بور او برنس، جنيف، واشنطن - أ ف ب، رويترز - تحول وسط العاصمة الهايتية بور او برنس الى مخيم كبير للاجئين يبحث فيه آلاف الأشخاص عن المياه والطعام والأدوية. وفي المنازل المهدمة، بقيت جثث القتلى في الوضع الذي كانت عليه عند وقوع الزلزال ليل الثلثاء - الأربعاء، كذلك في السيارات المدمرة. وعندما تنتشل الجثث من الأنقاض، تمدد في صفوف في الشوارع، مغطاة بأقمشة. هذه المشاهد المبكية تتكرر في كل مكان في العاصمة الهايتية بعد اكثر من 24 ساعة على الزلزال الذي ما زال عدد ضحاياه مجهولاً لكنه قد يتجاوز المئة الف قتيل. ووسط الدمار، اناس يصرخون طالبين النجدة لإنقاذ أقرباء لهم عالقين تحت الأنقاض. اما الناجون، فهائمون في الشوارع لا يملكون سوى المواساة لمساعدة الجرحى. لا سيارات اسعاف ولا فرق اطفاء ولا حتى رفوش. بعض السكان استعاد جزءاً يسيراً مما كانوا يملكونه في بيوتهم المدمرة لإقامة مسكن بدائي، بانتظار ان يصل احد ما ليقدم لهم بعضاً من المياه والرز. تقول فرانشيسكا (14 سنة) وهي جالسة على الأرض وقد عصبت رأسها: «انهار منزلي وقتل شقيقاي باتريك وغريغوري ولم نعثر الى الآن على جثتيهما». وتضيف «نتمنى ان نجد منزلاً لننام فيه والله سيعيننا». أمضت مع عشرين من أشقائها وشقيقاتها وأقربائها ليل الأربعاء - الخميس في ساحة سان بيار مع آلاف الهايتيين الآخرين، فيما بالكاد يضيء مصباح يدوي او شمعة المكان. وفي منتصف الليل، قام مئات الأشخاص بمسيرة عفوية وهم ينشدون: «المجد لله والخلاص قريب» ويضربون مرافقهم وركبهم بأيديهم. وبين هؤلاء المؤمنين صموئيل ماكسيليس (20 سنة) الذي يروي ما شهده عند وقوع الزلزال. ويقول الشاب الذي يرى نفسه «بطلاً» ويحلم بدراسة الطب في كوبا: «كانت كتل الإسمنت تتساقط في كل مكان والناس يبكون. تسلقت مثل هر سطح خزان لأنقذ قريباتي. منزلي انهار». الأكبر سناً يبكون وهم يفكرون في أبنائهم الذين قتلوا او في أسرهم التي قطعت اخبارها. فالزلزال ادى الى قطع خطوط الهاتف ايضاً. ويقول رودي باتيسيتا الرجل الثمانيني وهو جالس على باب منزله المدمر: «ماذا فعل بلدنا لتحل به هذه المصيبة؟»، مؤكداً انه لن يغادر المكان قبل ان يتسلم جثتي ولديه المدفونتين تحت الأنقاض. وعلى بعد أمتار منه، تغني مجموعة من النساء وهن يصفقن في محاولة لتجاوز اليأس. فجأة يبدو الذعر في اعينهن فيما تبدأ الأرض بالاهتزاز من جديد. وتتساءل إحداهن: «هل تعتقدن ان الأرض ستزلزل بقوة من جديد؟»، فترد أخرى: «الله وحده هو العالم» بذلك. وفي الجادة القريبة من القصر الرئاسي، يقول ميليان رودي الذي امضى ليلته على الأرض مع زوجته وابنتيهما ولم يتناولوا اي طعام منذ 24 ساعة، ان «هايتي اصبحت مجدداً بلداً لا يعرف نهايات سعيدة». ونصب اللاجئون الجائعون والجرحى خياماً صنعوها من قطع اقمشة حصلوا عليها من هنا وهناك وهم يروون مآسيهم المتشابهة... منازل دمرها الزلزال وأقرباء قتلوا او ما زالوا عالقين تحت الأنقاض. ولم تكن تنقص سوى شائعة باحتمال حدوث تسونامي (مد بحري) ليتدافع سكان بور او برنس باتجاه مرتفعات ضاحية بيتيون فيل. وقالت سيدة تحاول الوصول الى التلال مشياً على الأقدام: «شعر الناس باهتزازات قوية وهبطت درجة الحرارة فجأة وأعلنوا ان المياه ترتفع». وينتظر سكان بور او برنس بقلق وصول الإغاثة من مؤن وأدوية. ويرقب السكان المنكوبون السماء على أمل ظهور احدى مروحيات المساعدة الإنسانية. وتظهر المباني الرسمية التي دمرها الزلزال وبينها القصر الرئاسي ومقار الوزارات، حال العجز التي تواجهها المؤسسات الهايتية فيما اعلن ان العديد من اعضاء الحكومة في عداد المفقودين. ودمر الزلزال مؤسسات رئيسية بينها منشآت كهربائية ما اغرق المدينة التي تعد نحو مليوني ساكن في الظلام والبلد الذي يعد الأفقر في القارة الأميركية في بؤس اشد حدة. وقال الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون والمبعوث الخاص للأمم المتحدة الى هايتي ان «بعض الأشخاص يموتون من البرد والجفاف أو بسبب اصابات كان يمكن علاجها بسهولة». وأضاف ان عمليات الإغاثة يجب ان تركز لمدة عشرة الى 15 يوماً على توفير الحاجات الأساسية مثل الغذاء والماء والمأوى والإسعافات الأولية. وفي بادرة نادرة وذات مغزى قطعت زوجته وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون جولة في بلدان المحيط الهادىء وعادت الى الولاياتالمتحدة لتنسيق المساعدة الأميركية. واعتبرت كلينتون ان عدد قتلى زلزال هايتي سيصل الى «عشرات الآلاف»، مؤكدة ان حجم الكارثة «يفوق التصور». وقالت لقناة «ام اس ان بي سي» في معرض شرحها لعمليات البحث والإنقاذ التي تقوم بها الولاياتالمتحدة في هايتي: «نعلم ان (عدد القتلى) سيكون بعشرات الآلاف». وأضافت: «لقد دمر هذا الزلزال هايتي، الوضع يفوق التصور». في جنيف، قالت ناطقة باسم الأممالمتحدة ان ما يصل الى 200 من موظفي المنظمة الدولية في هايتي بينهم جنود لحفظ السلام ما زالوا مفقودين بعد انهيار مقرهم ومبان اخرى في زلزال مدمر. وأضافت اليزابيث بيرس الناطقة باسم مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ان من المعتقد ان ما بين 50 الى 100 من قوات حفظ السلام محاصرون في المبنى. وقالت انه «في الإجمال يوجد ما بين 115 و200 مفقود لكنه تقدير من ليل الثلثاء - الأربعاء». وأرسلت دول عدة من بينها فنزويلا وفرنسا وروسيا طائرات تنقل امدادات اغاثة الى هايتي. ووصلت سفينة لخفر السواحل الأميركي وتلتها سفينة أخرى. ويتوقع ان تصل حاملة طائرات اميركية الى هايتي فيما تدرس واشنطن ارسال سفينة تضم مستشفى.