. أضف إلى ذلك أن نجاح سياسة مساعدة اليمن من خلال مؤتمر لندن يتطلب مؤتمراً عربياً مسانداً له لدعم ومساعدة اليمن لنقل المجتمع اليمني من الوضع الحالي إلى وضع أكثر تطوراً وتقدماً يساعد في القضاء على أعداء الإنسانية الثلاثة (الفقر والجهل والمرض) التي تأصلت في جذوره. أخيراً تبقى ضرورة مواصلة العمليات الإجهاضية الاستباقية الأمنية والعسكرية على خلايا وأعضاء وتجمعات وأوكار تنظيم القاعدة بشكل متواصل لا يسمح له حتى بالتقاط أنفاسه.