من شأن مبادرة وزير الداخلية والبلديات زياد بارود الى التقدم من مجلس الوزراء بسلة من التعديلات المقترحة لضمان إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في موعدها الدستوري في الربيع المقبل، أن تسهم في تظهير مواقف الأطراف السياسيين الرئيسيين على حقيقتها من إنجاز هذا الاستحقاق، مع أن البعض يعتبر أن رفع سقف هذه التعديلات سيوفر الذرائع للذين يريدون تأجيلها بحجة أن الحفاظ على التهدئة أمر ضروري وأن لا مصلحة لأحد في تهديدها في حال تبين أن المنافسة البلدية ستدفع باتجاه عودة الانقسام الحاد الى الساحة المحلية. ويرفض هذا البعض اتهام الوزير بارود بأنه عمد الى رفع سقف التعديلات لأنه يريد تجنّب أن يكون وحده المسؤول عن تأجيل إجراء الانتخابات وبالتالي فهو يتطلع الى رمي المسؤولية على عاتق من يزايد عليه في إتمامها فيما يسعى وراء الكواليس الى التمديد للمجالس البلدية والاختيارية الى ربيع 2011 بذريعة توفير الوقت الكافي لإصلاح قانون الانتخاب البلدي وتنقيته من الشوائب. لكن هذا البعض يسأل في المقابل عن الأسباب التي أملت على بارود التقدم بتعديلات لإجراء الانتخابات البلدية غير قابلة للتنفيذ في المدى المنظور وبالتالي كان من الأجدر أن تبقى في حدود المعقول لنزع الذرائع التي يتلطى خلفها من لا يريد إجراءها، وإلا هل يمكن مجلس الوزراء أولاً والبرلمان ثانياً، أن يتوافقا على إقرار تعديلات مهمة بحجم اعتماد النظام النسبي في المدن الكبرى وانتخاب رئيس البلدية ونائبه مباشرة من الشعب وتخصيص كوتا نسائية بنسبة 30 في المئة في جميع المجالس البلدية من دون استثناء؟ إضافة الى إصرار «تكتل التغيير والإصلاح» برئاسة العماد ميشال عون على تقسيم بيروت ثلاث دوائر انتخابية ورفضه العودة عن إصراره إلا باعتماد النظام النسبي في الانتخابات. كما أن صرف الوزير بارود لضيق الوقت النظر عن خفض سن الاقتراع من 21 سنة الى 18، مع أن الحكومة تقدمت من البرلمان باقتراح قانون يرمي الى تعديل الدستور بما يضمن خفض سن الاقتراع، سيعطي للذين لا يتحمسون لإجراء الانتخابات ذريعة جديدة تحظى بتأييد شبابي وتضمن لأصحاب هذا الرأي الإصرار على موقفه على خلفية رفض حرمان أكثر من ثلاثمئة ألف شاب لبناني من الاشتراك في الانتخابات البلدية. لذلك لن يتجرأ أي من القوى السياسية على المطالبة في العلن بتأجيل الانتخابات لكنه سيدخل الى تحقيق ما يريده من باب المزايدة على الذين يرغبون في اتمامها حتى لو اقتضى الأمر تجميد العمل بخفض سن الاقتراع أو صرف النظر عن بعض التعديلات المقترحة من بارود. وعليه فإن المخرج لتأجيل البلديات يمكن أن يكمن في الإصرار على وضع قانون انتخاب جديد للبلديات يصار الى إقراره لاحقاً بالتزامن مع الإفراج عن اللامركزية الإدارية التي نص عليها اتفاق الطائف لكنها بقيت حبراً على ورق لم يسبق للبرلمانات السابقة أو الحكومات السالفة أن تجرأت على المضي في اتباع الآلية الموضوعية لإخراجها من أدراج اللجان النيابية المشتركة. ناهيك بأن تعذر التوافق على اعتماد النسبية في البلديات سيدفع عون الى المطالبة ببديل انتخابي لبيروت يقوم على أساس توزيعها الى ثلاث دوائر انتخابية وهذا ما يرفضه رئيس الحكومة سعد الحريري الذي كان حذّر من تقسيمها وأبلغ قيادات «تيار المستقبل» وكوادره وناشطيه في اجتماعه معهم الجمعة الماضي أن تقسيم العاصمة يعني العودة بلبنان الى الوراء بدلاً من التقدم باتجاه تحقيق المزيد من الانصهار الوطني وبالتالي لا مجال للبحث في أي شكل من أشكال التقسيم «خصوصاً أن لدينا القدرة على التوافق وهذا ما حصل من دون أن تعترضنا أي ثغرات في الانتخابات البلدية في دورتي 1998 و2004». واعتبرت مصادر في «تيار المستقبل» أن الحريري قال كلمته في الوقت المناسب لقطع الطريق على محاولة جر لبنان الى مغامرة سياسية من خلال تقسيم بيروت، خصوصاً أن بعض الوزراء أخذوا يشيعون منذ أيام أن لدى معظم الأطراف المسيحيين رغبة في تقسيم بيروت. وطبيعي أن يكون عون في صورة موقف الحريري الرافض تقسيم بيروت وهو لهذا السبب بدأ يميل الى الاستعاضة عن طلبه هذا باشتراط اعتماد النسبية في احتساب نتائج الانتخابات. أما لماذا بدأ عون يتراجع عن مطالبته بتقسيم بيروت؟ في الإجابة على السؤال، لا بد من التوقف أمام الوقائع الآتية التي أملت عليه سحب مطالبته بتقسيم بيروت من التداول، وفيها: - ليس صحيحاً القول إن لدى جميع الأطراف المسيحيين رغبة في تبني مطالبة عون بتقسيم بيروت بذريعة أن من لا يراعيه في موقفه سيجد نفسه محرجاً أمام الشارع المسيحي. - أن تقسيم بيروت سيدفع البعض الى المطالبة بتحرير مجلس بلديتها من وصاية المحافظ خلافاً لكل البلديات في لبنان التي تدير شؤونها من دون وصاية المحافظين باعتبارها مجالس بلدية منتخبة من الشعب مباشرة الذي يعود له الحق في محاسبتها بعدم التجديد لها في حال إحساسه بأنها أدارت له ظهرها ولم تبدِ اهتماماً بمطالبه. - من قال إن تقسيم بيروت سيؤمن التوافق الذي انعكس توازناً في التمثيل الطائفي في الانتخابات البلدية السابقة، لا سيما أن الناخبين المسيحيين موزعون على جميع الأحياء في العاصمة، بالتالي لا مصلحة لأحد في خوض مغامرة بلدية غير محسوبة النتائج؟ - ان حلفاء عون، لا يدعمونه في أي موقف يشتمّ منه أنه يهدف الى تقسيم العاصمة. وفي هذا السياق علمت «الحياة» أن الاطراف الشيعية الرئيسة ضد تقسيم بيروت لأنهم ضد أي خطوة يمكن أن تترتب عليها ارتدادات سلبية تهدد الاستقرار العام وأن تقوض الركائز التي قامت عليها حكومة الوحدة الوطنية، إضافة الى أنها تخلّف توتراً مع السنّة، وهم بالتالي في غنى عن توفير الغطاء لأي خطوة يمكن أن تعيد الاحتقان الطائفي والمذهبي الى ما كان عليه في أيار (مايو) 2008.