لم يسبق للحملات الانتخابية في الكويت ان شهدت ظاهرة الاعتقالات التي جرت، ولا تزال مستمرة، لمرشحين واعلاميين ترى السلطات انهم تجاوزوا الحدود في النقد السياسي والشخصي خلال الندوات والمقابلات التلفزيونية. فهناك أكثر من ستة اشخاص مثلوا حتى أمس امام النيابة العامة وبعضهم اعتقل لأيام وآخرون لا يزالون محتجزين وغالبيتهم من ناشطي القبائل التي كانت تعتبر تقليديا، ولنحو اربعين عاماً مضت، موالية للنظام، لكنها باتت تقدم الآن المعارضين الأكثر حدة والأعلى صوتا. بدأ الأمر مع انطلاق الموسم الانتخابي الحالي قبل اسبوعين عندما أدلى نقابي مغمور نسبياً يدعى خالد الطاحوس بتصريحات خلال ندوة حمل فيها على سلطات الأمن لما تقوم به من اجراءت لمنع انتخابات سرية غير مشروعة تجريها القبائل استعدادا للانتخابات. وقيل ان الطاحوس توعد الدولة بقوة القبائل، وهو تصريح لقي استهجاناً واسعاً في الكويت، لكن الحكومة قررت عدم ترك الأمر عند ذلك، فاعتقلته ومثل امام النيابة العامة التي مددت حبسه اسبوعاً قبل ان توجه إليه عشر تهم معظمها يتصل بالمساس بأمن الدولة. ولما خرج من الحبس كانت شعبية الطاحوس ارتفعت عند قبيلته «العجمان» لدرجة اكتساحه الانتخابات الداخلية التي اجرتها القبيلة غير مبالية بالحظر القانوني. الشيء نفسه حصل مع النائب السابق ضيف الله بورمية من قبيلة «مطير» الذي اعتقل مطلع الاسبوع الحالي ولا يزال محتجزا عند النيابة العامة التي اعتبرت انتقاداته لوزير الدفاع الشيخ جابر المبارك الصباح وزعمه بعدم صلاحية الأخير لرئاسة الحكومة المقبلة «تعديا على سلطات الأمير». وزاد الاعتقال من شعبية بورمية لدرجة ان اعتصامات صارت تنظم كل ليلة امام مبنى «ادارة مباحث امن الدولة» حيث يحتجز، ويشارك فيها نواب سابقون، خصوصاً من قبيلته، وناشطون متحمسون من القبائل يضيئون الشموع في منظر غير معتاد في الكويت، خصوصا من ابناء القبائل. وعلى رغم الحجز اضطرت النيابة الى استدعاء موظف من ادارة الانتخابات كي يتمكن بورمية من تقديم ترشيحه خوفاً من ان يفسر الاستمرار في احتجازه على اساس انه تدخل سياسي من القضاء. ثم استدعت النيابة بناء على طلب حكومي ايضا، عضو المجلس البلدي خليفة الخرافي واحتجزته للتحقيق في اتهام توجيهه اساءات الى الأسرة الحاكمة خلال مقابلة مع محطة «العدالة» التلفزيونية المحلية، واستدعت ايضا مذيع المحطة بداح الهاجري الذي اجرى المقابلة مع الخرافي وجرى احتجازه ايضا. واستدعي كذلك النائب السابق خالد السلطان وحققت معه النيابة في شأن شكوى قدمتها الشيخة فوزية الصباح من انه اساء الى الأسرة الحاكمة في تصريحات، لكنها افرجت عنه بكفالة ومن دون حبس. ثم طلبت النيابة العامة ضبط وإحضار مرشح الدائرة الخامسة فلاح العجمي لإقامته ندوة من دون ترخيص وهي الندوة التي استضاف فيها بورمية. وانقسم الجمهور الكويتي في شأن الاجراءات الحكومية والقضائية الى فريقين، فريق غالبيته من الحضر سكان المناطق الداخلية في مدينة الكويت يؤيد هذه الاجراءات «بعد ان تجاوز مرشحون كل الحدود والاعتبارات واللياقة السياسية في ندواتهم»، وفريق ثان من القبائل يرى ان الاجراءات موجهة ضده ويتبرم من ان الدولة تعامل القبليين بدرجة اقل مما تعامل به الحضر. وانتقد كتاب كويتيون توسع الحكومة في اجراءاتها ضد المرشحين، بينما اعتبر بعضهم انها «صنعت من خصومها الذين اعتقلتهم ابطالا في عز موسم الانتخابات». واستمرت عمليات تسجيل المرشحين امس فتقدم 18 منهم، ما رفع المجموع الى 224 مرشحا. وسيغلق باب الترشح بعد غد الجمعة بانتظار يوم الاقتراع في 16 ايار (مايو). وتحولت ادارة الانتخابات حيث يقدم المرشحون طلباتهم منصة اعلامية وسط حضور كثيف للصحافة وكاميراتها وميكروفوناتها ومع دخول اكثر من خمس محطات تلفزيونية المعمعة الانتخابية. واكثر المرشحين يتخذ من رفض الاعتقالات منطلقا لخطابه الانتخابي، وبعضهم يتحدث عن الخدمات العامة واصلاح الاقتصاد، وبعضهم لا يتردد في اطلاق اغرب التصريحات واكثرها صخبا مثل صالح بهمن - وهو مرشح حقق نتائج متواضعة جدا في انتخابات سابقة - الذي طالب لدى اعادة ترشحه امس بأن «تقيم الكويت علاقات ديبلوماسية مع اسرائيل» معتبرا ان ذلك سيعزز علاقتها بالغرب.